عذراً من شهدائنا
مروان حماده/النهار/18 أيلول 2015
في حفل تكريم شهداء الصحافة من مؤسسة مي شدياق في البيال في تاريخ 15 ايلول 2015، القى النائب مروان حماده الكلمة الآتية:
عذراً ابو بهاء. عذراً جبران. عذراً سمير والمعذرة المعذرة من جميع الذين سقطوا على درب الحريات والسيادة التي لم نكملها وتسلق وتسلّط عليها الجناة وحماتهم وأزلامهم مع جمهرة من المنـــافقين والانتهازيين والفاسدين والغوغائيين.
عزيزتي مي، الشهادة الحية التي نُنعت بها أحياناً حاملة أثقال ومعان وعقد. عقدة نفسية اعتزّ بها وأخجل منها في آن وكــأنّ فيــهـا انتــقــاص من الشهــادة الكـاملة التي حظي بهــا كبــارٌ من كبــارنا ممــن قــدموا دماءهــم في سبيل ثورة الارز.
العقدة تزداد مع التعميم، ففي نظري لا تنطبق الشهادة الحيّة الحقيقية والكاملة الاوصاف إلا على مي شدياق. قد نكون قد سبقناها في اختبار الإجرام التفجيري ظرفاً او توقيتاً. الا ان النية الجرمية الواحدة، والتحريض الواحد المفضوح والتنفيذ الواحد المكشوف لم يُجمعوا في فظاعة الفعل والجريمة كما اجتَمعوا في استهداف مي: لا اتحدث طبعاً فقط عن بلاغة الجراح التي اصابتها او الآلام التي تحمّلتها بل اتوقف عند خصوصية الضحية ورشاقتها وتمايزها ومهارتها وذكائها وعلمها وبراءتها. مي مكرّمة الليلة معنا وقبلنا طبعاً لكنها هي التي لا تكرمنا كأشخاص بل كرموز لمعركة كبرى شهدت استشهاد رفيق الحريري وباسل فليحان ومحمد شطح وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد ووسام الحسن وفرنسوا الحاج.
معركة لم تنته لان المقصود ابعد من الاشخاص. المقصود لبنان كعنوان حياة لا موت، وحب لا بغض وتعدد لا انكفاء وشراكة لا هيمنة وازدهار لا فقر وتعتير وتعاسة.
سأخرج الليلة من التوصيف الصحفي الذي يطبع هذا الاحتفال لأتذكر معكم اخي وزميلي ونسيبي الياس المر والصديق العميد سمير شحاده وعشرات بل مئات المستهدفين الذين زيّنوا جلجلة لبنان الطويلة والتي لم تنته بعد.
بعضنا قد نجا بعناية إلهية. غير ان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى ودعاه الى فسيح جنانه ليبلّغ ويشهد وليطل على مأساة شعبنا المتنامية هو الحاظي الأول على تلك العناية وذاك التكريم.
تكريمُك يا مي والمؤسسة عزيز علينا. وتكريم الله لرفاقنا الابطال الشهداء هو قمة ما نصبو اليه في كل لحظة لينجو لبنان ويحيا شعبه. عشتم وعاش لبنان.
عن صور نوح زعيتر نوح زعيتر وحزب الله
حـازم الأميـن/لبنان الآن/18 أيلول/15/نفى “حزب الله” أن تكون الصور التي التقطها نوح زعيتر لنفسه محاطاً بمقاتلين، وجالساً على شاحنة تحمل رشاشاً ثقيلاً مضاداً للطائرات، قد أُخِذت في مواقع للحزب في القلمون. ونفيُ الحزب يعني أن الأخير يكشف للّبنانيين أن ثمة جهة لبنانية غير “حزب الله” تملك آليات عسكرية وتقيم في جرود بعلبك! والحال أن قصّة نوح مع “حزب الله” مسلّية فعلاً إلى جانب كونها كاشفة لنوع من العلاقات بين الحزب وبين بؤر أهلية لا يقوى على نفي حقيقة أنّها جزء من شبكة نفوذه. فنوح عاد وردّ على نفي الحزب بأن أرسَل صوراً لقناة “الجديد” يظهر فيها مع المسؤول العسكري في “حزب الله” في البقاع، وهو قال للقناة إن “بيان النفي لم يصدر عن الحزب”. فالحزب الفعلي بحسب نوح ليس الدائرة الإعلامية التي تنفي وتحرص على معالجة أي انزلاق، إنّما المسؤول العسكري الذي ظهر إلى جانبه. نوح في “حزب الله” أقوى من الدائرة الإعلامية. لديه صور تُثبِت ما يقول، ولديه علاقات مع مسؤولين عسكريين، وهو حين يقول إنّه هو وعائلته “فدا السيد” فإنّ ذلك كافٍ لعدم تمادي الدائرة الإعلامية في الحزب في سجاله. والحال أن ما تستدرجه واقعة نوح مع “حزب الله” من سلوى ومن تمارين خيالية عن نوع العلاقات بين مطلوب للعدالة وبين حزب جهازاتي وأهلي من نوع “حزب الله”، لا يقتصر على الصور وعلى نفيها وإعادة تأكيدها، إنّما أيضاً يمتد ليشمل تلفزيون “الجديد” الذي كان “بلاتفورم” هذا السجال، ذاك أن الخصومة المستجدّة بين القناة وبين الحزب ما زالت حتى الآن غامضة، وغير خاضعة لمنطق الإنقسام اللبناني الذي يُفسر خصومة شرائح لبنانية لــ”حزب الله”. ثمّة شبه بين علاقة نوح بالحزب وبين خصومة “الجديد” له. هنا تماماً يمكن أن نطلق خيالنا. الخصومة تنطوي على وقائع غير مباحة للعموم. وعلاقة نوح أيضاً بالحزب حافلة بعناصر تشويق مماثلة. تاجر مخدرات وفتوة، وحزب إيديولوجي وديني يقاتل خارج الحدود. هذا هو المعنى الحقيقي للعيش في ظل “حزب الله”، أي أن يتقدم الخيال على الوقائع في تفسير الظواهر والأحداث. فهل لسؤال عن هوية الأشخاص الذين ظهروا في الصور مع نوح أن يجد طريقه إلى أروقة المحاكم التي تُلاحق نوح زعيتر؟ النظام اللبناني، الأمني والقضائي والسياسي، غير معدٍ لمهمة من هذا النوع، ومن يتولّى السؤال الآن هو قناة “الجديد”، ودافعها ليس المساءلة، إنما الفضح في ظل خصومة غير مفهومة.
هنا يمكن اللبناني أن يتسلّى بالمشهد، من دون أن يتمكّن من التأثير فيه. وهذا مفيد على كل حال، ذاك أنه يُخضعنا لعملية تخصيب للخيال، تُنمّي فينا كفاءات لا تتوافر لآخرين ممن يعيشون في دول عادية. قال لي صديق إنّ فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق، أخضع نفسه للإقامة الجبرية من دون طلب مباشر من النظام. شعر بأن النظام يريد ذلك، فأقدم عليه. وشرح الصديق أن هذا النوع من الاستجابات الضمنية هو نمط علاقة بين النظام وبين جماعاته. ولسببٍ لم أتمكّن من تحديده وجدتني أستعيد هذه الحكاية وأنا أتابع قصة “حزب الله” مع نوح ومع “الجديد”. ربما كان العالم غير الحقيقي وغير الممكن الذي ألِفنا أنفسنا به هو ما دفعني لهذا الربط غير المنطقي بين الحكايتين. إنه الخيال أيضاً، ذاك أننا نستعيض به عن عجزنا عن السؤال.