حلب.. لعنة الموت تلاحق «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/26 أيلول/16
وسط فيضان الموت في «حلب» ورعب الحياة فيها، ووسط أصوات الطيران ودوي «براميلها» المُتفجرة، وفي ظل صمت الأموات وتثبيت عدسات الموت عليها وما يُرافقها من أنين لجرحى لم تعد تنفع كل أنواع الأدوية «المُخّدرة» في تخفيف الأوجاع عنهم، يُصرّ «حزب الله» ومعه الإيراني على ادعاء «النصر» وتحقيق المعجزات وتسويق مشروع «الإيمان في وجه الشرك»، وفي معظم الأوقات، يذهب الحزب إلى حد اعتبار قتل المدنيين والأبرياء، حربا مُقدّسة يقوم بها بدعم إيراني، بالنيابة عن الأمة كُلّها. المؤكد أن الجهات المُتقاتلة على الأراضي السوريّة بما فيها «حزب الله»، تسعى بشتّى الطرق، إلى فرض وجودها على الساحة الإقليمية من خلال فرض سيطرتها على بلدات وأحياء إمتلأت بدماء «الأعداء» والأبرياء. وفي وقت تحوّلت فيه «حلب» إلى عنوان اساسي وبارز لكل هذا الصراع والقتل المُستمر بأنواعه وأشكاله المُختلفة والمُتخلّفة، فان ثمة جهات لا تبغي من هذه الأزمة المُستعصية، سوى حجز المقاعد الأمامية لنفسها، خلال المؤتمرات والمفاوضات التي تُقام على أنقاض الشعب السوري، فقط بهدف تنصيب نفسها وريثاً «شرعياً« له. يستطيع «حزب الله» وحلفاؤه التحدث بشكل متواصل عن «حلب» وما يدور فيها من معارك لم يعد بمقدور أي جهة وصفها بالنظيفة، ويستطيع الحزب أن يبث عبر إعلامه المتنوّع، الأخبار التي يرتئيها وينتقيها دون سواها لأسباب لم تعد خافية على أحد، أهمها تشتيت أذهان جماعته عن الإنتكاسات التي يتعرض لها في سوريا، ولكن وبكل تأكيد، فإنه لا يستطيع أن يُخفي عدد خسائره في الأرواح والتي تتزايد بشكل «جنوني»، وهو امر بدأ يؤرق جمهور الحزب ويزيد من حسرته على جيل من الشباب، لم يعد يرى أمامه سوى الموت بعدما أُغلقت جميع منافذ الامل في وجهه وأصبح «الواجب الجهادي« بمثابة الباب «الشرعي» الوحيد، للخروج من أزماته.
من دون أدنى شك، إن «انتصارات« حزب الله الوهمية التي يُشيع أجواءها داخل بيئته في كل وقت وحين، لم تعد تُجدي نفعاً ولم تعد تُفسح أيضاً في الطريق أمام جماعته لأخذهم حيث يُريد النظام الإيراني. الإنكسارات واضحة والخسائر البشريّة تخطّت المعقول ولم يعد يُمكن التعويض عنها بأي شكل من الأشكال. بيئة «حزب الله» من أقصاها إلى أقصاها، لا حديث لها اليوم سوى مدينة «حلب» التي تحوّلت بنظرهم إلى «محرقة». لا شيء بالنسبة إلى بيئة الحزب، يُمكن أن يعوّض غياب الأبناء والآباء والأشقاء حتّى لو ارتفع ثمن الموت ضُعفي الرقم الذي كان مُعتمداً من قبل، فحلب بالنسبة اليهم أصبحت بمثابة رحلة مجانية إلى الموت، أمّا قُراهم وبلداتهم، فتحوّلت هي الأخرى إلى ما يُشبه محطات قطار، فيها يودعون أقرباءهم قبل ان يُعوّدوا أنفسهم على غياب قسري قد يمتد لسنوات وربما أكثر. قد يسأل البعض عن الأسباب التي تحمل شُباناً، جزء كبير منهم جامعيون وبعضهم لديهم عائلات وأبناء، الى الرحيل صوب الموت بإرادتهم. الاجابة تبدو في مُنتهى السهولة خصوصا بالنسبة الى الذين يُعتبرون من بيئة «حزب الله» ويعيشون على وقع فرماناته اليومية المليئة بالحقد المذهبي وسموم التعصب وتصوير الحرب التي انزلق فيها في سوريا على أنها حرب مصيرية سوف يتحدد من خلالها الزمن الذي سوف يظهر فيه صاحب «العصر والزمان». كل هذه الإدعاءات، تُظهر حجم الخطورة التي يستشعرها الحزب من جرّاء ما يحدث في «حلب» وحدها. ويزداد هذا الشعور لدى «حزب الله» في ظل عجزه عن الإيفاء بوعود سابقة كان أطلقها على جمهوره قبل أن يحصد خيبات الأمل التي أصبحت جزءاً من يومياته وركناً من بنيانه المهزوز.
ما زال تشييع عناصر «حزب الله« الذين يسقطون بشكل متواصل في سوريا، يحتل الجزء الأكبر من مساحات الألم والوجع في بيئة لم تعد تحتمل خسارة الأبناء والازواج والأشقاء، فخلال الأيّام القليلة الماضية أضيفت أعداد جديدة من مقاتلي الحزب إلى مشروع السقوط في المستنقع السوري، بعضهم تم الإعلان عن أسمائهم، فيما لم يتم اعلان أسماء البقية ريثما يتم الإنتهاء من الالية المُتبعة. ففي كل يوم توجد أسماء جديدة وضحايا جدد يُضافون إلى لوائح مُرقمة يصنعها الحزب خلف الحدود. أسماء جديدة ما عادت تنفع عناوين سكنها أو بلداتها أو أي دليل آخر يؤكد إنتماءها إلى هذا الوطن، طالما أنها تُجبر على سلوك خط سير لا يوصلها سوى إلى حُفر تم تجهيزها كي تحتضنهم في رحلتهم الأخيرة.