الرئاسة اللبنانية محك شعار “حماية الأقليات” هل تتدخّل موسكو مع إيران لتحرير الاستحقاق؟
روزانا بومنصف/النهار/23 تشرين الأول 2015
وفر الدعم الذي أعلنته الكنيسة الارثوذكسية الروسية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا انطباعا بان هذه العمليات التي ادرجت تحت عنوان مواجهة الارهاب ستشكل حماية للاقليات في سوريا ومن بينها الاقلية المسيحية التي باتت الى تناقص مخيف. واثيرت انتقادات لموقف الكنيسة الارثوذكسية من مراجع مسيحية في لبنان وسوريا ومن شخصيات سياسية رفضا لاقحام أو توظيف المسيحيين في حرب تتخذ طابعا طائفيا أو دينيا ويمكن تاليا ان تزج المسيحيين اكثر في خضم الصراعات التي بالكاد تم تجنبها قدر المستطاع حتى الآن على رغم ان النظام لعب هذه الورقة مرارا خلال الاعوام القليلة الماضية. وليس موقف الكنيسة الارثوذكسية بجديد اذا اخذت في الاعتبار الحملة التي قامت بها مرجعيات روحية مع بداية الحرب في سوريا بحيث زارت هذه المرجعيات دولا غربية وروجت لديها لضرورة عدم التخلي عن بشار الاسد بذريعة انه يحمي الاقليات ويساهم في حماية استمرار الوجود المسيحي في سوريا. وقد اثارت مواقف هذه المراجع وقتئذ حساسيات وانتقادات كبيرة محلية وخارجية خشية اقحام المسيحيين في صراع مذهبي خطير سيدفعون ثمنه على الارجح. وقد توالى موقف هذه المرجعيات الذي استمر في بعض الاوساط حتى الوقت الراهن اي في السنة الخامسة على الحرب التي بدأها النظام السوري ضد شعبه، لكن رد الفعل في لبنان وسوريا كان اكبر هذه المرة خصوصا ان الرد يستهدف الكنيسة الارثوكسية الروسية وليس الكنائس المحلية التي باتت اكثر حذرا في ابداء رأيها العلني في ضرورة بقاء الاسد.
الا انه رغم ذلك ومع الذريعة الروسية المستمرة حول حماية الاقليات بغض النظر عن موقف الكنيسة الروسية، فان سياسيين كثيرين تلقفوا هذه النقطة بالذات من أجل ان يحشروا الروس في منطقهم. فاذا كان التدخل العسكري الروسي يهدف الى حماية المسيحيين للحؤول دون هجرتهم جنبا الى جنب مع العلويين الذين استنزفهم بشار الاسد في حربه ضد معارضيه، فان المسيحيين في سوريا ومعظمهم من الطائفة الارثوذكسية بنوع خاص لم تعد تتعدى نسبتهم ما بين 4 الى 5 في المئة وغالبية هؤلاء لجأوا الى لبنان كمستقر أو كممر. فحتى الآن يبقى لبنان خصوصا من حيث ثقله المسيحي ولو تراجع مع الاعوام ملاذ الاطمئنان للمسيحيين اللاجئين من العراق وسوريا. والمنطق الذي سعت شخصيات سياسية الى ابلاغه الى السفير الروسي في مناسبة جولته على بعض الشخصيات السياسية في اطار شرحه ابعاد العملية العسكرية الروسية في سوريا انه ما دام احد الاهداف المعلنة للعملية حماية الاقليات المسيحية من أجل ان تبقى في المنطقة فقد يكون من الاولى ان تعمد روسيا الى الضغط على إيران من أجل الافراج عن استحقاق الانتخابات الرئاسية في لبنان. فهناك على الاقل عامل استنجاد إيران بروسيا من أجل مساعدتها ونظام الاسد على الصمود ما يعطي لروسيا اوراقا يمكنها ان تؤثر بها على حلفائها ايضا في الموضوع السوري، اي على إيران في حال شاءت ان تظهر جدية في موضوع العمل على حماية الاقليات وبقائها في المنطقة. اذ يفترض الا يغيب عن بال روسيا انه فيما تعمل على حل في سوريا يناسب مصالحها ومن ضمنها حماية الاقليات وفق ما هو معلن فان الوجود المسيحي في سوريا كما في لبنان بعد العراق الى استنزاف قوي بحيث قد لا يعود ينفع الحل كثيرا متى افرغ لبنان بعد سوريا من المسيحيين. فمع ان لبنان لا يشهد حربا تدفع بابنائه الى الهجرة القوية كما هي حال سوريا، الا ان ثمة هجرة لا يستهان بها في ضوء استباحة اقليمية للاستحقاقات اللبنانية وعلى رأسها منع حصول انتخابات رئاسية وابقائها ورقة في يد اللاعب الإيراني. فالمحك الحقيقي للشعارات الروسية لا يقتصر على سوريا انطلاقا من ان تداعيات الحرب السورية انصبت على لبنان وانهكته ويفترض ان تترجم روسيا شعاراتها في افعال حقيقية عملانية بحيث تظهر من جهة اخرى ان سعيها في هذا الاطار لا يجعلها تنحاز الى محور مذهبي على حساب آخر. وموضوع تأمين الامان والطمأنينة للطوائف المسيحية يعتبر جزءا اساسيا من هذه النقطة الاخيرة بالذات.
