عنفُ الزبالة
زيـاد مـاجد/لبنان الآن/27 تشرين الأول/15
أكياس نفايات تعلو مياه الأمطار الموسميّة الأولى، وزبالة تتجوّل في الأحياء وتنتشر وسط الطريق وعلى الأرصفة أو بين السيارات المركونة. أحشاء بعض الأكياس انتفخت ثم انفجرت لتتقيّأ ما بداخلها من قاذورات. نهر بيروت تحوّل الى مجرى أكياس وأوساخ كانت قد تكدّست على “ضفافه”، ولولا جهود متطوّعي حملة “طلعة ريحتكم”، لكان حاله أكثر فظاعةً… هو الطوفان، طوفان القمامة التي تراكمت منذ أشهر في أكثر من مدينة ومنطقة بسبب فساد المسؤولين السياسيّين أو عجزهم أو رقاعتهم أو فجورهم، أو جميعها معاً. لا يتطلّب التعليق على مشهد الرعب هذا تحليلاً سياسياً، أو موقفاً من هذا الطرف أو ذاك، أو ربطاً للواقع اللبناني بأهوال المنطقة، أو حكياً عن النظام الطوائفي المُفلس، أو عن السياسات المالية والاقتصادية العرجاء، أو إثارةً لأمّ القضايا – أي سلاح حزب الله وقتاله العدواني في سوريا. يتطلّب التعليق إعلاناً واضحاً لا أكثر عن تحميل الوزراء والنواب، ومن خلفهم جميع القوى السياسية التي ينتمون إليها، المسؤولية الكاملة عن “القيامة” القائمة في الكثير من شوارع المدن والبلدات اللبنانية اليوم. ذلك أن الفشل في إيجاد حلول ناجعة لجَمع النفايات، وقبل ذلك وخلاله لمعالجة كارثة الكهرباء، لا مبرّر موضوعياً له. وهو، على خلاف الكثير من القوانين والممارسات التي يمكن القول بنسبية توزّع المسؤوليات فيها أو صعوبة التعامل معها أو ارتباطها بقضايا أُخرى أكثر تعقيداً، جليّ في تظهيره الفشل المباشر لحكومة مفكّكة ولمجلس نيابي عاجز عن التشريع (وعن انتخاب رئيس وعن إقرار قانون انتخاب جديد)، وقادر فقط على التجديد لنفسه. كلّ هذا يعني أن الضغط اليومي على الحكومة والبرلمان، تظاهراً وكتاباتٍ وحملات إعلامية وأنشطة في الجامعات والثانويات وفي النوادي الثقافية والرياضية وفي كلّ مكان يمكن أن يكونَ للمواطنية أثرٌ فيه، هو ما يبقى أولوية اليوم. وبعضُ هذا يجري منذ مدّة ولا ينتظر دعوة أحد. لكنه يراوح منذ أسابيع مكانه نتيجة توسيع بعض أطرافه شعاراتهم وتشتيت أهدافهم واستهدافهم طرفاً بحالِه في أكثر من نشاط. كما أن مروحة استقطابه للمتضرّرين من الأوضاع الراهنة لم تتوسّع كثيراً بعد انطلاقه لأسباب عدّة، بعضها مرتبط بأدوات عمله المحدودة والشديدة المركزية حتى الآن، وبعضها الآخر بِعادة الانتظار السيئة والانكفاء عن الشأن العام قرفاً أو يأساً أو قلّة اكتراث عند الكثير من المواطنين. وإذا كان البعض يتذرّع في حياده أو استقالته من المشاركة بخشية أن تُفضي النزعات “المعادية” للسياسيّين أو النازعة عنهم كلّ مشروعية، المحمّلة إياهم جميعاً مسؤولية الانحدار العام الحالي، الى “معاداة” السياسة نفسها وقضاياها، فالردّ عليهم يكون بالتأكيد على أن الحراك المدني ومبادراته هي لرغبةٍ مواطنية في المراقبة والمحاسبة واسترجاع السياسية وجعلها حقل مشاركة، على العكس ممّا حصل ويحصل منذ أعوام…المهمّ اليوم أن تستمرّ التحرّكات وتتصاعد للضغط على بقايا المؤسّستين “التنفيذية” و”التشريعية” للقيام بالقليل من واجباتهما. والمهم أيضاً ألا يتحوّل عنف النفايات المنفلت في الشوارع الى حالة يجري التطبيع معها والاستسلام لها في انتظار حلول مؤقّتة، يُرجّح أنها ستتأخّر.
