عن حركة الشارع اللبناني
أحمد جابر/الحياة/18 أيلول/15
من المبكر الحديث عن تحرّك الشارع اللبناني، ومن واقع الحال وصف ما يجري من أيام لبنانية بالحركة. التمييز بين الكلمتين يتضمن افتراض اصطفاف وانتظام وتبلور محددات أولية في «التحرك»، ويضمن للحركة عدم التعسف في إلباسها سريعاً، لبوس البرنامج والتحديد والتأطير، من التذمر الأول حتى الهتاف الأخير. الأقرب أن الشارع اللبناني في حركة اليوم، هذا يعني أنه في حالة اختبار وتجريب وتلمس واستخلاص. يبدأ كل شيء في «الميدان»، وقليلاً ما تكون الخلاصات خارج ما تقدمه الفورية والمباشرة في الميدان ذاته. لا يقلل واقع الشارع الحالي من شأنه ولا يتهمه، بل إن الحديث الواقعي ينصف الشارع هذا، فلا يضيف إليه «محمولات» المناضلين السابقين، ولا يثقله بالشعارية الثقيلة التي ينطق بها «الثوريون» السابقون واللاحقون. تأسيساً على ذلك، يبقى للمواكبة اليومية، وللمتابعة العيانية للحركة الاحتجاجية الصاخبة، أمر رصد تطورات الحركة رصداً عاماً يقف أمام «بنيتها» التي تولِّد يومياً أسماء وشعارات ومقاربات، والتي تستقبل تباعاً مساهمات أحزاب قديمة وأسماء شخصيات سياسية صارت أكثريتها متقادمة. في مجال الرصد العام الذي يحاول كلاماً أولياً على الحركة الاحتجاجية الحالية، يظل الأجدى والأنضج، وصف الموجود بما ليس هو عليه الملموس، وليس بما يجب أن يكون عليه غير المحسوس، وفي السياق من المجدي أيضاً السجال مع بعض النظرات التي تحاول أن تصير نظريات لا مستند أرضياً لها ولا أفقاً سماوياً. الحركة الحالية ليست بشارة الربيع اللبناني، أي الاسم المستعار الذي بات رديفاً لمعانٍ شتى، ما خلا ما يعنيه ذلك من انبثاق الجديد بعد سبات السكون الطويل. على وجه التحديد، ليست الحركة شبيهة بقريناتها العربية، أي ليست مطابقة لمنطلقاتها ولا لمآلاتها وإن اشتركت مع بداياتها بوسائل الاتصال، وببعض الشعارات التي يأتي في طليعتها شعار: الشعب يريد. لا شبه بين المجتمعات العربية والوضع اللبناني، لا في البنية ولا في السياسة ولا في المسارات، لذلك لا يجوز افتراض المطابقة ولو جاز بعض التشبيه.
الأمر الآخر الجدير بالذكر، أن الحركة الحالية ليست حركة شبابية، أي أنها ليست حركة عمرية، بل هي، مثل كل الحركات الشعبية، تتشكل من فئات عمرية شتى، يغلب عليها طابع العمر الشبابي، وهذا أمر مفهوم ولا يختص به الوضع اللبناني من دون غيره. وما يقتضي الانتباه إليه، هو أن «شباب» كل حركة اجتماعية يقاس بمدى جديدها وبدرجة تجديدها، وبمعنى ارتباطها بالمستقبل وانتسابها إليه، هذا يعني أن الأمر منوط «بالفكر» أكثر مما هو منوط بالعمر، إذ كيف يكون المرء «شيخاً» وهو ينتسب إلى حيوية الحركة وآمالها انتساباً كلياً، وكيف يكون الشاب شاباً عندما يستقي مرجعيته الفكرية وأهدافه المستقبلية من قرون غابرة؟! وما يضع حداً للتعريفات العمرية، أن الحركة الاجتماعية في كل بلد حركة تراكم متّصل، وما ينبغي تأكيده هو عدم إقامة القطع بين المراحل، وتأكيد ضرورة التجاوز الذي لا علاقة له بـ «القطيعة المعرفية» التي