اقتراع على ثوب الميثاقيّة
الـيـاس الزغـبـي/28 آب/16
الميثاقيّة، كما يتمّ استخدامها راهناً، تبدو آخر الشعارات التي يتمّ تجويفها وتجفيفها، قبل بلوغ حال الانهيار الشامل للدولة والمؤسّسات.
كلّ فريق سياسي يقرأها على هواه وعلى قياس مصالحه في السياسة والسلطة، فتتعدّد تفسيراتها وتوظيفاتها، منذ 2006 وحكومة السنيورة “المبتورة”، مروراً بالتمديد لمجلس النوّاب، وصولاً إلى التمديد الثاني لقائد الجيش الآن. وكأنّ التمديد الأوّل كان “ميثاقيّاً” لا شكّ فيه!
وفي الحقيقة، يقع التمديد الحاصل، بكلّ مستوياته، سواء في مجلس النوّاب أو في المؤسّسات الأُخرى، خارج السياسة الطبيعيّة وتداول السلطة والديمقراطيّة والدستور، وليس خارج الميثاق. لأنّ توازنات التوزيع الطائفي والمذهبي تبقى مصونة ومحترمة. قائد جيش مسيحي ماروني ومجلس نوّاب متوازن ومنتخب.
فالأزمة القائمة هي من طبيعة سياسيّة قانونيّة، وليست ميثاقيّة. ومحاولة تحويلها إلى أزمة ميثاقيّة كيانيّة تُخفي قطبتين:
- قطبة مكشوفة مباشرة معلنة، هي الطمع بموقع رئاسة الجمهوريّة،
- وقطبة مخفيّة أشدّ خطورة، هي الدفع في اتجاه نسف مرتكزات النظام، بما فيها ما أرساه اتفاق الطائف من مناصفة وتوزيع الصلاحيّات. أي تغيير طبيعة لبنان وهويّته ومعناه الحضاري كقيمة تفاعل بين الثقافات والأديان والمذاهب وعيش مشترك.
والتمديد الوحيد الذي يستحقّ اعتباره مسّاً بالميثاق، هو تمديد الفراغ في رئاسة الجمهوريّة، لأنّه الموقع الميثاقي الأوّل، وهو محسوب على مكوّن أساسي من المكوّنات اللبنانيّة تمّ تغييبه منذ سنتين ونصف السنة. وفي تغييبه كسر لتوازن الرئاسات الثلاث.
نا تكمن الأزمة الميثاقيّة، وليس في أيّ مؤسّسة أُخرى. فلا مجلس النوّاب تغيّر توازنه بالتمديد، ولا قيادة الجيش. بينما انكسر التوازن في استمرار شغور الموقع الرئاسي.
وإذا كان رافعو شعار الميثاقيّة حريصين فعلاً عليها، ولا يستخدمونها مطيّة لتحقيق مكاسب شخصيّة، توجّب عليهم الضغط لانتخاب رئيس للجمهوريّة، منذ الشهرين الأوّلَين للمهلة الدستوريّة، وليس تكريس الفراغ بحجّة الأحقيّة الحصريّة والرئيس التمثيلي القوي.
فلو جرى تسهيل الانتخاب الرئاسي، لما كنّا اليوم في حاجة إلى رفع العقيرة ضدّ التمديد لقائد الجيش، ولما كان التمديد لمجلس النوّاب يخيّم فوق الرؤوس للمرّة الثالثة، ولما استحال الاتفاق على قانون انتخاب جديد.
وما الحديث المتكرّر عن “السلّة” و”المؤتمر التأسيسي” وتغيير النظام، سوى نتيجة لضرب الميثاقيّة في رأسها، رئاسة الجمهوريّة.
ثمّ كيف تجوز المقارنة بين المكوّن المسيحي، والمكوّنَين الشيعي والسنّي؟ فهنا توافق شامل واستراتيجي، وهناك انشطار في المواقف السياديّة تجاه السلاح غير الشرعي وانخراطه في حروب الآخرين.
ولا يخفى هنا تباعد المواقف بين الأفرقاء المسيحيّين تجاه التمديد لقائد الجيش. فهناك فريق واحد يعارضه لأسباب تتصل بالفرصة الرئاسيّة، بينما جميع الأطراف الآخرين يأخذون بالواقعيّة السياسيّة التي تفرض التمديد الحكمي كحلّ لا بدّ منه.
كما لا يخفى أنّ أقرب حلفاء هذا الفريق، “حزب الله”، لا يأخذ بالحجّة الميثاقيّة لحليفه، بل يتمسّك ب”القشرة الشرعيّة” التي تؤمّنها له الحكومة على ضعفها وشللها وفشلها، ولا يريد أكثر.
وكان جديراً بالفريق المتروك والمخدوع أن يُحرج حليفه “حزب الله” في مسألة الرئاسة الأُولى، حيث تكمن الميثاقيّة الحقيقيّة، بدلاّ من التفتيش عن أعذار له، سواء في تمديد الفراغ الرئاسي، أو في تبرير حضوره جلسة مجلس الوزراء.
ويبقى التهويل بالعودة إلى لغة الأقدام نوعاً من البحث عن إلهاءات شعبيّة تغطّي المآزق الداخليّة، ومحاولة لإخفاء “لعنة” التشرذم تحت غبار صبّ اللعنات على الآخرين إلى مأدبة عشاء.
ولا يبدو في الأُفق السياسي أيّ إمكان لنجاح الخبط العشوائي. وكلّ ما يمكن أن ينتج عن هذا الهدير مزيد من الاهتراء السياسي، وخدمة مجانيّة للمرتاحين في فراغ الشرعيّة.
وقياساً على التجارب الماضية، ينتهي الهدير بمسكّنات ووعود وإرضاءات عابرة.
بينما يتسلّى الآخرون في لعبة الاقتراع على ثوب الرئاسة الميثاقيّة.