تظاهرة “التيار” ليتها كانت احتجاجاً على سوريا أو على استمرار الشغور الرئاسي في قصر بعبدا
اميل خوري/النهار/17 تشرين الأول 2016
تظاهرة “التيار الوطني الحر” في ذكرى 13 تشرين الأول ليتها كانت للاحتجاج على سوريا التي أخرجت العماد ميشال عون قسراً من قصر بعبدا، أو احتجاجاً على مصير المفقودين في سوريا، أو على استمرار الشغور الرئاسي، أو تكون ابتهاجاً بعودة عون الى القصر مظفراً بارادة “شعبه العظيم”… أما الشهداء الذين سقطوا في المعركة دفاعاً عن لبنان السيد الحر، فلم يمنعوا سياسيين من إسقاط الوطن في وصاية سورية دامت 30 عاماً، بحيث لا يصح اعتبار ذكرى 13 تشرين انتصاراً بل هزيمة اعترف بها العماد عون نفسه عندما طلب وقف اطلاق النار وتسليم القيادة الى العماد اميل لحود قائد الجيش حينذاك.
هذه الذكرى الإليمة جعلت زائراً صديقاً للعماد عون يتذكر ما دار بينهما من حديث قبل أربعة أيام من الضربة العسكرية السورية للقصر ولمبنى وزارة الدفاع، وقد جرى ذاك الحديث الموجز على النحو الآتي:
الزائر: جنرال، كيف رح بترد على الهجوم العسكري السوري إذا وقع بعد أيام؟
الجنرال: رح ردّ بالمدفعية وبخلّي الهجوم يوقف عند حدود القصر مدة شهر بتقوم عندها قيامة الدول الشقيقة والصديقة للبنان.
الزائر: واذا كان في طيران حربي سوري في الهجوم، شو بتعمل؟
الجنرال: بكون أكلتا…
الزائر: والبلد بيكون أكلا كمان ومش انت وحدك.
الجنرال: شو بعمل، بستسلم؟!
الزائر: لا، بتوجّه بيان للشعب اللبناني بتشرح فيه الحقيقة حقناً للدماء.
الجنرال: (بعد التفكير) ما في طيران حربي سوري لأن إسرائيل بتمنعوا.
الزائر: هالمنع كان وقت الحرب الداخلية بلبنان، وهلّق صار في وضع جديد وتفاهمات جديدة ربما تحصل بين أميركا وسوريا واسرائيل. فلازم توضع بحسابك هالشي حتى ما توقع بالغلط وتخسر المعركة.
انتهت زيارة الزائر للجنرال عون بانطباع أنه لن يغادر قصر بعبدا إلا بمعركة لأن شوقه للبقاء فيه قاتل ومهما كلّف الأمر…
والسؤال المطروح هو: هل كان في امكان الجنرال عون تفادي الهجوم العسكري السوري على القصر بقبول حل ما؟
تجيب عن هذا السؤال معلومات للسفير الفرنسي سابقاً في لبنان رينيه آلا عبر “الحياة” برواية الآتي: “اتصل بي عون هاتفياً وقال: هل فهمت ما يحدث؟ قلت له: “نعم فهمت” كان واضحاً أن تحليق الطيران السوري في سماء لبنان كان بموافقة اسرائيلية – أميركية، فأدركت أن هناك اتفاقاً دولياً مسبقاً يسمح بذلك. وكانت إدارة الرئيس بوش الأب قد نفت عشية الهجوم السوري أن تكون سمحت لسوريا بالقيام بذلك. اتصل بي عون مجدداً وقال لي: “انظر ما في وسعك أن تعمله، إنه هجوم شامل ونهائي وأنا أريد تجنب حمام الدم وانقاذ ما يمكن انقاذه بطلب وقف اطلاق النار”. وأضاف بصوت مخنوق يكاد لا يُسمع: “اعتبر أنني هُزمت”. عندها اتصلت بالرئيس الياس الهراوي وأبلغته ذلك. فقال لي: “أنا لا أصدق عون ونحن معتادون على مناوراته، فليذهب الى السفارة الفرنسية وبعدها سنرى”، ولدى وصول عون الى السفارة الفرنسية اتصلت بالرئيس الهراوي وقلت له: “ماذا نفعل الآن؟”. فأجاب الهراوي: “ينبغي على عون أن يعلن انضمامه الى قائد الجيش، وكان في حينه العماد اميل لحود، وبهذا الشرط فقط يتم وقف اطلاق النار، ثم يوجه أمراً شخصياً الى وحداته للالتحاق بلحود، وينبغي أن يُسمع صوت عون على الاذاعة اللبنانية، وإلا فلا وقف لاطلاق النار”. ففعل عون ذلك وطلب من الجنود تلقّي الأوامر من لحود. إلا أن بعض الوحدات في الجيش لم تمتثل للأوامر، فجرى اتصال بي يُطلب فيه تسليم عون الى السلطات الرسمية لمحاكمته، فأجبت ان عون هو في وضع اللجوء السياسي في السفارة. بعد ذلك بدأ التفاوض حول مغادرة عون الى باريس، لكن الرئيس الهراوي أبلغني أنه من غير الوارد أن يغادر عون لا اليوم ولا غداً لأن مجلس الوزراء اتخذ قراراً بهذا الشأن وينبغي محاكمته بتهمة اختلاس أموال. فتحدثت عندها مع الوزير فارس بويز الذي طالب بضمانات حول لجوء عون، منها أن يُمنع من الكلام ومن العمل السياسي، وكان واضحاً أن السوريين كانوا وراء مثل هذه الشروط لانهاء عون سياسياً. فردّ عون مطالباً بوضع نفسه تحت قيادة لحود وباجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة وحدة وطنية علَّ التفاوض ديبلوماسياً يؤخّر الهجوم السوري المتوقّع. إلا أن الطائرات السورية بدأت القصف على منطقتي اليرزة وبعبدا”.
وأشار السفير آلا الى أنه توصل في تلك الفترة الى استنتاج مفاده أن العلاقات السورية – اللبنانية هي أكثر أهمية في ذهن كبار المسؤولين اللبنانيين، ومنهم تحديداً الرؤساء الثلاثة، من حرصهم على علاقة جيدة مع فرنسا، وأن تحرير عون والسماح له باللجوء الى فرنسا كان يخيف السلطات اللبنانية، وأن بيروت ودمشق لم تفكرا جدياً بحل قضية عون قبل ترسيخ المكاسب السورية المنبثقة من اتفاق الطائف. وعبَّر آلا عن اعتقاده بأن اصرار فرنسا على سيادة لبنان وانسحاب القوات الاجنبية من أراضيه جعل الحكومة اللبنانية تكشف عن الحقيقة وهي أنها لم تُخفِ دفع العلاقات مع فرنسا نحو التدهور عبر اتهامها بالتدخل، وأن بيروت ودمشق أعطتا الأولوية للمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تغطي نهج اعطاء الطابع السوري للسياسة اللبنانية، وأن دمشق أجّلت تحسين علاقاتها مع فرنسا الى الفترة التي ستعطي فيها اتصالاتها بواشنطن ثمارها وتكون الأوضاع في لبنان وصلت، بوضعه تحت الوصاية السورية، الى نقطة اللاعودة.