يفترضها البعض أمراً قائماً. في هذا المقام، تأتي أحاديث أبناء المساهمات السابقين الذين تقاعدوا، والذين يدعون أقرانهم اليوم إلى التقاعد فقط… بحجة: دعوا الشباب يفعلون ما يريدون. إلى ذلك، ينبغي الانتباه إلى أن ساحة نشاط الحركة الجديد ساحة مفتوحة، والدخول إليها لا يتم بإذن، ولا يستطيع أحد أن يضع شروط المساهمة أو يمتلك دفتر مواصفات لها، وكل ما يمكن قوله هنا أن توليد سمات غالبة للحركة الاجتماعية يظلّ دائماً ميدان صراع بين الأفكار والأقوال والأعمال، والصراع تحسم وجهته الغالبة الموازين في الشارع وعلى صعيد وطني عام. لذلك، نجد في ميدان الصراع الحالي، وفي التسابق على الإمساك بناصية الحركة الاحتجاجية، أجساماً حزبية قديمة، وشخصيات سياسية عتيقة، وهي إذ تدلي بدلوها فإنما تفعل ذلك بقصد استيعاب الحركة، وامتلاك ناصية قيادتها.الصراع على ذلك مشروع كله، لأن كل طرف يدَّعي أنه يحمل ما هو أنسب وأفضل لأهداف الحركة الحالية، وعليه، سيكون على أبناء الحركة الجديدة أن يصدّوا رياح «الجذب» القديمة بما يمتلكون من جديد، وعليهم أن يكونوا واضحين جداً، حيال القديم الذي ما زال قديماً، وعلى قدم المساواة مع وضوحهم حيال النظام الذي لن يستطيع جديداً في أي ميدان. في الميدان صراع بين الماضي والحاضر، والماضي ليس نظاماً فقط.
«المستقبل» و«حزب الله»: لعبة المرايا
حسام عيتاني/الحياة/18 أيلول/15
في البنى السياسية توجد دائماً لعبة مرايا من نوع ما. يصعب تصور معارضة مختلفة جذرياً عن السلطة الحاكمة بل غالباً ما تعكسان ثقافة وتقليداً عميقين هيمنا على المجتمع المعني ووسماه بميسمهما. في الحالة اللبنانية، السمات الطائفية تطغى على البنى السياسية منذ أعوام ما قبل الاستقلال. ودفع الاجتماع اللبناني أثماناً باهظة من دون أن يفلح حتى اليوم في التخلص من هذه الآفة التي تتخذ في كل حقبة أشكالاً جديدة. الحراك المدني الأخير يعكس الانقسامات القديمة الصريحة بين الطوائف والجماعات التي وقفت موقفاً حذراً من التحرك بل مناهضاً له وإن زعمت القبول بمطالبه الأساسية. ويعكس كذلك، انقسامات جديدة بين فئات عمرية واجتماعية تجد نفسها على طرف نقيض من الموقف من الدولة والقوى الحاكمة والفساد وكل منظومة العيش والموت في لبنان اليوم. لعبة المرايا الكبرى التي نشهدها الآن يؤدي دور البطولة فيها تيار «المستقبل» و»حزب الله». فعلى رغم التناقض الظاهر بينهما والذي يشمل كل شيء ابتداء من الموقف من الثورة السورية وصولاً إلى تصور مستقبل البلاد والحلول لأزماتها المستعصية، كشف التحرك الشبابي الأخير عمق التشابه بينهما. العداء الصريح أو الأقل صراحة الذي تشاركت وسائل الإعلام التابعة للتيار والحزب في التعبير عنه للحراك، يشي أن الجانبين يقفان عملياً في جهة واحدة، ليس من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان فقط، بل حتى في رؤيتهما إلى «الدولة» كمؤسسة تعكس مصالح اللبنانيين عموماً. من جهة «المستقبل» هناك لازمة يكررها منذ التسعينات عن فشل القطاع العام في أداء أي خدمة ناجحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وأن الحل لهذا الفشل لا يكون بغير خصخصة كل الخدمات من نظافة (وصلنا إلى نهايتها الكارثية مع أزمة النفايات الحالية) إلى اتصالات وإعلام وكهرباء وماء وصولاً إلى الضمان الصحي. أما التقاسم بين قادة الطوائف وزبائنهم من أصحاب الأموال لعائدات الخدمات وحرمان الخزينة العامة من أبسط حقوقها، بما يضع هذه العملية خارج فكرة الخصخصة على طريقة رأسمالية القرن العشرين ويعيدها إلى منطق الاحتكار في القرن التاسع فعشر، فعارض جانبي علاجه ليس ذي أولوية، وفق التفكير المشار إليه. يلاقي «حزب الله» التيار من جهة ثانية. فهو يشدد على أن فشل القطاع العام يصل إلى حدود حماية السيادة والاستقلال ودليله احتلال إسرائيل للجنوب قرابة عقدين ونيف من دون أن تنجح الدولة في تحرير أرضها. ما العلاج؟ خصخصة السيادة وإنشاء جهاز تابع للقطاع الخاص يتولى الدفاع عن الأرض ويسمى «المقاومة». دور الدولة منتهك في ألف مكان في الداخل، فما هي المشكلة الكبرى التي يشكلها استيلاء القطاع الخاص على دور المؤسسة العسكرية مثلاً، التي يعلن مسؤولو الحزب من دون توقف أنه أضعف من أن يحمي لبنان في حين أن القطاع الخاص («المقاومة») أثبت كفاءة عالية في ذلك؟ الدائرة المفرغة التي يسير فيها لبنان من مصادرة دور مؤسساته العامة في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسيادية سواء بسواء، تجعل مقاربة كل مشكلة من مشكلاته بمثابة تهديد هذا القصر المشاد من أوراق اللعب بالانهيار الكامل. أعطت الطوائف أمس الأول في تسليط بعض عناصرها على المعتصمين في وسط بيروت، لمحة بسيطة عما تستطيع فعله، في مناخ تتلاقى فيه النوازع الأهلية – العصبية الأكثر بدائية مع الرؤى النيوليبرالية الأكثر تعسفاً. وبين هذه الألغام يجب أن يسير شباب الحراك…
قناعة دولية بغياب الأسد عن مستقبل سوريا
ثريا شاهين/المستقبل/18 أيلول/15
يهتم الموفد الدولي لحل الازمة السورية ستيفان دي ميستورا في هذه المرحلة بتنفيذ خطته، لاسيما في ما يتعلق بالعمل لانعقاد مجموعات العمل الاربع التي اوصى بتشكيلها. وتفيد مصادر ديبلوماسية، ان مشاكل متنوعة تمنع انعقاد مجموعات العمل الاربع، في مقدمها تحديد المشاركين من الفريقين السوريين، والاطراف التي ستتم دعوتها كجهات دولية او دول، فضلاً عن جدول الاعمال وبنوده. الا انه من المتوقع ان تعقد في الخريف المقبل وهو الامر الذي يتم السعي اليه. الموفد الدولي، يريد توسيع تمثيل المعارضة في مجموعات العمل لتضم كل الاطياف، ولا يريد حصرها بجهات محددة من بينها، لكي تكون اكثر تمثيلاً. واذا تلاشت التعقيدات فان عمل المجموعات سيقلع في الخريف، لكن ذلك لا يعني ان حل الملف السوري بات قريباً. ذلك انه لا يوجد تقدم فعلي لا على الارض، ولا في المباحثات الدولية حول سوريا، لكي تسهل مهمة دي ميستورا. انها مرحلة من تقطيع الوقت في انتظار ان يستجد مناخ دولي اقليمي ملائم لحل ما، وتكون كل الاطراف السورية وغير السورية جاهزة لهذا الحل. الآن لا يزال الوضع يؤكد ان الصراع على اوجه، وان التصعيد