في الهلوسة المستعادة
علي نون/المستقبل/28 تشرين الأول/15
يعود بشار الأسد ليقدم اشارات مختلفة عن تلك التي سرت غداة ذهابه الى موسكو واجتماعه مع فلاديمير بوتين.. وما تلا ذلك في فيينا حيث انعقد اللقاء الرباعي بين وزراء خارجية الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وروسيا. قوله مجدداً بـ»الحل بعد القضاء على الإرهاب» هو الرديف «الملطّف» لرفضه أي مسعى سياسي يفضي في خلاصته الى إسدال الستار على حقبة حكم عائلته لسوريا.. بل هو التعبير الأكثر كثافة للكيفية التي تنظر من خلالها سلطته الفئوية في دمشق، الى ما يجري منذ اربع سنوات ونصف السنة، والتي يظللها ذلك الشعار الرنان الذي طبّق ويطبّق حرفياً، والقائل بـ»الأسد أو نحرق البلد»! سيناريوات لقاء موسكو الشهير واجتماعات فيينا، تحدثت عن تطور في موقف موسكو باتجاه البحث عن صيغة تسووية مرحلية تنهي بانتهائها التركيبة الحاكمة راهناً.. وصارت الرواية معروفة ومعلوكة من كثرة التكرار. ومعروف في موازاتها ان الخلاف استحكم بين صاحب العرض الروسي والقوى الاقليمية والدولية المضادة في شأن مدة المرحلة الانتقالية و»صلاحيات» الأسد.. لكن الشيطان الذي يُقال إنه يكمن في التفاصيل، يبدو أنه يكمن في العموميات أكثر! .. أو هذا ما تؤشر اليه الهلوسات الأسدية المستعادة، والتي لا تختلف اليوم عما كانت عليه منذ بداية الثورة في آذار عام 2011 لجهة اعتبار هذه الثورة نتاج «عصابات وجماعات إرهابية» ووصم كل معارض بـ»الإرهاب».. مع أن ذلك في الإجمال، أدى الى الخلاصات النكبوية والكارثية التي لحقت بسوريا وشعبها وجيشها وعمرانها وبنيانها، والى ضمان ركونها على الهامش لسنوات طويلة آتية. كأن الامور برمّتها رجعت الى المربع الاول، بل وأسوأ. باعتبار ان المعطى السوري الراهن يختلف عما كان عليه في الأعوام السابقة وخصوصاً بعد التدخل الروسي وما عناه ويعنيه من استدعاءات مقابلة، إقليمية وأميركية. بعد فشل اجتماع فيينا الرباعي، توقع كثيرون ان يذهب الوضع الميداني الى التصعيد أكثر فأكثر تبعاً لحاجة كل طرف الى تدعيم وجهة نظره السياسية بإنجازات ميدانية. ولكنه تصعيد تحت سقف التسوية المأمولة وليس تحت سقف السعي الى «حسم» أحادي مستحيل من جهة السلطة ومحور الطغاة الذي يحتضنها ويقاتل عنها.. غير ان الحاصل مع التصريحات الأسدية يدل على شيء آخر، هو استمرار العمل بسياسة الأرض المحروقة المتفرعة من جذر «الأسد أو نحرق البلد».
بانتظار «توضيح» روسي ما إزاء تلك التصريحات واحتمالاتها، يبقى الافتراض في مكانه لجهة ذهاب الوضع القتالي الى تصعيد استثنائي.. وهو تصعيد قد يفاجئ موسكو بقدر مفاجأته الأسد وملحقاته الإيرانية، خصوصاً وأن «عاصفة السوخوي» لم تعصف بالأجواء السورية المفتوحة أمام الجميع.. مثلما أنها لم تقفل أيًّا من معابرها البرية!
