Quantcast
Channel: Elias Bejjani News
Viewing all articles
Browse latest Browse all 21056

عديد نصار: قصر بعبدا والجزرة وحمار جحا

$
0
0

 قصر بعبدا والجزرة وحمار جحا
عديد نصار/العرب/17 تشرين الأول/16

كان لجحا حمار طاعن في السن ضارب في الخمول لا يكاد يمشي إلا إذا استهواه طعام. ولما كان هذا الحمار شديد الرغبة في الجزر، ولما كان جحا معلما في الدهاء والحيلة، ابتكر الأخير حيلته الشهيرة، فإذا أراد أن يسافر في حاجة اعتلى ظهر الحمار وعلق بطرف عصاه جزرة غضة وشد الطرف الثاني إلى البردعة ليجعل الجزرة تتعلق أمام ناظري الحمار دون أن يتمكن منها. وهكذا يجري الحمار وراء الجزرة دون طائل إلى أن تتم لجحا الغاية من سفره، فيلقي الجزرة للحمار ليأكلها بنهم. بين جزرة جحا وبين قصر بعبدا شبه في الوظيفة. كما أن لونها البرتقالي يخدم الفكرة حيث أنه اللون المفضل لدى الجنرال!

خمس وأربعون جلسة انتخاب دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، فشلت جميعا بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لانتخاب الرئيس؟ لقد تمسك حزب الله بترشيح العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر، وحليفه السياسي الأقوى مسيحيا، ليس لأنه يريد انتخاب رئيس قوي للبلاد، بل لأن حظوظ عون الرئاسية ليست أكثر من صفر. فقوى الرابع عشر من آذار كانت ترفضه، وكذلك كتلة النائب وليد جنبلاط، إضافة إلى كتلة الرئيس نبيه بري المصنفة من ضمن قوى 8 آذار. خمس وأربعون جلسة تم تعطيلها بفرض مقاطعة نيابية من قبل حزب الله على نواب كتلته وعلى الكتل النيابية الحليفة، مشترطا انتخاب عون رئيسا لحضور الجلسة. حتى حين رشح سعد الحريري سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، وهو حليف لصيق لحزب الله ومن أكثر المقربين من بشار الأسد، لم يمتنع حزب الله عن المشاركة في جلسة الانتخاب فحسب، بل فرض مناخا جعل سليمان فرنجية نفسه يقاطع الجلسة!

حزب الله يعرف تماما ما يفعل. يعرف أن رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري يرفض تماما ترشيح عون للرئاسة. وهذا ما يعطي حزب الله قوة أكبر في الاستمرار بترشيح عون ليستمر الفراغ أطول مدة ممكنة، حتى بعد مبادرة سمير جعجع التي تبنى فيها ترشيح العماد عون. هذه المبادرة التي لم تسعد أبدا حزب الله ولم يبد أي موقف إيجابي حيالها. حزب الله يعرف ما يفعل. يريد ميشال عون مرشحا دائما للرئاسة. يفرض الشغور في هذا المنصب. لم ولن يريده رئيسا، لأنه بذلك يتحرر من نزوته الرئاسية ويتراجع مردوده السياسي بالنسبة إلى حزب الله بشكل كبير.

ما الذي دفع سعد الحريري إلى استكمال الاستدارة من ترشيح سليمان فرنجية، وصولا إلى ترشيح ميشال عون “جنرال الرابية”؟ هل سيتمكن من إقناع نوابه وشارعه بهذه الخطوة؟ هل ستنقذه من تردي أوضاعه المالية؟ هل سيتمكن من إقناع الكتل البرلمانية الحليفة التي لم تستسغ أصلا ترشيح فرنجية، فكيف بترشيح عون؟ ماذا سيفعل حزب الله في حال توافق القوى السياسية على انتخاب جنرال الرابية؟ هل سيرحب بذلك؟ هل سيشارك في جلسة انتخاب الرئيس في 31 من الشهر الحالي؟ هل سيتيح مناخا إيجابيا يسمح لنواب تكتل التغيير والإصلاح الذي يرأسه الجنرال بأن ينزلوا إلى ساحة النجمة ويمارسوا ما أمضوا السنوات في انتظاره: انتخاب جنرال الرابية رئيسا؟ عاملان رئيسيان يقفان وراء التحولات السياسية التي سيطرت على الساحة اللبنانية مؤخرا والتي تجلت في التحركات التي أطلقها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري للتسويق محليا، وحتى دوليا، لإعلان ترشيحه للعماد ميشال عون لمنصب رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف السنة من الشغور الرئاسي الذي فرضه حزب الله:

العامل الأول هو المناخ العالمي والإقليمي الذي يوحي بانتصار محور حزب الله في سوريا وتحديدا في معركة حلب، وذلك نتيجة التدخل العسكري الروسي الكثيف والذي لم يجد من يتصدى له بعد فشل مجلس الأمن في تنفيذ مقرراته ذات الصلة بالحرب في سوريا، وخصوصا بعد فشل المفاوضات الأميركية الروسية التي قادها وزيرا خارجية البلدين، ثم فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يوقف القصف ويسمح بإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة في حلب وسواها، ما يترك المجال واسعا للمزيد من التنكيل بالسوريين من المدنيين والمعارضة المسلحة.

