ما هكذا يا جبران…
الياس الديري/النهار/30 آب 2016
ليس الإصلاح بالهدم والتخريب، ولا الوصول إلى الرئاسة بتعطيل الدولة والمؤسّسات وشل البلد. والطامحون الحالمون المشتهون يستطيعون إلقاء نظرات، لا نظرة واحدة، على ماضي لبنان الرئاسي، والتأمُّل جيداً وحفظ الدرس والعبرة. من حقِّ كل لبناني تنطبق عليه المواصفات والشروط الدستوريّة أن يعمل للوصول إلى المنصب الرئاسي، وبالطرق والأساليب المعمول بها. ومن دون عجقة مدى ثلاثين عاماً. ومن دون إعلان حروب وتخريب البلد أربع خمس مرات بأربعين خمسين أزمة. والشرط الوحيد أن يكون مارونيّاً، فقط لا غير. كان في إمكان صهر الجنرال ميشال عون الوزير جبران باسيل أن يلقي كل يوم دزينة من الخطب الطنّانة الرنّانة، وأن يهاجم المعرقلين والحسّاد، وأن يرشقهم بكل الصفات والتهم، ويبقى محافظاً على ماء الوجه. وعلى الأصول الدستورية. وعلى اللياقات البرلمانية. وعلى شخصه ونفسه ومنصبه كوزير خارجيَّة. وعلى تاريخ عمِّه ومكانته ومكانه ووزنه وحجمه الزعامي والسياسي.
بقليل من اللياقة التي لا تحتاج إلى عبقريّة. واللجوء إليها وإلى التهذيب يعطي لا يأخذ، ويفيد لا يضرّ. من هنا العتب الكبير على الصهر المدلَّل. كان في استطاعته أن يتحلَّى ببعض الآداب البسيطة غير الصعبة، وبلمسة تواضع مهضوم، مع قليل من المعرفة والابتعاد عن الابتذال، فلا يدعه يلازمه في كل مكان وكل كلام. بـ”شخصيّة” كهذا، بطلّة كهذه مع ضحكة بعيدة عن الهستيريا، والانفعال، والخروج عن مألوف الآداب العامة، يتمكَّن من مخاطبة الناس بارتياح وقبول متبادل. مع صوت أهدأ. وبزبدٍ أخفّ. وبانفعال لا يخلع باب الحماقات مجتمعة، ليجلس في صدارتها. ما هكذا يا جبران تورد الإبل. ما هكذا يتزحلقون على الطريق المؤدّي إلى الرئاسة. ولا هكذا تخدم طموحات عمّك المتواصلة، وبمواظبة نادرة منذ ست وثلاثين سنة تقريباً تكاد تضيّعها أنت بنزواتك. وحماساتك الأفلاطونيّة. وعنطزاتك المتزايدة، التي يجب أن تجلس معها وتتفاهما على التخفيف… فألسنة الناس لا ترحم. وأنت لا تقصِّر في إعطائهم الأسباب الموجبة. مهما كان لحلفائكم من تأثير، وفاعلية، وموْنَة على الداخل وعند الخارج في طهران، فإن لعبة الأُمم، التي قد لا تكون قرأت عنها ما يكفي، لا ترحم في أحيان كثيرة الأحلام والطموحات والشهوات. بل هي، كما لا تعلم معاليك، تركِّز دائماً على المصالح. وباعتبارك من أصحاب المصالح والساعين دائماً إلى تكثيفها، يجدر بك أن تحسب حساب ما تجهل، وما لا تدري ما تخبّئه لعبة الأمم التي يقولون عنها “انها الأقدار”. كوريث مُحتمل لعرش بلد جمهوري، تناسبك العودة إلى التعقُّل والتروّي، وتطليق هذه الزنطرات والغطرسات والصبيانيّات، التي تسيء أنت إلى نفسك عَبْرها.
