عن سرديات المقاومة والنضال
سعود المولى/المدن/ الجمعة 07/10/2016
تعمل الفاشيات المختلفة على طوطمة بعض الشخصيات كما الشعارات والرموز وتحويلها إلى أيقونات دينية لا تمس. وفي السياقات الوطنية الخاصة بنا تراها تجعل من عنوان المقاومة حرزًا مقدسًا يقي صاحبه شر التحوّل والتبدل بل شر التساقط والانهيار… فكأنه معصوم من يوم معموديته في “المقاومة” وإلى أبد الآبدين… فما بالك إن أضفنا صفة “شهيد” أو “أسير سابق” على هذا البطل… وكأنه مثل الصحابة عند السلفيين السنة أو مثل الأئمة عند السلفيين الشيعة… والحال أن العصمة صارت اليوم عامة وشاملة بحيث صار من المستحيل توجيه النقد أو التحليل إلى أي طوطم/صنم جديد… وكل حزب بما لديهم فرحون…
والحال أن الحداثويين العلمانويين لا يختلفون هنا عن الإسلامويين وأشياعهم.
يتناسى المتمركسون الجدد أن كارل كاوتسكي أبو الماركسية ومعلم لينين والشيوعيين الروس هو من كتب عنه لينين “المرتد كاوتسكي”. يعني أبو الماركسية ارتد…
وأن الرفيق ستالين قتل 90 في المئة من الرفاق مؤسسي حزبه البلشفي ومنهم أفضل الأدمغة والمفكرين في تصفيات يندى لها الجبين صفق لها الشيوعيون في مشارق الأرض ومغاربها. يعني أنهم وافقوا على أن ستالين لا يخطئ وأن قادة الحزب ومؤسسي البلشفية صاروا خونة وعملاء.
وأن الرفيق تروتسكي هو قائد المذابح ومحاكم التفتيش ضد المعارضين الثوريين للبلاشفة خصوصًا مذبحة كرونشطاط 1921. يعني (ولو زعل التروتسكيين) فهو كان الوجه الآخر لستالين.
وأن الرفيق ماوتسي تونغ (ولو زعل الماويين) قام بتصفية ملايين الصينيين في مشاريع ومغامرات مأساوية. ولو أن ذلك كان تحت شعار “القفزة الكبرى إلى الأمام”، ثم “الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى”.
وأن الرفيق بول بوت قام بتصفية مئات الآلاف في كمبوديا تحت شعارات ثورية أهمها نقل الناس للعمل في الريف، وهو الأمين على الماركسية.
وأن الثورة الفيتنامية العظيمة تحولت إلى مسخرة بعد الانتصار على أعتى الإمبرياليات وذلك على يد قادتها أنفسهم وليس غيرهم.
وأن ثورة المليون شهيد في الجزائر صار قادتها أفسد الفاسدين في العالم العربي.
وأن حزب البعث العربي الإشتراكي الذي حمل يومًا أحلام الجماهير والمثقفين أنتج كل أنواع الفاشيين والقتلة.
وأن حركة القوميين العرب أعظم حركة في تاريخ العرب المعاصر انتهت فجأة من دون أن تعطس.
وأن الناصرية التي حملت في بداياتها أحلام ملايين الجماهير العربية كانت مسؤولة عن خراب مصر وتحطيم مجتمعها الأهلي وزج عشرات الآلآف في السجون وقتل المئات تحت التعذيب…
وأن ثورة اليمن الجنوبية العظيمة أعدمت معظم قادتها الأبطال بتهمة الخيانة والضلال وتسببت بثلاثين ألف قتيل في عدن في حرب الأخوة/الرفاق في كانون الثاني 1986 وحده.
وأن الثورة الفلسطينية الجبارة أحتضنت وتحتضن كل أنواع المرتزقة والفاسدين المفسدين.
كما ويتعامل بعض الأصدقاء والرفاق مع ما ينشر على الفايسبوك من تأريخ أو من سرديات لأعمال المقاومة في لبنان وكأنه إرث شخصي حزبي فئوي فينفعلون إن قرأوا من غيرهم رأيًا أو تقديرًا يخالف اعتقادهم بأنهم وحزبهم وجماعتهم أصل المقاومة وفصلها وأن لا أحد قبلهم ولا بعدهم مارس المقاومة… وكأن هذا (المقاومة) بحد ذاته يعصمهم ويعصم حزبهم وجماعتهم من الخلل والزلل والخطل لا بل ومن بعض الهبل… وكل مقاوم يرى الأمور من موقعه الخاص ومن الخندق الذي كان فيه عند وقوع الأحداث التي يتحدث عنها فهو لا يملك الصورة الكاملة الشاملة لما كان يجري حقيقة على الأرض…
المقاومة يا شباب هي مقاومة هذا الشعب المسكين في الجنوب الذي صمد طوال عقود تحت القصف اليومي وفقد أبناءه وممتلكاته وجنى عمره وحياته.
المقاومة هي أيضًا مقاومات ولا يجوز لنا أن ننسى ذلك…
قليلًا من التواضع يا رفاق ولننكب على دراسة التاريخ والشخصيات والمواقف من دون تزويق وأسطرة وبعيدًا من الشعارات والنوايا ومن لحمة الانتماءات والعصبيات.
ليس كل من حمل السلاح يومًا في حياته نبيًا معصومًا أو بطلًا خالدًا مخلدًا.
وليس كل من انتمى يومًا إلى ثورة أو إلى تنظيم “ثوري” أو كان يومًا “مقاومًا” صار علي بن أبي طالب أو أبي ذر الغفاري.
وهذا ينطبق علّي أنا قبل غيري… وعلى كل رفاقي… وعلى كل من يريد مواصلة طريق الكفاح نحو الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والديموقراطية الجديدة لشعوب الشرق.
اللحمة الحقيقية للمناضلين الحقيقيين هي الحق والعدل وليس تاريخهم الغابر.
والهدف الحقيقي للثوار الحقيقيين هو الإنسان وليس الحزب أو الزعيم أو العقيدة حتى. نعم الإنسان فحسب: حياته وحريته وكرامته وحقوقه.