العامل الثاني وهو تدهور الوضع المالي لسعد الحريري الذي فرض عليه بيع العديد من المؤسسات، بعد أن سرح المئات من الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم على مدى أشهر نتيجة العجز المالي.

بدأ التحول يضرب قوى الرابع عشر من آذار قبل سنة تقريبا. فقبل أحد عشر شهرا قدم الحريري مبادرته الأولى من خلال ترشيح الوزير سليمان فرنجية، المقرب من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وحليف حزب الله، والذي كان يشغل منصب وزير الداخلية في 14 فبراير 2005 يوم اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وكانت هذه الخطوة ترضي كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرفض العماد عون كمرشح للرئاسة، ووليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي.

والآن، وبعد أن فشلت مبادرته الأولى، يحدث التحول الكبير في موقف سعد الحريري المتمثل في القبول بترشيح العماد عون، مرشح حزب الله نفسه، لمنصب الرئاسة لكي يحفظ لنفسه مكانا في التركيبة الموعودة التي تعيد إنتاج نظام سيطرة مافيات السلطة في لبنان، وهذه المرة تحت عباءة حزب الله.

وليد جنبلاط ألمح إلى تقبله لهذه المبادرة، أما نبيه بري فاشترط “سلة” لتسوية متكاملة تشمل بعضا مما يُعلن وبعضا مما يخفى من الأمور للسير بترشيح العماد عون. وإذا كان هناك رفض معلن من جانب القوى “المسيحية” لـ”سلة” الرئيس بري باعتبارها قيدا على ممارسة الرئيس لصلاحياته، فإن اللعاب بدأ يسيل بلا أي ضوابط لتقاسم موجودات تلك السلة، كما هي عادة قادة ائتلاف المافيا المسيطر.

تبقى العقدة التي لم يتوقعها أحد، عقدة حزب الله. حزب الله الذي لا يستطيع سوى إبداء ارتياحه لهذه الأجواء، ولكن ردة فعل زعيمه المباشرة وردت تلميحا في خطبته العاشورائية حين طلب من العماد عون أن يتوافق مع بري وفرنجية، المرشح الآخر لنفس المنصب، ومع باقي القوى السياسية على جملة الملفات المطروحة. هل باتت القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتعليمية قضايا ملحة بالنسبة إلى حزب الله؟ هل كان حزب الله مهووسا بهذه القضايا منذ طرح ترشيح العماد عون للرئاسة قبل ثلاث سنوات وهو يعلم تماما بأن حظوظه معدومة؟ وهل كان الشغور الرئاسي والشلل الحكومي والتعطيل البرلماني عوامل تؤرق حزب الله كونها منعت السير بتلك الملفات وإيجاد الحلول للمعضلات التي تشتمل عليها؟ ماذا فعل حزب الله خلال سنتين ونصف السنة من الشغور الرئاسي؟ هل كان يحضر تلك الملفات ويضع مشاريع الحلول لتلك المعضلات؟ بالطبع لا. فقد كانت الفرصة مواتية تماما له، وهذا ما أراده واشتغل عليه، للتفرغ لحربه المستمرة على الشعب السوري وثورته، فأرسل الآلاف من الشبان اللبنانيين للقتال في سوريا وأعاد منهم الآلاف أيضا إلى لبنان في توابيت الموت، دون أن يخشى أي محاسبة من أي من مؤسسات الدولة التي يبدي اليوم اهتمامه بها. اليوم يدفع بتلك الملفات بوجه مرشحه جنرال الرابية قبل بلوغ تاريخ 31 أكتوبر والجلسة 46 الموعودة، وبعد أن طالبه بالتوافق مع حملة السلال والفواتير. فهل وصلت رحلة حزب الله إلى أهدافها؟ هل آن أوان قضم الجزرة، أم أن الأحلام الرئاسية ستختطفها الأيادي الدموية؟


Viewing all articles
Browse latest Browse all 21056

Trending Articles