البعض يعتقد أن الزهو قضى على توازنك…
العونيون مضحكة التاريخ”
بتول خليل/المدن/الإثنين 29/08/2016
“نحنا جيل عون”، تقولها الطفلة في نهاية الفيديو الإعلاني الأخير الذي أطلقه “التيار الوطني الحر” للدعوة إلى الانتساب إلى صفوفه، جاعلة من عبارتها تلك قفلة للهزل والتهريج الزجلي الذي ردده أيضاً أطفال “التيار” المستقبليين خلال 40 ثانية هي مدة الإعلان، والذي أتى ليكّرس، بفكرته ومضمونه وإخراجه، الضحالة التي يقوم عليها الخطاب البرتقالي المعروف بإصراره على التمسك بالشعارات الجوفاء، والتي يعكس الإعلان المذكور سعيه لتوارثها عبر الأجيال. فقد نشرت سلسلة من الصفحات الفايسبوكية التابعة للتيار الوطني الحر مقطعاً مصوّراً يُظهر مجموعة من الأطفال الذين يروّجون للانتساب إلى التيار ويحملون بطاقة الانتساب بقولهم: “لتكون زينة هالدار لازم نبقى بالتيار، ليكون عندك اعتبار التزم بالتيار، لمّا تدخل عالتيار بتحقق أحلام كتار، لنقضي عالفساد بدنا الرئيس العماد، إيدي وإيدك يا خيي منحافظ عالقضية، عجّل بدنا بطاقة لنزيد التيار طاقة، ما فيك تبقى عالحياد وتبقى منصانة البلاد، لمّا تدخل عالتيار شمس الحرية بتغار…”. إلا أنه لم تمضِ ساعات قليلة على نشر وتداول الفيديو حتّى سارعت هذه الصفحات إلى حذفه، جراء الردود والتعليقات الساخرة منه التي غصّت بها مواقع التواصل والتي وصفت الإعلان بـ”الفكاهي” الذي جعل من العونيين “مضحكة التاريخ”، فيما تم توصيف من يقف وراء فكرته بـ”السخيف” و”الأخرق”. بل وشكّل فعل الحذف نفسه مادة جديدة للسخرية، إذ اعتبره ناشطون خطوة معبّراً عن الصورة الأدق لخطاب التيار وسياسته، والذي يبدو أن صدره قد ضاق بالانتقادات والردود السلبية على الفيديو فما كان منه إلا العودة لأسلوبه المعتاد بالانقلاب على الافكار التي ينادي بها.
وفيما لم يصدر أي توضيح من مصادر “التيار” حول السبب الذي أدى إلى إزالة الإعلان من الحسابات الاجتماعية، إلا أن عرضه فضح ما بان أنه نزعة عند “التيار الوطني الحر” تشبه بأسلوبها الدعائي ما دأب عليه حزب البعث والحزب الشيوعي في كوريا الشمالية لناحية سخافته وركاكته باعتماد التربية الحزبية للأطفال القائمة على تمجيد القائد الملهم والأفكار التي يمثلها وينادي بها. الشعارات التي وردت في الإعلان هي بذاتها التي أثبت التيار تخليه عنها خلال ممارسته السياسية والحزبية منذ تأسيسه، حيث أن كل محطة من المحطات التي رافقت تاريخ عمله السياسي شهدت سقوط هذه الشعارات المتوالي. إذ إن فضيحة المازوت الأحمر كمّت رائحتها الأنوف بالفساد، في حين أن الحرية ليست إلا كلمة لا تجد لها أي مكان في ذهنية مؤسس التيار إن كان من خلال تعاطيه السياسي وأدائه الحزبي ليأتي صهره المُعيّن على رئاسة الحزب ليقضي بأدائه على ما تبقى منها. أما الوطنية فقد ذهبت أدارج الرياح حين تعطلت الحكومة لأجل عيون صهر الجنرال، وتعطلت رئاسة الجمهورية لأجل الجنرال نفسه، وحلقّت الوطنية بأجنحتها بعيداً من الوطن لتدور في تبعية وفلك المحور الايراني السوري. الإعلان الأجوف أتى ليسوّق لحزب أكثر جوفاً من الإعلان ذاته، فهو حزب لا تجد له نهج أو منظومة فكرية أوعقائدية، بل هو “خطاب” و”شعار” لبنانوي وشعبوي، أكثر من أي شيء آخر، وتغيب عنه المبادىء والثوابت التي دوماً ما تكون عرضة للتغير حسب ما تصح طموحات الجنرال في رئاسة الجمهورية ومصالحه وتحالفاته، لذا فإن الرهان على ما يُطلق عليه “جيل عون” ما هو إلا رهان على تكريس الخط نفسه.