اليوم في الصيفي خُلاصات وعِبر بعد 16عاماً على انطلاقة “قرنة شهوان”
ايلي الحاج/النهار/20 أيلول 2016
تحل اليوم الذكرى السادسة عشرة لنداء مجلس الأساقفة والمطارنة الموارنة الذي أطلقه البطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير، وتلاه في بكركي المونسنيور الراحل يوسف طوق صوتاً صارخاً ليس في البرية بل في الواقع الوطني والسياسي. كان له وقع الصاعقة وسرعان ما تحلّقت حول سيّد الصرح مجموعة “لقاء قرنة شهوان”، نسبة إلى البلدة المتنية التي تضم مقر أبرشية إنطلياس، وقد أوكل البطريرك إلى مطرانها في ذلك الزمن يوسف بشارة رعاية “اللقاء” وإدارة اجتماعاته، وعلى مر التحديات بين 2001 و2004، حمل اللقاء شعلة المواجهة السياسية والإعلامية والشعبية مع نظام الوصاية السورية، مبقياً جذوة الأمل في عودة لبنان متحرراً من الجيوش الغريبة، وفي ظل دولة حقة تقوم بواجبها حيال الوطن بحماية سيادته وحريته والمواطنين بتأمين أمنهم وحقوقهم وإدارة شؤونهم العامة.
وكان سمير فرنجية وفارس سعَيد اطلعا من البطريرك صفير على “النداء” قبل إعلانه، وكانا مع مجموعة واسعة من الشخصيات يخوضون في اجتماعات ومناقشات من أجل بلورة إطار سياسي لتحرك ما في سبيل جمع اللبنانيين على المطالبة بمبادئ السيادة والإستقلال وحسن تطبيق الطائف، الاتفاق الذي انتهت على أساسه حرب لبنان وكان يحظر النظام ذكره ولا سيما بند انسحاب الجيش السوري، تحت طائلة الإتهام بخدمة إسرائيل التي كانت انسحبت من لبنان في 25 أيار 2000 . حتى عبارة “إعادة التموضع” التي استخدمها وليد جنبلاط لتأييد مضمون نداء بكركي على هامش مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري أثارت غضباً كبيراً. حاول الرئيس نبيه بري استيعاب الموقف بمبادرة إيجابية في اتجاه البطريرك عندما زار بكركي فارتدت عليه سلباً بفعل رد الفعل السوري. كان صفير طلب ضمانات لأمن جنبلاط وتحسين شروط اعتقال الدكتور سمير جعجع، لكن دمشق التفّت على التحرك باستقبال شخصيات مسيحية وطلبت وساطة الوزير الراحل فؤاد بطرس الذي زار دمشق وحاور بشار الأسد، إلا أن رأس النظام السوري قطع الحوار معه بغير سبب لاحقاً. ودبّت الحياة السياسية مجددا من خلال “لقاء قرنة شهوان” الذي ضم أحزاباً وهيئات إلى شخصيات تحت راية نداء البطريرك صفير، وزار البطريرك واشنطن ولم يتمكن من الاجتماع مع الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش بسبب ضغوط تولاها مؤيدون نافذون للنظام في الولايات المتحدة، لكنه التقى الجاليات اللبنانية وكان له استقبال حاشد عند عودته، تلته موجة اعتقالات كبيرة بسبب هتافات استنكار ارتفعت عند ذكر اسم الرئيس لحود في قداس الشكر الحاشد في باحة بكركي. وارتفعت لهجة التهديدات الأمنية ووصلت إلى حد التهديد بإقفال أبواب الصرح البطريركي مما أدى إلى تضارب بالأيدي بين نائب بارز من “قرنة شهوان” وأحد الوزراء.
أحداث واضطهادات كثيرة تلاحقت على خلفية إعلان “لقاء قرنة شهوان”، ولا سيما بعد “مصالحة الجبل” برعاية البطريرك صفير والزعيم جنبلاط في 2 آب 2001، وكانت معركة كبيرة حول قانون أصول المحاكمات الجزائية حين أجبر النظام السوري اللبناني المشترك النواب على محو تواقيعهم بين ليلة وأخرى. ويوماً بعد يوم كان التقارب يكبر بين “لقاء القرنة” و”اللقاء الديموقراطي” بقيادة جنبلاط، رغم تخوفه بين حين وآخر من مواقف واشنطن وسياساتها غير المبدئية والتي لا تبالي بشعوب المنطقة.
مرت تجربة “لقاء قرنة شهوان” بمراحل صعود وهبوط لكنه عرف أن يبتدع خطاباً حيوياً متجدداً يحاكي هموم لبنان والعرب، وتجاوز مراراً اختلافات في وجهات النظر كما حصل في معركة المتن الإنتخابية الفرعية، وكان للوزير الشهيد بيار الجميّل دور بارز في الفوز بها. وبلغت التحديات الذروة بعد مؤتمر لوس أنجلس في أيلول 2002 ومطالبة أصوات مؤيدة لنظام الوصاية برفع الحصانة النيابية عن مشاركين فيه، وأبطلت نيابة غبريال المر. وتدهور الوضع السياسي مع استقالة حكومة الرئيس رفيق الحريري وتشكيله حكومة أخرى بتركيبة يقبض النظام السوري أكثر على قرارها. وفي صيف 2004 اندلعت معركة التجديد للحود الذي صوّت ضده في المجلس نواب “لائحة الشرف” وصدور القرار 1559، ثم محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في أول تشرين الأول 2004 فزيارة جنبلاط للسيدة ستريدا جعجع في زوق مصبح وتوقيعه عريضة العفو عن جعجع، وصولاً إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري و”ثورة الأرز”.
في كل هذه المحطات أدى “لقاء قرنة شهوان” واجبه بما استطاع ودخل التاريخ. وتبقى العبرة.
• في ذكرى نداء بكركي، ينعقد عند الخامسة بعد ظهر اليوم، في المقر المركزي لحزب الكتائب اللبنانية في الصيفي، لقاء بعنوان “16 عاماً بعد انطلاقة “لقاء قرنة شهوان”… خُلاصات وعِبر”، يتكلم فيه المطران يوسف بشارة، النائب السابق سمير فرنجية، رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، النائب السابق صلاح حنين، الرئيس الاسبق أمين الجميّل. وتنقله وسائل الإعلام مباشرة.