قائم لاسيما مع النظام بدعم روسي عسكري بات واضحاً اكثر من اي وقت مضى، وهو كان قائماً وليس جديداً، انما الآن بات معلناً وصريحاً. هذا عدا عن الدعم الايراني العسكري. ويأتي هذا التصعيد، في اطار ان موسكو لن تقبل بسقوط النظام ورئيسه، قبل ان تتأكد من البديل. موسكو الآن لا ترى ما هو البديل. وهي ترى ان عليها حماية مصالحها في سوريا اولاً، عند حصول اي تغيير، ثم انها تسعى لكي تكون ظروف الانتقال في السلطة تناسبها، وتريد ان تحفظ مكاناً ما للنظام في اي تسوية. وبالتالي، لن تسمح بسقوطه ما دامت الظروف الحالية على حالها. هذا الصراع يعقد مهمة دي ميستورا، وتباعد المواقف الدولية حول سوريا ينعكس سلباً عليها. موسكو اذاً تسعى في تحركها العسكري الى ان لا يسقط النظام قبل ان يتم ايجاد حل، لأن سقوطه الآن، من شأنه اسقاط كل العناصر الراهنة التي يتكون منها الحل المطروح عبر وثيقة جنيف، ولو ان لا اتفاق دولياً حول تفسيرها. لذلك دعم النظام يُبقي له على حصة في اي حل محتمل في وقت لاحق. دي ميستورا يمكنه تسهيل الحل المطروح عبر اتصالاته ومشاوراته، والافكار التي يطرحها، لكنه لا يستطيع ان يخلق الحل. فلا سلاح في يده ولا مال، ولا قدرة لديه على الضغط والاقناع. لكن اذا توافرت الظروف المؤاتية والمساعدة للحل، يمكنه ان يسهل. وهذا لا ينطبق فقط على دي ميستورا، انما على كل موفد دولي للحل في اي بقعة صراع. الموقف الروسي في المسألة السورية كانت له خصوصيته دائماً. روسيا تعتبر انها على استعداد للبحث بالبديل عن النظام، لكنها تريد ان تعرف ما هو البديل، ولن يصلوا الى مرحلة القبول ببديل له، الا عندما يصلون فعلا الى معرفة من سيأتي بعده. وهي تعتبر ان موقفها لا يعرقل التوصل الى تسوية. انما الغرب يعتبر ان ذلك يعرقل التسوية، لذلك يضغط في كل الاتجاهات لتوفير حل وفق جنيف. ولاحظت المصادر، ان الرئيس السوري بشار الاسد ضرب الحل الذي طرحه دي ميستورا من اساسه بقوله اخيراً، ان التسوية بعد القضاء على الارهاب. في حين ان طرح دي ميستورا يعني انه بالامكان البحث بالحل السياسي بالتوازي مع مكافحة الارهاب. ويبدو ان الاسد يستقوي بموقفه هذا من روسيا، مع انه لا يمكنه ان يستمر وان يحكم سوريا بهذه الطريقة، بعد كل الذي حصل. التسوية حول سوريا ستحصل في وقت ما، لكن لا احد يدري تفاصيلها النهائية منذ الآن. الاسد يريد ان يكون جزءاً من الحل في سوريا، وجزءاً من مستقبل سوريا. وتكشف المصادر انه بات لدى المجتمع الدولي قناعة بأن الاسد يمكن ان يكون جزءاً من الحل، على اساس ان يبقى في الحكم بطريقة ما ولفترة محددة انما من دون صلاحيات. ولديه قناعة، اي المجتمع الدولي، أن الاسد لن يكون جزءاً من مستقبل سوريا. بينما هو يريد الاثنين. روسيا لا تزال تدافع عنه حتى النهاية، على الرغم من انها لا تقول ذلك صراحة. هذا ما تجلى ايضاً في موقف موسكو في مجلس الامن لدى البحث في آلية عمل لجنة تحميل المسؤولية عن السلاح الكيماوي في سوريا. وسعت موسكو الى تفريغ اللجنة من معناها، والى ان يستطيع النظام السيطرة على تقاريرها.