وفي رأي هذه الشخصيات ان عرض العضلات الروسي الذي يظهر قدرة على الامساك بالثور من قرنيه يفترض ان يظهر قدرة على التأثير في الموقف الإيراني الذي يفضل على الأرجح بيع ورقة الاستحقاقات اللبنانية ولا سيما رئاسة الجمهورية في لبنان الى الولايات المتحدة أو بالحد الأدنى الى المملكة السعودية من أجل الحصول على ثمن في المقابل تطمح إليه إيران من أجل إعطاء دفع لموقعها وعبرها الى موقع “حزب الله” في لبنان. لكن بغض النظر عن التقويم ما اذا كانت روسيا تستطيع القيام بذلك ام لا أو اذا كانت إيران يمكن ان تتجاوب مع المساعي الروسية اذا بذلت في هذا الاطار، فان هذا الجانب من التحدي اطلق امام الروس ما قد يشكل محكا لصدقيتهم ايضا خصوصا في ضوء موقف معلن بات معروفا حول اعتبار روسيا عدم امكان وصول رئيس طرف الى رئاسة الجمهورية والعمل على انتخاب رئيس يتوافق عليه الجميع ويشكل اطمئنانا لهم. وفي هذا العنصر الاخير ما ينفي عن روسيا امكان ابتعادها عن هذا الملف بل بالعكس إمكان مساهمتها في التحرك إيجابا.
لا عودة لحكم “ديموقراطية الأكثرية” في لبنان إلا بعودة التعدّدية إلى داخل كل طائفة
اميل خوري /النهار/23 تشرين الأول 2015
بات على لبنان أن يختار بين “الديموقراطية العدّدية” و”الديموقراطية التوافقية” لا أن يظل يخلط بينهما وفق الظروف والمصالح والأمزجة كما حصل حتى الآن ومنذ عام 2005. لقد نجح لبنان في الماضي في تطبيق النظام الديموقراطي العددي فكان الحكم للأكثرية من رئاسة الجمهورية الى رئاسة مجلس النواب الى رئاسة الحكومة، وهي أكثرية تنبثق من انتخابات نيابية حرّة ونزيهة في ظلّ الطائفية ولكن أيضاً في ظلّ أحزاب وطنية كان يختصرها حزبان كبيران هما حزب “الكتلة الوطنية” وحزب “الكتلة الدستورية”، وكلاهما يتألف من شخصيات مسيحية واسلامية ومن كل المناطق. وكان لكل منهما مرشحون للرئاسات الثلاث. وعند تشكيل الحكومات كان من تسميه الأكثرية في الاستشارات يشكلها ويختار الوزراء فيها بالتشاور والاتفاق مع الكتل والأحزاب التي تؤلف الأكثرية، ولم تكن اي طائفة أو مذهب كما اليوم تحتكر ذلك بحيث أن الطائفة الشيعية مثلاً إذا لم تتمثل بصبري حمادة كانت تتمثل بعادل عسيران أو بأحمد الأسعد، وإذا لم تتمثل الطائفة السنية بسامي الصلح لرئاسة الحكومة كانت تتمثل بصائب سلام أو برشيد كرامي، وإذا لم تتمثل الطائفة المارونية بكميل شمعون فأنها كانت تتمثل ببيار الجميل أو بريمون إده أو بسليمان فرنجيه عندما تكون حكومات أقطاب مع مراعاة التوازن الطائفي وكذلك الوزن في التمثيل.
