القيصر يريد سوريا
أسعد حيدر/المستقبل/31 تشرين الأول/15
«القيصر» فلاديمير بوتين، حارب مشاركة فرنسا في اجتماعات فيينا حتى اللحظة الأخيرة. في النهاية قَبِلَ على مضض، بعد أن حقق جزءاً من أهدافه.
أراد «القيصر»:
[ الضغط على باريس للتخفيف من حدّة مواقفها في سوريا ضدّ «رجله« الرئيس بشار الأسد، لتمرير اقتراحاته التي تصبّ في بقاء الأسد طويلاً. أكثر ما ضايق موسكو من موقف باريس أنّ تشدّدها خصوصاً ما يتعلق بمصير الأسد متطابق مع موقف السعودية، مما يشكّل «جداراً« مرتفعاً أمامها في كل ما يتعلق باقتراحاتها ومواقفها.
[ إفهام الجميع وخصوصاً باريس أنّ زمن «النظام الدولي الاحادي» بزعامة الولايات المتحدة الأميركية قد انتهى وأنّه في كل القرارات الدولية يجب الأخذ بعين الاعتبار موقف موسكو.
موقف باريس الذي تصفه موسكو بالمتشدّد يقوم على طرح متكامل ميدانياً وسياسياً.
باريس تطالب موسكو بـ:
[ تحديد مدّة الفترة الانتقالية التي تنتهي برحيل الأسد وعدم اللعب عليها، حتى لا يستثمرها الأسد في ترتيب أوضاعه وفتح الطريق أمامه لجعل شقيقه العقيد ماهر الأسد بديلاً عنه أو لتمرير مبدأ الانتخابات من جديد إذا لم يعترض الشعب. أسبوعية «البطة العرجاء« الساخرة نشرت كاريكاتوراً تعليقاً على ذلك، يقول فيه الأسد ساخراً «بالنهاية الانتخابات إذا بقيَ شعب سوري في سوريا.
من الاقتراحات المتداولة بقاء الأسد ستة أشهر يتم خلالها التغيير بالتدريج وستة أشهر يبقى ولا يتدخّل بشيء. المهم في كل المتداول أنّ السؤال الذي تعمل على أساسه الأغلبية المطلقة من الأعضاء المشاركين في فيينا لم يعد «هل يبقى الأسد أو لا يبقى، وإنما كم سيبقى الأسد في القصر الذي أطلق عليه قصر الشعب، فحوّل إلى «مدفن» مفتوح للشعب السوري.
[ إنّ توقف روسيا قصف طيرانها للمعارضة السورية وحصره بالمنظمات المتطرفة مثل «داعش«، لأنّ متابعة القصف بهذه الطريقة يعني تقوية الأسد، وأكثر ما ترفضه باريس شعار «يجب الاختيار بين الأسد وداعش« ذلك أنّ مثل هذا الشعار ينتج بقاء الأسد وتضخّم التطرّف. موسكو لن تقبل ذلك لأنّه برأيها يقيّد حرية طيرانها وسلة أهدافها الميدانية والسياسية.
[ عمل باريس على إصدار الأمم المتحدة قراراً بوقف القصف بالبراميل المتفجّرة. موسكو سارعت إلى رفض هذا التوجّه جملةً وتفصيلاً. مثل مشروع هذا القرار يُحرج موسكو إنسانياً وتعتمد موسكو على فرملة واشنطن لباريس التي ضغطت حتى حضرت الأخيرة إلى فيينا. واشنطن لا تريد برأي الخبراء في العاصمة الفرنسية «أن تغضب موسكو ولا أن تتخلى عن باريس»، لذلك قد تلعب لصالح تأجيل مثل هذا الاقتراح إلى مرحلة لاحقة.
اليوم في فيينا يجتمع طرفاً خارجياً، في حين الأطراف الداخلية المتقاتلة غائبة كلياً. الطرف الجديد هو إيران التي لم تشارك في جنيف واحد واثنين. الوزير جواد ظريف الذي «رقص» طويلاً على أنغام سيمفونية المفاوضات النووية سيلتقي مجدداً زميله الأميركي جون كيري وشريكه الروسي لافروف والفرنسي فابيوس. بعيداً عن اللياقات فإنّ هذا الاجتماع سيشكّل أول اختبار للسياسة الإيرانية الخارجية بعد الاتفاق النووي.
«القيصر» يعمل في سوريا على أساس أنّ روسيا باقية فيها دائماً، من ذلك، وحسب القادمين من اللاذقية، فإنّ الروس المتكتّمين بشدّة يعملون على بناء قاعدة عسكرية جديدة في جبلة التي تشرف على مطار «حميميم» الذي وضعوه بإدارة طيرانهم.
رغم ذلك فإنّ موسكو لن تنجح في تحقيق عودتها إلى الشرق الأوسط الذي لن يشبه الذي عرفته إلاّ إذا نجحت في خلق الشروط المناسبة لحل سياسي دولي يسمح للجميع بخروجهم من الجحيم السوري.
