المجتمع المدني «المسيحي» .. والقوة الثالثة
جليل الهاشم/المستقبل/15 تشرين الأول/16
هو مزيج من ضجر أو قرف أو سخط، من دون تعميم، يسود المجتمع المدني بعامة والساحة الشعبية المسيحية بخاصة، في ظل سهولة «معيبة» في تناول الطبقة السياسية للأمر الواقع القائم، ومرافعتها عن سلسلة من المفردات «الوطنية» و«الدستورية» و«الميثاقية» هي في الوجدان العام باتت مرادفة للصفقات والمصالح الصغيرة لا غير. هو غضب عابر للأحزاب والتيارات والعائلات السياسية و…المراجع الدينية، التي لها وجودها وتأثيرها الفاعلان دون أدنى شك. في الوقت عينه هو «غضب لا ضرورة للجدل حوله أو دفن الرؤوس في الرمال للتعمية، ناتج عن كرامة وطن وجمهورية باتت ممرغة بالتراب، ومسلّمات وقيم تشهد انهيارات متتالية ومهزلة مهينة بحيث تم طمس كل خط أحمر أمام هذا الفجور البياني والمباشر والفاضح في تناول قضايانا الوطنية واستحقاقاتها في سوق العرض والطلب والمزايدة». هي خلاصة لا يجوز تعميمها، لكن تظهر ساطعة كلما دخل الواحد بيتاً، أو جالس مجموعة. فأسباب الخوف على لبنان كثيرة، ومتنوعة، خارجية وداخلية، إقليمية ودولية. لكن، «هي أيضا محلية، بحيث لم يسبق أن شعر العامة بغياب الرؤية وفقدان القادة، وسط هشاشة كيانية ووجودية بالشكل والجوهر الذي يتلمسونه بألم وإحباط». يتفهم المواطن العادي في المجتمع المسيحي الواسع المصالح السياسية التي هي في صلب حراك القوى المعنية، فهذا بديهي. لكن ما لا يمكنه تقبله هو «عدم التوافق على قانون انتخابي جديد يهلل له الجميع ويدعون له وينعتونه بالصفات ويحملونه المضامين، في حين يدرك هذا المواطن في قرارة نفسه أن العودة الى قانون الستين ممكنة في كل لحظة تحين فيها التسوية المصلحية».
كما لا يمكن لهذا المواطن أن يفهم «الانحياز الى خيارات الترشيح الرئاسي من هنا وهناك، والتفاهمات التي تمت حولها أو الاهتزازات التي رافقتها في المسار العلائقي ما بين القوى المتنافسة أو الحليفة أو تلك التي كان الفراق قد حكم مصيرها لسنوات طويلة، إلا من خلال الحسابات الضيقة وحجز الممكن من نفوذ يشك كثيرون أنه ممكن الترجمة والبلاد ذاهبة الى الهلاك». مرة يشل مجلس النواب، ومرات مجلس الوزراء. «يعود المجلس الى الانعقاد ونظيره في السلطة التنفيذية مع مسح مريب لكل الأسباب التي طبل ويطبل لها المعنيون بالمقاطعة، وعلى عينك يا تاجر».
هي الضرورات الوطنية في سياق تبادل الرسائل الإيجابية وتبريد المواقف علّنا نحظى برئيس… «الرئيس المقرون بتنزيل مقدس يضاهي التنزيلات الإلهية السابقة والحالية والتنزيلات البعثية أيام الوصاية، في مشهد ومنطق لم تعرفهما الساحة المسيحية حتى في أعتى أيام الحرب».
لا يفهم المواطن في المجتمع المسيحي هذا التورط في اللا شيء من أجل اللا شيء، وذلك السقوط المريع في سلّم القيم والغرق الأعمى في منظومة الفساد. ينشرح لعودة النبض في بكركي، ويسأل بنية طيبة: «المجتمع المدني مدعو الى رفض المصير القاتم القائم أمامنا والى تظهير طبقة جديدة في كافة المجالات لا سيما السياسية منها. بمعنى آخر، رفض الطبقة القائمة وإسقاطها… بالمسار الديموقراطي. عظيم. أليست الكنيسة هي المعنية أيضاً بندائها؟ ماذا عن تعميم النداء الأخير على الأبرشيات والرعايا والوعظ حوله والشرح في دواعيه والإرشاد حول مضامينه وخياراته؟».
أما عن المجتمع المدني، فالتنهدات سيدة الموقف حوله. هناك رفض لكل ما هو قائم صحيح أيضاً. «لكن لا الانفعالات أطعمت خبزاً ولا النزول البريء والهزيل الى الشارع الذي سرعان ما تحول الى عمل مشبوه. فمن يجمع تشتت هذا المجتمع. من ينظمه. من يرفده بالرؤية المدروسة والموضوعية والمتواضعة. من يقرنه بالاستراتيجية وآليات التنفيذ»؟! في النهاية، يتطلع المواطن في المجتمع المسيحي، المواطن العامل والاقتصادي والتربوي والمثقف والفلاح…. الى قوة ثالثة تطلع من حالة لبنانية، مجتمعية وثقافية وأخلاقية، عامة، ووطنية، وصاحبة برنامج عمل مشترك مدني وديموقراطي. فمتى وكيف؟!