مصير الأسد والشيشانيين ينتجان التصعيد ويعقّدان الحل
أسعد حيدر/المستقبل/27 تشرين الأول/15
فشل الهجوم السوري الأسدي تحت «المظلة« الجوية الروسية، قلب الحسابات «البوتينية». لن يكون هذا الهجوم يتيماً، قد يتبعه هجومٌ ثانٍ وربما ثالثٌ، لكن من الواضح حتى الآن أن الانتصار مستحيل والهزيمة ممنوعة. الأهم أن هذه المعادلة دفعت باتجاه البحث الجدي عن الحل السياسي، وليس فقط لملء الفراغ. اجتماع فيينا الرباعي بداية لها ما يتبعها، ودائماً على نار التصعيد العسكري الناري والواسع والشامل. المعارضة المسلحة المشتتة على2160 مجموعة وفصيلاً، استوعبت أن فشلها في انقساماتها ومنازعاتها وتعدد ولاءاتها الخارجية طلباً للمال والسلاح. نزول الروس على الأرض السورية أيقظها على الاحتلال الثالث بعد الإيراني و»داعش»، حتى ولو تعددت الأسباب والأهداف. محاولات توحيد هذه المعارضة بدأت تنجح بإرادة ذاتية ودعم خارجي. معارض سوري مخضرم يؤكد أن المعارضة المسلحة السورية الممزقة تسرّع عملية توحيد «بندقيتها« والنتيجة أكثر من جيدة إذ أصبح عددها حالياً عشرة تنظيمات تضم في ثناياها مجموعات عديدة. كل معركة ناجحة تنتج مزيداً من عمليات التوحيد وتسرّعها. ما زالت وحدة المعارضة السورية سياسياً بعيدة. من الصعب جداً خروجها ببيان سياسي واحد، لأنه كما لا يمكن «الجمع بين الماء والنار» لا يمكن الجمع بين «داعش« و«النصرة« وباقي الفصائل المعتدلة. المطلوب حالياً البدء بجمع التنظيمات المعتدلة حتى ولو كان بعضها ضئيل الحجم أو التأثير. هذا الانقسام له نتائج سلبية أصبحت معروفة يبقى أبرزها من سيمثلها في أي مؤتمر سلام قادم؟
«القيصر» شعر بدقة الوضع ولذلك يشعر بالإحراج. سبق وأن وضع لنفسه فترة أربعة أشهر قابلة للتمديد ثلاثة أشهر أو أقل. أي تمديد لهذه الفترة يعني أنه سقط في «الأفغنة» السورية. فترة الأشهر الستة تبقى معقولة لأنها تدفع بالنار عملية صياغة الحل السياسي إلى الأمام. ما يدعم توجه بوتين أن الحل أصبح مطلوباً دولياً. سواء الخوف من انتشار الإرهاب الداعشي خارج حدود سوريا، أو مضاعفة التطرّف في سوريا مع كل يوم حرب إضافي، يضاعف من التوجه نحو التوصل إلى الحل السياسي. لكن مهما كانت الطموحات كبيرة والرغبات متعددة، فما زال من المبكر القول إنه غداً. من الأسباب التي تجعله هدفاً من النوع الذي نراه بالعين واليد قصيرة:
[ أصبح متفقاً على حل «الموت الرحيم» لبشار الأسد، أي الخروج من السلطة. السؤال كيف ومتى؟ «القيصر» فلاديمير بوتين، لن يمتنع عن «بيعه» لكن بأي ثمن خصوصاً وأن الأهداف التي وضعها «القيصر» لنفسه ضخمة على الصعيد الإستراتيجي.
[ في وسط النار والمفاوضات، توجد عقدة روسية قبل أن تكون «روتينية« لم تطرح علانية لدقتها وهي ما العمل بالخمسة آلاف أو أقل من الشيشانيين وعائلاتهم الذين انتقلوا إلى سوريا وانضموا إلى داعش ونادوا بفرع لهم في القوقاز. «القيصر» كما يؤكد الخبراء خائف جداً من انتقال أي مجموعة منهم إلى روسيا، خصوصاً في تاترستان وباكورتوستان وهما إقليمان داخل روسيا وأيضاً في آسيا الوسطى، ويقول الخبير الأميركي ليون آرون إن الأوزبكيين الأربعمائة في سوريا جاؤوا من روسيا. لذلك كله ما العمل بهم وإذا لم يتم القضاء عليهم كما تريد موسكو من يضمن عدم عودتهم إلى روسيا ومن يتحمّلهم جميعا، أي الشيشانيين والأوزبكيين وغيرهم من الآسيويين؟
[ إن إيران عقدة العقد. أي شعور أو يقين بخسارتها سيجعلها تصعد إلى أعلى ما يستطيع «جندها» في سوريا وفي كل مكان. لذلك يجب أن يأخذ الجميع حسابها بدقة خصوصاً حليفها الروسي. سيبقى لبنان «رهينة» لها حتى تتيقن إيران أنها لم تخسر كل شيء. طبعاً مستقبلها في سوريا هو الأهم، ومستقبل «حزب الله« يعنيها من حيث مستقبله في النظام السياسي اللبناني، أما بكل ما يتعلق بالمقاومة فإنه بعد نهاية الحرب في سوريا فإن شعار التحرير سيكون مجرد شعار لعقود عدة. كل يوم حرب جديد في سوريا هو إضافة مؤلمة على مسار الانكفاء والانقباض التحريري. أمام هذا الواقع يصبح كلام قائد القوات البرية الإيرانية حول «إزالة اسرائيل من الوجود بالصواريخ« كلاماً خارجاً من أدبيات أحمد الشقيري والبعث السوري الأسدي الذي لم يطلق رصاصة على الجيش الاسرائيلي في الجولان منذ العام .
يبقى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، «المايسترو» الذي يزداد تمرساً ومقدرة في الدور الذي رسمه لنفسه ولبلاده في الحرب في سوريا لكل الأطراف كبيرها وصغيرها، الى أن يرفع «عصاه» ليسلمها لخليفته، لتلعب أو يلعب بها كما يشاء حتى ينتج الحل النهائي الذي لن يكون قبل ربيع .