حزب الله والدولة: يريد الحكم بلا مسؤولية… وشريكاً مستحيلاً
علي الأمين/جنوبية/23 آب/16
رغم مقدرة حزب الله على تسخير كل ما حوله من حلفاء وخصوم للإتيان بالرئيس الذي يوافق هواه إلا أنّه ما زال يتجاهل هذا الملف متذرعاً بحجج أقل ما يقال عنها واهية.. يؤكد حزب الله على لسان مسؤوليه ان تيار المستقبل وما تبقى من قوى 14 آذار هي من يعرقل انتخاب رئيس الجمهورية. يكرّر مسؤولو حزب الله هذه اللازمة منذ أشهر دون اي تغيير. كما يردّ وزراء ونواب المستقبل على هذه اللازمة بالقول ان النزول الى مجلس النواب وعدم المقاطعة هي المعيار في تحديد من يريد انتخاب الرئيس ومن لا يريد ونواب حزب الله هم من فئة المقاطعين الدائمين لجلسات الانتخاب منذ نحو عامين ونصف العام.
وزير الصناعة وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النيابية حسين الحاج حسن اكد قبل يومين انه عندما يتحرر تيار المستقبل ويصبح قراره حراً يمكن حينها انتخاب رئيس للبلاد. وهذا الموقف الاخير يحاول ان يظهر، كما سابقات له، ان تيار المستقبل عاجز عن اتخاذ قرار انتخاب الرئيس. لكن على رغم سذاجة الاتهام ومكابرة حزب الله حيال مسألة انتخاب الرئيس، فإن السؤال يبقى: لماذا يتمسك حزب الله باتهام خصومه بتعطيل الرئاسة فيما هو الذي يمتنع مع بعض حلفائه عن المشاركة في اكثر من 40 جلسة انتخاب لم تكتمل بسبب فقدان النصاب حتى الآن؟ الثابت ان حزب الله وصل الى ما وصل اليه من نفوذ وسلطة الى الحدّ الاقصى، سواء على مستوى المؤسسات الدستورية والقانونية او على المستوى الامني والعسكري، او على مستوى حرية الحركة التي تتيح له التحرك كيفما يشاء على امتداد الاراضي اللبنانية، وحتى الى خارج الحدود. واذا كان من كوابح له فهي تتصل بحسابات خارجية ولا تتصل بتاتا بقوة ردع داخلية. اقصى ما يمكن ان يصل اليه من نفوذ وصل اليه. يستطيع عسكريا ان يحتل كل لبنان اذا شاء. الموانع تتصل بواقع اجتماعي طائفي وليست موانع لوجستية. هو اصلا بسبب فائض القوة لديه انخرط في الحرب السورية من دون تردد. بل ذهب الى اعتبار نفسه قوة اقليمية تغير في معادلات المنطقة. لبنان ليس عائقا من الناحية العسكرية، وليس حزب الله عاجزا اذا اراد ان يعدّ لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية. وهو قادر على الاتيان بمن يشاء الى موقع الرئاسة الاولى. ولن يعدم الوسيلة الى تحقيق ذلك بوسائل سلمية وبشيء من ايحاء القوة او التهويل.
ويبقى السؤال: لماذا لا يقوم حزب الله بهذه الخطوة ما دام قادرا على الامساك بكل شيء وتشغيل خصومه بما يخدمه في ماكينة السلطة؟
الارجح ان حزب الله مربك. ذلك ان القدرة الفائقة لديه لتطويع كل خصومه في لبنان باتت تشكل مأزقا حقيقيا لحزب الله. وهذا الاختلال الحاد في التوازن السياسي والسلطوي لصالحه جعله عاجزا عن اعتماد اسلوب ايجابي فذهب الى السلبية. اي الى ابقاء الاوضاع على ما هي عليه، مع ادراكه ان الدولة والمجتمع الى مزيد من الانحلال. فلبنان في اسوأ مراحله من النواحي السياسية والاقتصادية والمالية. ولا مؤشرات تدل على ان هذا التدهور سيتوقف. كما يدرك حزب الله ان ما يمنعه من مباشرة السلطة ليس فقط عدم خبرته في بناء الدولة، بل لأن الدولة باتت في وضعية قد تودي بمن يريد ان يتصدى للحكم ويتحمل كامل المسؤولية امام اللبنانيين والخارج. ليس جديدا القول ان حزب الله لا يريد ان يحكم وحده. فهو يسير على قاعدة ذهبية في التعاطي مع شؤون الدولة: “لي الغنم وعلى غيري الغرم”. هو متخفف من التزامات الدولة تجاه المواطنين والخارج. فلا يبني سياساته على قواعد مصلحة الدولة والتزاماتها ما دامت الخسائر ليست من حسابه، كما ان الارباح هي في نهاية الامر له وليست لصالح الدولة … كما في غالب الاحيان. لذا حزب الله اليوم يبحث عن شريك فلا يجده، لا لأن الآخرين لا يرغبون في هذه المشاركة وبما يشاء من شروط – طبعا مع حفظ بعض ماء الوجه للشركاء – بل لأن حزب الله الذي يملك من القوة والسلاح والنفوذ ما يملك، لا يجد في الساحة اللبنانية من لديه القدرة على دفع ثمن هذه السلطة لاعادة تسييلها في مؤسسات الدولة. ليس في لبنان من يستطيع ان يشتري بضاعة حزب الله. ربما هناك من يدعي هذه القدرة، لكن البائع لا يثق بقدرة المشتري ولا بقدرته على الالتزام بدفع المترتبات في اوقاتها.
حزب الله مضطر ان يبيع لكن السعر المعروض عليه “ما بوفي”. وهو عاجز عن أن يأخذ الجمل بما حمل (الدولة) ولا يريد. ليس تعففا، بل لانها في حساباته تجارة خاسرة. حزب الله فعلا يريد شريكا لكن يريده قوياً يمون على العرب، ويريده في الآن نفسه مطيعا له. يريده ان يتحمل اعباء حل مشاكل الدولة من دون ان يحمل حزب الله ايّ اعباء فشل، ولا ان يلزمه بتغيير سلوكه. هذه المواصفات للشريك الذي يريده حزب الله هي مستحيلة ويعرف ايضا انها مستحيلة. لذا ليس قادرا على العودة الى الوراء، وهو عاجز عن ان يتقدم. لذا على اللبنانيين ان ينتظروا الكارثة، لأنها هي الأقرب الى الواقع والى التحقق من حل مشكلة حزب الله مع مفهوم الدولة.