الحضور الإيراني (النشاز) للقاء فيينا
داود البصري/السياسة/31 تشرين الأول/15
الثورة السورية اليوم تقف على أعتاب مرحلة حرجة وحاسمة، بعد ما يقارب الأعوام الخمسة من انطلاقتها التي حفلت بصفحات هي الأشد مأساوية في تاريخ الشرق المعاصر. فالثورة حينما انطلقت بأصابع أطفال درعا المقطوعة، وبحناجر الشباب السوري الذي صبر على عقود طويلة من الاستبداد والذل والامتهان لنظام طائفي ارهابي مجرم، كانت تنشد البحث عن مستقبل سوري أفضل يتجاوز عذاب السنين، وتوارث السلطة الجمهورية الحزبية البعثية التي تحولت لاقطاعية عائلية محضة تمارس النهب والاستغلال وتضييع هوية البلد لصالح مشروع طائفي خبيث وأجندات من خارج الحدود السورية، منذ أن عزز حافظ الأسد حلفه الستراتيجي مع النظام الايراني ليس بهدف حرب العدو الصهيوني، فذلك أمر مستحيل، ولم يكن في الحسبان، بل من أجل بناء وتعزيز نموذج طائفي تخريبي ابتزازي لدول المنطقة وشعوبها، حينما ثار الشعب السوري تحرك بسلمية ورفع شعار اسقاط النظام كارادة شعبية منبثقة من مصالح الجماهير التي هشمتها فئة طفيلية حاكمة تمتلك السلطة والمقدرات والمصير وترفع شعاراً فاشياً إرهابياً مرفوضاً من الشعوب الحرة وهو( الأسد للأبد! أو الأسد أو نحرق البلد) وجميعها شعارات لمرحلة وحقب نازية انتهى زمنها، وأضحت عالة على الشعوب الحرة المناضلة من أجل مستقبلها وصيرورتها المستقبلية.
لقد دخل الايرانيون على الخط منذ الساعات الأولى لثورة 15 مارس 2011، وحاولوا شيطنة الثورة السورية من خلال الخبرة المتراكمة لحرس الثورة في مواجهة انتفاضات الشعوب الايرانية وآخرها انتفاضة ربيع طهران والثورة البنفسجية العام 2009، والتي قمعها نظام الملالي بوحشية مفرطة، وأسلوب فاشي معبر عن الهوية الحقيقية لنظام أدمن الارهاب بحق شعبه، ولعل مجازر النظام الايراني وسياسة المشانق ضد المنتفضين العرب في الأحواز المحتلة دليل ميداني على عمق اجرامية النظام، وهو الحليف الوثيق لأقذر نظام ارهابي مخابراتي، كالنظام السوري الذي تضم زنازين مخابراته الرهيبة آلاف المعذبين والضحايا.
لقد مارس النظام الايراني حربا عدوانية سافرة ضد الشعب السوري، وهي حرب قذرة لاعلاقة لها أبدا بالشعارات واليافطات الدينية والمذهبية التي يرفعها النظام عن المظلومية والمظلومين، وكان واضحا منذ البداية مساندته اللوجستية والمالية والعسكرية للنظام، بل ساهم معه استخباريا في محاولات تحويل الثورة عن مسارها وربطها بالارهاب من خلال السيناريوهات المخابراتية التي أدت لاحقا لحملات قمع سلطوية مميتة ولاستحضار عصابات الارهاب وتشويه قيم وأهداف الثورة الشعبية التي عصفت بالنظام، واليوم فان التدخل الايراني لم يعد مجرد مساندة لوجستية من بعيد، بل تحول لاحتلال فاشي عدواني يمارس الارهاب من خلال استحضار العصابات الطائفية من شتى بقاع الأرض وتسليطها على السوريين كعصابات حسن زميره وعصابات العراق الطائفية، وحتى المرتزقة من أفغانستان في لواء ( فاطميون ) وكذلك من باكستان ومن كل مكان. ولعل خسائر الحرس الثوري والباسيج الكبيرة والكثيرة والمتلاحقة في المدن السورية والتي وصلت لحدود مرعبة دليل على حجم التورط الايراني وتحول النظام الايراني ليكون خصما لدودا وعدوا مباشرا للشعب السوري، وتطلعاته الحرة، وهو بالتالي يستحق أن يكون وسيطاً ولا شريكاً ولا مساهماً في أي بحث لتسوية مستقبلية، لكونه في خانة النظام ومن نفس طينته، ويتحمل أوزار جرائمه بشكل مباشر، ولن يفلت من ملاحقة الشعب السوري القانونية ضده في المحافل الدولية، بعد رحيل بشار، وقد أضحى لافتا حضور ممثل النظام الايراني لاجتماعات فيينا بشأن مستقبل النظام، رغم أن نائب وزير الخارجية الايرانية أمير حسين عبد اللهيان كان قد حدد موقف ايران من مصير ابعاد بشار بكون بشار خطاً أحمر. وهو تصريح وقح يعبر عن رثاثة فجة وعدوانية مرفوضة، فالنظام الايراني جزء رئيس وفاعل من المشكلة، ولا يمكن بالتالي أن يكون جزءاً من أي حل، لكون سقوط نظام بشار يعني في الحصيلة العامة نهاية حقيقية لمشاريع النظام الايراني العدوانية والاستفزازية والابتزازية في الشرق بأسره. كما يعني تبخر وتلاشي حلف نوروز الطائفي. ويعني أيضا نهاية امبراطورية الضاحية الجنوبية وسلطنة العصابات العراقية سورية مقبلة على متغيرات هائلة ستحيل بشار وحلفاءه فعلا وقولا لمزبلة التاريخ كأي طفيليات عدوانية تافهة أضحت مجرد نكتة في التاريخ