التسوية: لحزب الله الحرية الأمنية وللحريري الحرية الاقتصادية
علي الأمين/ جنوبية/ 6 نوفمبر، 2016
التسوية التي قال الجميع انه خرج كاسبا منها، ما هي حدودها وما هي فرص صمودها امام الاختبار، الرئيس عون كيف اعاد تموضعه وحزب الله كيف حفظ ما يعتبره حقا له والحريري يرمم شعبيته لكنه امام اختبار ما ينتظره الناس منه معالجات اقتصادية.
فرضت التسوية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيسا للبلاد، وبسعد الحريري رئيسا للحكومة، الدخول في مرحلة سياسية جديدة ستبرز معالمها اكثر فاكثر خلال المرحلة المقبلة، لاسيما على صعيد التحالفات السياسية داخل الحكومة وفي خارجها ايضاً. ودائما على قاعدة تراجع الزخم الاقليمي واصطفافاته داخل الحكومة وتقدم الحسابات الشخصية والمحلية في بناء التحالفات ولاسيما في الانتخابات النيابية المقبلة.
بالتأكيد اللبنانيون واقفون على ارض طائفية صلبة واقصى ما يطمح له معدو قانون الانتخاب، هو السماح للأقلية داخل اي طائفة بالتمثيل النيابي. وما الاصرار على النظام النسبي من قبل بعض اطراف السلطة، الا تأكيد لهذا المنحى، لا من اجل قانون انتخابي يساعد على خلق قوى عابرة للطوائف وللمناطق اللبنانية. لذا تبقى الثلاثية الذهبية والصلبة في هذا النظام حتى الآن، وكما اظهرت التسوية الرئاسية، هي ثلاثية المسيحيين والشيعة والسنّة.
فرض وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية مفهوم الرئيس المسيحي الذي يحظى بشعبية مسيحية واسعة، وفرض التسوية التي حرصت مختلف القوى السياسية على التأكيد انها خرجت منها رابحة. وفرض على رئيس الجمهورية، ومن خلال ما قدمه في خطاب القسم، اعادة التموضع. ذلك ان العماد ميشال عون، الذي تلقف ضوءاً اخضر حمله سعد الحريري من السعودية، تبنى مفهوم تحييد لبنان عن الازمة الاقليمية، وهو كان بذلك ايضا يلبي مصلحة الشارع المسيحي لاعادة التموضع، بما يخفف من التورط الزائد في حسابات المحور السوري الايراني الاقليمية، الذي كان يكلف هذا الشارع ابتعادا غير مسبوق عن العمق العربي، وبات يهدد نظام مصالحه.
خطاب القسم تناول المقاومة بالحدّ الأدنى الذي لا يثير حفيظة احد من القوى السياسية، سواء المؤيد لهذه المقاومة او المعترض عليها. واكد على تطبيق اتفاق الطائف، وعلى مرجعية الدستور في الدولة اللبنانية، والتأكيد على السيادة وبناء الدولة. ما دفع بعض المعجبين بخطاب القسم ممن ينتمون الى فريق 14 آذار، الى القول انه اذا نفذ الرئيس عون خطاب القسم فهو ينفذ خطاب 14 آذار الاصلي الذي يطمح الى بناء دولة تضم الجميع تحت مظلة الدستور والقانون.
اعادة تموضع عون، التي لا تعني بطبيعة الحال فتح خصومة مع حزب الله (لا قدر الله)، هي التي دفعت حزب الله الى التخفيف من مقولة التحالف مع عون، وزيادة منسوب الكلام عن الحلف مع بري، و”نحن والرئيس بري في مركب واحد”، و”الرئيس بري من يمثلنا في الحوار حول التشكيلة الحكومية”… سواء كان الحوار مع الرئيس عون نفسه او مع الرئيس الحريري. فضلا عما قيل في اوقات سابقة عن ان “غاية حزب الله ايصال الجنرال عون الى قصر بعبدا وبعد ذلك فإن التحالف مع الرئيس بري هو الاساس”. لذا لم يكن هناك تأثير بالغ لعدم انتخاب الرئيس بري الجنرال عون لموقع رئاسة الجمهورية. بل جرى توظيفه بما يخدم نظام المحاصصة الطائفية حيث بالضرورة يكون السيد نصرالله مع الرئيس بري لا سواه. علما ان الرئيس بري الذي رفض عون للرئاسة تمسك بالحريري لرئاسة الحكومة ولوعدٍ وجد نفسه ملزماً بايفائه للحريري، وايضا ليلحق بالركب. ذلك ان الرئيس بري سكون محرجاً لو أنه رفض تسمية الحريري، بعد رفضه انتخاب عون، اذ ليس مناسبا له بعدها في الدخول في لعبة المحاصصة مع بداية عهد جديد.
اما مهندس هذه التسوية الرئاسية بشروطها، الرئيس سعد الحريري، فقد عاد الى لبنان، وهو بحاجة الى هذا النوع من العودة المعنوية، لترميم علاقته مع الشارع. فوجوده في السلطة يعطي جمهوره شعورا بالارتياح والقوة والثقة، لا سيما ان هذا الجمهور تعرض لتصدعات كشفت جانبا منها الانتخابات البلدية. وبدا ان هذا الجمهور عرضة لتناتش من اكثر من جهة. ويدرك الرئيس الحريري انه لا يأتي بزخم تجسيد المصالح السعودية في مواجهة المحور الايراني، بل وفق حسابات سياسية محلية داخلية، هي التي ستحكم وتتصدر على الحسابات الاقليمية. انتقل الحريري من صاحب مشروع سياسي له امتداد اقليمي الى شخصية سياسية لها حسابات سياسية داخلية ومحلية يحمل مشروعا تتطلع اليه الناس كمشروع منقذ للوضع الاقتصادي – الاجتماعي ولا تنتظر منه تغيير معادلات اقليمية. بالطبع كان للازمة السورية وامتداداتها وتشعباتها تأثير على هذا الخيار والوجهة لدى الحريري.
حزب الله وافق على التريبات الجديدة في مقابل فرض امر واقع مفاده: “انا املك صلاحية الحراك العسكري والأمني داخل لبنان وخارجه، ومن دون ان تملك السلطة اللبنانية حق المنع، لكن اتيحُ هامشا من المواقف عن الحياد وضد التدخل في سوريا، يبقى في حدود الموقف”. حزب الله الذي انتقل من محاولة تشريع سلاح المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، نجح عمليا وبقوة فرض اتفاق غير رسمي بان السلاح لم تعد مهمته مقاومة اسرائيل بل باتت له وظيفة اقليمية وله مهمات خارجية. والحكومة ستتعامل مع هذه الوضعية كأمر واقع، وان كان غير مقبول. والمراهنات تبقى على الديناميات الداخلية التي ستكشف القدرة لدى السلطة في وجهها الجديد على انتشال لبنان مما هو فيه، او الحدّ من الاستنزاف المالي والاقتصادي، او انها ستعيد انتاج الفراغ، ولو لم تكن المقاعد الرئاسية شاغرة.