إلا أن ما حال دون الاستمرار في تطبيق ديموقراطية الأكثرية ليست الطائفية فقط إنما الأحزاب الطائفية، بحيث لم يعد في الامكان تمثيل طائفة كبرى من دون الحصول على موافقة زعيم هذه الطائفة أو رئيس الحزب الممثل لها تمثيلاً حصرياً. فالطائفة الشيعية مثلاً زالت فيها التعدّدية بعد قيام “التحالف الثنائي” المؤلف من “حزب الله” وحركة “أمل” وامتلاكه حصرية اتخاذ القرارات باسم الطائفة، فلا انتخاب رئيس للجمهورية يتم إلا بموافقة هذا التحالف، ولا تشكيل حكومة إلا بموافقته أيضاً وإلا أصبحت الحكومة غير ميثاقية إذا لم يتمثل فيها من يسميه هذا التحالف بالذات من دون سواه، وهو وضع لم يكن سائداً في الماضي داخل أي طائفة أو مذهب، ما جعل تطبيق “الديموقراطية العددية” متعذراً في غياب التعددية داخلها واعتبارها شبه ديكتاتورية، فحلَّت محلها بدعة “الديموقراطية التوافقية” وهي شبه فيديرالية، والتي لا بديل منها في ظل الطائفية والاحزاب المذهبية، وقد صار تطبيقها منذ عام 2005 مع نمو الشعور الطائفي وتراجع الشعور الوطني، وتطبيقها لم يضمن دوام الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولا كانت الحكومات التي تتألف على أساسها حكومات منتجة لأنها تتألف من أضداد قلّما يتفقون، وباتت العودة الى”الديموقراطية العددية” تتطلب الغاء الطائفية السياسية أو انشاء احزاب وطنية أو عودة التعددية الى داخل كل مذهب وطائفة لتصبح الأكثرية خاضعة للتغيير بفعل نتائج الانتخابات النيابية، في حين أن هذه النتائج لا تغير شيئاً مع تطبيق “الديموقراطية التوافقية”، لا في انتخاب رئيس للجمهورية ولا في تشكيل الحكومات، وهو الحاصل اليوم إذ يكفي امتناع نواب “حزب الله” عن حضور جلسات الانتخاب ليتعطل انتخاب الرئيس، ويكفي امتناع الحزب عن المشاركة في الحكومة إلا بشروطه لكي تصبح غير ميثاقية، مع إصرار كل حزب وتكتل على تسمية الوزراء فيها بحيث يجتمع الأضداد في الحكومة ويتحمل الشعب عواقب صراعهم. فاذا اتفقوا فانهم يتفقون بالمحاصصة على حساب المصلحة العامة، واذا اختلفوا كان على حساب هذه المصلحة أيضاً، عدا ان حكومات كهذه لا تخضع لأي محاسبة من مجلس النواب ولا من اي متضرر لأن كل الاحزاب والكتل على اختلاف اتجاهاتها ممثلة فيها، فمن يحاسب مَن؟! لذلك بات مطلوباً من القادة في لبنان حسم الخلاف حول أي نظام يريدون ويكون ضامناً للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي ويتلاءم وتركيبة لبنان السياسية والطائفية الدقيقة. فتطبيق نظام “الديموقراطية العددية” بات في حاجة الى الغاء الطائفية أو عودة التعددية الى داخل كل مذهب وطائفة، و”الديموقراطية التوافقية” أثبتت بالممارسة أنها تجربة فاشلة إذ أن في استطاعة أي مذهب أو طائفة استخدام حق “الفيتو” لتعطيل صدور أ قرار أو تعطيل تنفيذه. الواقع أن كل نظام لا تقوم فيه موالاة ومعارضة هو نظام ديكتاتوري، وكل نظام تقوم فيه موالاة ومعارضة هو النظام الذي يستطيع مكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين