منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» فارس سعيد لـ «القدس العربي»: انتخاب عون انتصار لإيران ولن يجلب الاستقرار
رلى موفّق/القدس العربي؟30 تشرين الأول/16
بيروت ـ «القدس العربي»: صورة قاتمة يقدّمها منسّق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» الدكتور فارس سعيد الذي يرى أن «حزب الله» يمارس اليوم مشروع غلبة في لبنان لا يمكن أن ينتهي إلا بالعنف، معتبراً أن انتخاب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون حليف الحزب يشكل انتصاراً صافياً لإيران في لبنان، وورقة إضافية إلى الأوراق التي تعمد لتجميعها تعزيزاً لموقعها التفاوضي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، غير أن سعيد الذي لا يوافق على الواقعية السياسية التي اعتمدها «تيار المستقبل» بزعامة سعد الحريري، وحزب «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع وآخرون، يرى أن هؤلاء سيكتشون سريعاً أننا مقبلون على مرحلة من الفوضى، وأن إنهاء الفراغ الرئاسي بهذه الطريقة لن يُعطي استقراراً، وسيُدخل البلد في مزيد من التشنج والإحباط، وحتى لو انتهى الإحباط المسيحي مع انتخاب عون، سينتقل إلى الطائفة السنية.
وتوقع أن نعيش مرحلة مساكنة بين دولة هشة يتحكم «حزب الله» بكل مفاصلها، وغياب الاندفاعة الشعبية التي كانت في العام 2005 في مواجهة السلاح غير الشرعي، ما يعني الوصول إلى استسلام كامل وتقبل لواقع السلاح الذي يُعيق عملية بناء الدولة.
ودعا سعيد قوى «14 آذار» إلى الاعتراف بهزيمتها السياسية كي تتمكن من الخروج من كبوتها، جازماً في الوقت نفسه، أن لبنان لا يُحكم بموازين القوى بل بقوة التوازن، وأن الشعب اللبناني سينتفض في وجه الوصاية الإيرانية كما انتفض في وجه الوصاية السورية، مقراً أن المواجهة ستكون صعبة لكنها ليست مستحيلة. وهنا نص الحديث.
○ في 31 تشرين الأول/اكتوبر، سيكون العماد ميشال عون رئيساً للبنان؟ كيف ينظر «حزب الله» إلى ذلك؟
• «حزب الله» ينظر إلى العماد عون على أنه عنوان لمرحلة سياسية. الحزب متورّط بملفات عديدة في المنطقة، وأهمها الملف السوري، هو يعتبر انتصاره في سوريا بمثابة انتصار في لبنان، ويحاول التحوّط في حال خسارته لهذا الملف عبر بناء «دولة صديقة» تؤمّن له مصالحه، فهو على المستوى الإسلامي والعربي يواجه رأيا عاما سنياً، لأنه يُعتبر فصيلاً إيرانياً في المنطقة. وعلى المستوى اللبناني يُواجَه بحالة من التشكيك، وإذا كان اللبنانيون قد تلكأوا في مرحلة من المراحل في مواجهته خوفاً من تجدّد الحرب الأهلية، فهذا لا يعني أن هناك رضى على سلوكه. هو في حالة مواجهة مع المجتمع الدولي من خلال المحكمة الدولية ومن خلال قانون العقوبات الأمريكي، والمنطقة تعيش فوق رمال متحركة، لذا هو يسعى لبناء دولة في لبنان مطابقة لمواصفاته، ويحضّر منذ الآن النائب سليمان فرنجية ليكون خليفة لميشال عون، ويحاول قبل الاستشارات النيابية تحديد رئيس الحكومة وشكلها.
يتحدث «الحزب» عن موضوعين، تشكيل الحكومة وتشكّلها، التشكّل هو لضمانة «الثلث المعطل»، والتشكيل هو لتوزيع الحقائب. يريد انتزاع التعيينات العسكرية والأمنية للهيمنة على أجهزتها. نقطة ضعفه أنه كان يتحكّم بالدولة من دون أن يدفع ثمن السلطة، المحاسبة كانت للدولة والمكاسب له، اليوم وبعد أن دفع باتجاه انتخاب عون، و«تسامحه» ـ حسب تعبيره ـ بوصول سعد الحريري، سيتحمل أيضاً المسؤولية والمساءلة، لأن الرأي العام اللبناني والدولي يدرك أن مَن سيأتي إلى هذه السلطة سيكون صنيعة «الحزب»، وتابعاً له لأن تجربة الرئاسة في لبنان برهنت أن الضمانة في لبنان ليست في الدستور أو في مؤسسات الدولة، الضمانة هي في يد من يُنصّب نفسه مرشداً للجمهورية اللبنانية الذي اسمه حسن نصرالله، هو يقول مِن عليائه بأنه «متسامح» مع الرئيس الحريري في وصوله إلى رئاسة الحكومة، ويحجز الرئاسة الثانية لصديقه نبيه بري. هو يتعامل بمنطق إعطاء الكرسي للطبقة السياسية مع الاحتفاظ بالنفوذ، الذي يتأتى من خلال بذلته المرقطة وليس من خلال الأطر الديمقراطية.
○ من خلال توصيفك، ما هي الخيارات الأخرى أمام القوى المناهضة، لا سيما «14 آذار» التي كان يمكن أن تلجأ إليها؟
• المسألة ليست هذا الخيار أو ذاك. جوهر المسالة أن 14 آذار التي وُلدت عام 2005 هي حركة شعبية ارتكزت على مصالحة اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، حول موضوع خروج الجيش السوري. هذه المصالحة حصلت بشروط اللبنانيين عام 2005. لكن الطوائف اللبنانية عادت تدريجياً من ساحة «14 آذار» التي هي ساحة جامعة وطنية، إلى داخل مربعاتها الطائفية. عندما عادوا إلى مربعاتهم الطائفية أصبحوا يشبهون «حزب الله» بدل أن يشبههم هو في صورتهم الوطنية عام 2005. وعادت كل طائفة لتقول بأنها تريد تشكيل إدارة سياسية لها بمعزل عن الآخر. استفاقت لديها كل النزعات الأقلوية في المنطقة، فعاشت الطوائف نوعاً من الحرب الباردة. دخلت في حالة من التراجع عن الفكرة الوطنية. العودة إلى المربعات الطائفية تدفعنا إلى التساؤل عمن هي الطائفة الأكثر تنظيماً؟ ومَن هو الحزب الأقوى على قاعدة موازين القوى الداخلية والإقليمية؟ بالطبع هو «حزب الله»، وبالتالي أصبح انتخاب ميشال عون «تحصيل حاصل» لانتفاء تأثير القوى الأخرى، وتحكّم «الحزب» بالجميع. من هنا أقول أنه لم تكن هناك إمكانية لمشروع بديل، ما حصل هو هزيمة موصوفة لـقوى «14 آذار».
○ كيف ستكون عليه المعادلة في المرحلة المقبلة؟
• سنعيش مرحلة مساكنة بين دولة هشة يتحكم بها «حزب الله» بكل مفاصلها، وغياب الاندفاعة الشعبية التي كانت في العام 2005 في مواجهة السلاح غير الشرعي.. هناك استسلام كامل وتقبل لواقع السلاح الذي يُعيق عملية بناء الدولة.
○ تتوقع أن يستديم هذا الواقع إلى أمد طويل لأنك توصّف وكأن ما كتب قد كتب؟
• أولاً أطلب من قيادات «14 آذار» أن تعترف بالخسارة، لا التكيّف مع الواقع. سعد الحريري يقول أن عودته مكسب، سمير جعجع يقول أن تصالحه مع عون مكسب، نعم هو مكسب لتيار المستقبل و«القوات اللبنانية»، أنا أتكلم عن المكسب الوطني العام. نحن خسرناه لأننا أصبحنا نشبه «حزب الله»، خسرنا لأننا عدنا إلى مربعاتنا الطائفية. المسيحيون بغالبيتهم يعتبرون أن انتخاب ميشال عون رئيساً هو عملية «تعويض» لهم. المسلمون يعتبرون أنهم دفعوا ثمناً غالياً لوصول عون حتى يطمئن المسيحي، وأي اعتراض مسيحي سيُواجه بمقولة: «أتينا بميشال عون رئيساً فماذا تريدون أكثر من ذلك؟». سيبقى الوضع في المنطقة في حال إرتجاجية وكذلك لبنان، وبالتالي فإن موازين القوى ليست نهائية تدخلنا في عقود من الإستقرار تحت هيمنة إيران. لبنان لا يُحكم على قاعدة موازين القوى لأنها متنقلة. هي اليوم مع فريق معيّن وغداً ستكون مع فريق آخر. إذا جاء السنّة بعد 10 سنوات مثلاً وقالوا لنا: «ربحنا في اليمن وفي العراق وفي سوريا، وبالتالي نريد أن نعيد النظر بالتركيبة اللبنانية وبطريقة بناء الدولة فهل نعود لنعدّل ما أنجز؟»، لبنان لا يُحكم إلا على قاعدة قوة التوازن وليس قاعدة موازين القوى.
○ سلاح «حزب الله» أمر واقع، وقوّة التوازن التي تتكلم عنها مفقودة منذ أيام الوجود السوري وصولاً إلى ما بعد انتفاضة الاستقلال، وبالتالي لم نشعر يوماً أن «14 آذار» استطاعت أن تتغلب على سطوة هذا السلاح؟
• في بدايات حركة «14 آذار» كنا نواجه كتلة سياسية، عسكرية، أمنية وشعبية اسمها «8 آذار» بزعامة «حزب الله» تظاهرت لتقول «شكراً سوريا»، إضافة إلى مواجهة النظام السوري. في ذلك الوقت كانت لدينا قناعة بأننا غير قادرين على مواجهة الاثنين معاً، وعلينا أن «نُهادن» مع الحزب حتى نعزز قدراتنا في مواجهة النظام السوري. وهذه كانت «فلسفة» التحالف الرباعي الذي حصل في الـ 2005. «حزب الله» أخذ هذا المكسب ووضعه في جيبه، وقاد عملية الانتفاضة المضادة وبدأت تعطي ثمارها لمصلحته بعد افتعاله حرب تموز 2006، التي انتهت بانتصار دبلوماسي حققته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من خلال القرار 1701، فوظف ذلك لمصلحته أيضاً عبر الارتداد إلى الداخل بفائض قوة استثنائي غلب مشروع وفكرة «14 آذار».
عند اندلاع الثورة السورية ظنّ فريق «14 آذار» أن هذه الثورة ستطيح بنظام بشار الأسد، وبالتالي سوف تتوفر لـ «الحركة الاستقلالية» إمكانية إقامة علاقات لبنانية ـ سورية متوازنة. تدخُّل الحزب في سوريا إلى جانب إيران، ومن ثم التدخل الروسي جاء ليطيح بهذه الفكرة. هكذا أتينا إلى مشروع غلبة. وعلينا أولاً أن نعترف بأننا خسرنا هذا الرهان السياسي، فإذا لم نعترف سوف لن نخرج من هذه الكبوة.
○ لماذا تم الإفراج الآن عن الانتخابات الرئاسية؟ لا سيما أن هناك نظرية تقول أن إيران كانت تمسك بهذه الورقة للتفاوض عليها؟
• منذ آب/اغسطس 2016 والحزب يحاول فرض مشهد عسكري، سياسي وأمني في المنطقة يسمح له بقيادة عملية المفاوضة مع الإدارة الأمريكية الجديدة. سقوط حلب يخوّله وضع ورقة مهمة في جيبه خلال عملية تجميع الأوراق. انتخاب عون رئيساً، وهو عنوان حلف مع «حزب الله» منذ «ورقة التفاهم» عام 2006، يشكل ورقة إضافية تستغلها إيران خلال مفاوضاتها مع الإدارة الأمريكية المقبلة بظروف أفضل.
العالم العربي محكوم اليوم من قبل ثلاث قوى غير عربية، إسرائيل وتركيا وإيران، وتحوّل العالم العربي بفعل انهيار النظام العربي القديم إلى ضاحية سياسية لهذه القوى. السعودية اليوم تقود أو تحاول قيادة معركة تثبيت الهوية العربية على المستوى السياسي في المنطقة، تنجح في مكان وتخسر في مكان آخر.
○ هل تعتبر أن وصول عون كعنوان سياسي لحزب الله كما أسميته، يشكل انتصارا صافياً لإيران على الساحة اللبنانية؟
• نعم، أعتبره انتصاراً صافياً لإيران، وبمستوى حرب تموز 2006.
○ أنت تقول أن لبنان لا يُحكم إلا بقوة التوازن… ما المعطيات التي تنتظرنا إذا انطلقنا من هذه النظرية؟
• حاول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية «أبو عمّار» والحركة الوطنية أن يحكموا لبنان بموازين القوى، فكانت النتيجة اندلاع الحرب الأهلية. حاول قائد «القوات اللبنانية» بشير الجميّل الذي انتخب رئيساً للجمهورية أن يحكم بالأسلوب نفسه، فكانت النتيجة اغتياله وعودة الحرب الأهلية التي لم تنته إلا بقتال مسيحي ـ مسيحي في العام 1989 ـ 1990. اليوم «حزب الله» بقيادة حسن نصرالله يُعيد الكرّة محاولاً فرض مشروع غلبة في لبنان. أنا لا أرى نهاية لهذا المشروع إلا بالعنف.
ما ينتظرنا هو العنف. فحصر العنف بسوريا وحماية الساحة اللبنانية عنوان ربما يستهويني كلبناني، ولكن هل لدينا القدرة، في ظل مشروع الغلبة الذي يفرضه «حزب الله»، على منع انفجار البلد؟ هل يستطيع سعد الحريري، بما يمتلك من حيثيات على الساحة السنية، أن «يُـبرّد» ساحته إذا تعاملت الدولة، التي يتحكّم بها نصرالله، بكيدية مع المواطنين؟
○ هناك مَن يقول أنه لا توجد موازين للقوى تسمح بالحرب، وهناك عدم رغبة لدى السنّة بالقتال رغم ما يعانونه من حالة الغلبة؟
• حالات العنف التي أتكلم عنها هي التي ستنهي مشروع غلبة «حزب الله» كما أنهت مشروعي أبو عمّار وبشير الجميّل، وليس بالضرورة أن تكون عبر حرب أهلية. هناك فئة من اللبنانيين متلهفة اليوم للقبول بانتخاب ميشال عون رئيساً، من منطلق أن البلد يعاني منذ حوالي الثلاث سنوات من فراغ رئاسي، فلماذا لا نجترع حلاً ونأتي بعون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً للحكومة؟ على الأقل يهتمان بالأمور الحياتية من ماء وكهرباء، مع ترك المواضيع التي ليس لنا تأثير فيها، كالسلاح مثلاً، لغيرنا.
في رأيي، هذا لن يُعطي استقراراً، وسيُدخل البلد في مزيد من التشنج والإحباط، وحتى لو انتهى الإحباط المسيحي مع انتخاب عون، سينتقل الإحباط إلى الطائفة السنّية، هذه الطائفة تعاني منذ الـ2005: قُتل زعيمها الرئيس رفيق الحريري، واعتبروها متواطئة مع العدو الإسرائيلي حين طالبت بمحكمة دولية. «أهينت» في 7 أيار/مايو واتُهمت بالجبن لأنها لم تحارب. ويسحقون أبناء جلدتها في حمص وحماه وحلب والعالم كله يتفرّج. في العراق يُقحمون «الحشد الشعبي» الذي يرتكب انتهاكات بحق أهل السنة، ويدعمون الأقلية الحوثية في اليمن، ناهيك عن افتعال الاضطرابات في البحرين. هذه التراكمات لا بدّ لها من أن تنفجر بشكل عنفي. يجب أن تنفجر في مكان ما، آمل ألا يكون على الساحة اللبنانية.
○ استناداً إلى قولك أن العنف ليس بالضرورة أن يكون على صورة حرب أهلية، هل يمكن أن تشهد حالات فوضى عارمة توصل إلى انهيار البلد؟
• إذا ظهرت حالات من الاعتراض على «دولة حزب الله»، سيلجأ الحزب وبالتعاون مع رئيس الجمهورية الذي كانت لهم اليد الطولى بإيصاله، إلى تحويل البلد إلى دولة بوليسية تحت عنوان حفظ الأمن.
○ ثمة مَن يرى أن هناك مبالغة في تصوير ما يجري الآن بالانتصار الكلي لحزب الله. فسطوة الحزب أطاحت بالحريري من رئاسة الحكومة وأتت بحكومة نجيب ميقاتي، لكنها تراجعت مع وصول حكومة تمّام سلام المتوازنة، واليوم يجد حزب الله نفسه مجبراُ على القبول بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة… أليس هذا تراجعاً لسطوة «الحزب»؟
• لا… سطوته اليوم أقوى، السيّد حسن نصرالله يوزّع المناصب الرئاسية من الضاحية الجنوبية عبر شاشة تلفزيونية. رغم اجتياح 7 أيار/مايو 2008، تم انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، وكان هناك حضور عربي وإقليمي ودولي. اليوم هذا كله غير موجود. هناك «مرشد» الجمهورية اللبنانية صاحب العمامة السوداء يجلس في الضاحية ويقول للبنانيين: «أنا قررت الآن. قلت لكم منذ 3 سنوات بأن لا انتخابات رئاسية إلا إذا وافقتم على عون، والآن قبلتم بما قلته… برافو».
○ هل هذا يعني أن إيران نجحت في وضع لبنان نهائياً ضمن فلكها، مستغلة انشغال الأفرقاء الإقليميين والدوليين بمشاكلهم؟
• هناك انهيار للنظام العربي القديم. تداعيات «الربيع العربي» جعلت الدول العربية الفاعلة منشغلة بهمومها، ما أحدث حالة من الـفراغ السياسي، استغلته إيران بالتمدّد عبر تحالفات مع الأقليات في المنطقة، هي الآن تتحالف مع الحوثيين في اليمن، والشيعة في العراق، والعلويين في سوريا، وتدّعي التحالف مع الموارنة في لبنان من خلال السماح بالانتخابات الرئاسية. ميشال عون قال بعد زيارته الأخيرة لنصرالله: «أشكرك على تسامحك!» أصبح من الواجب أن نقف ونقول: «شكراً سيّد حسن نصرالله»، بدل أن يكون الشكر للدستور وللمؤسسات اللبنانية، وللإخوة العرب الذين يساهمون بإرساء الاستقرار عندنا.
○ كيف سيكون التعاطي الخليجي مع الوضع الراهن، خاصة إذا اعتبر الأشقاء العرب أن لبنان سقط كلياً في الفلك الإيراني؟
• منذ أيام قليلة صدر قرار عن مجلس الوزراء السعودي بإدانة «حزب الله» ووصفه بالمنظمة الإرهابية التي لها نشاطات على مستوى العالم، هذه رسالة واضحة. «الحزب» سيحاول استغلال وجود الحريري على رأس الحكومة المقبلة لترطيب هذه الصورة بشكل يجعلها مقبولة لدى دول الخليج العربي، نظراً لعلاقاته وصداقاته الخليجية.
تحويلات اللبنانيين العاملين في الخليج تتراوح بين 5 و6 مليارات دولار، وعليكِ أن تتخيلي الوضع الاقتصادي لو انخفضت إلى 2 مليار، نتيجة تدبير ما. تبقى المخاوف قائمة من قرار خليجي لا يتناسب مع مصلحة لبنان ولا مع مصلحة المغتربين في الخليج، خاصة إذا تكررت أخطاء مماثلة لأخطاء وزير الخارجية برفض إدانة إيران بأي شكل من الأشكال.
○ هل تتوقع أن تطول فترة الوصاية الإيرانية خاصة وأن الوصاية السورية استمرت لثلاثة عقود؟
• علينا النظر إلى المقومات التي تجعل هذه الوصاية قصيرة أو طويلة، مثلاً انهيار الثورة السورية وعدم قدرة المملكة العربية السعودية على الإمساك بالقرار العربي في المنطقة يساهم في جعلها طويلة، بينما صمود الشعب السوري وقدرة المملكة على استقطاب صداقات عربية ودولية يقصّر في أمدها.
○ هل بالإمكان المراهنة على تحوّلات مع الإدارة الأمريكية المقبلة؟
• أنا لا أؤمن أن هناك تبدلاً من إدارة إلى أخرى بالنسبة للعناوين الاستراتيجية. في 11 أيلول/سبتمبر 2001 قررت الولايات المتحدة محاربة الإرهاب، وحددت أن الإرهاب يأتي من أصول إسلامية واعتبرت أنه يتناغم مع المملكة العربية السعودية وأنظمة المنطقة. بدأت أولاً بحربها في أفغانستان ثم العراق واليوم هي موجودة في سوريا، ناهيك عن موضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي. في العنوان الكبير هناك منافسة إسلامية ـ إسلامية على زعامة العالم الإسلامي. الكل يجمع أوراقه استعداداً للتفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تتعامل بمنطق «غيمة» هارون الرشيد، فكيفما دارت موازين القوى في المنطقة تبقى هي المستفيدة، وستبقى تحمل العصا من الوسط على قاعدة التوازن. لا أعتقد أن انتخاب إدارة جديدة سيبدّل كثيراً في المشهد الإقليمي أو المشهد العربي. وإذا استمرت أمريكا بالتعامل مع مأساة سوريا بمنطق إبقاء النظام السوري على قيد الحياة، وأنها أنفقت في العراق الغالي والنفيس، وعليه تاليا أن يبقى في حالة من عدم الاستقرار، فلا يمكن أن يكون هناك تبدّل في الموازين، وخاصة بعد الدخول الروسي إلى المنطقة من الباب العريض.
○ هذا معناه أن موازين القوى في المنطقة تفرض نفسها على المشهد اللبناني، وبالتالي الرهان على إمكانية أن تقوم قوى الاستقلال، التي أسميتها بـ «قوى 14 آذار»، بفعل شيء ما يصبح رهاناً غير قابل للتحقق؟
• من خلال تجربتنا اللبنانية رأينا وصايات عديدة ورأينا كيفية خروجها من لبنان، لذلك لا نخاف من موازين القوى. هناك مَن تعامل مع هذه الموازين بواقعية سياسية كـ «تيار المستقبل» و «القوات اللبنانية»، من منطلق أن الذي يحضر السوق يبيع ويشتري، أنا لست من أصحاب هذا الرأي، وأنا متأكد من أنهم سيكتشفون سريعاً أننا مقبلون على مرحلة من الفوضى.
○ في رأيك هل كان المطلوب فقط الصمود، بمعنى أن نصمد حتى ولو بقي الفراغ الرئاسي، وكي لا نثبّت الهزيمة أمام المشروع الإيراني؟
• في رأيي هناك حالة من «الدلع» السياسي في لبنان. أطفال حلب يصمدون في وجه القصف الإيراني ـ الروسي ـ السوري ولا يتراجعون، فلماذا لا نصمد نحن في منازلنا أمام هذا الضغط الإيراني؟
○ العودة إلى مشروع وطني جديد ممكنة في رأيك؟
• «14 آذار» التنظيمية القديمة انتهت. علينا المحافظة على «14 آذار» الفكرة، لأنها موجودة بكل مقوماتها، ومن المؤكد أننا سنصل إلى وقت ينتفض فيه الشعب اللبناني على الوصاية الإيرانية كما انتفض على الوصاية السورية. مواجهة الوصاية الإيرانية أصعب لأنها تدخل في النسيج الاجتماعي اللبناني، إنما ليست مستحيلة.