عقدة تمثيل “القوات” عقدة حكومة “الطائف” الأولى
ايلي الحاج/النهار/12 تشرين الثاني 2016
كان يحلو لرئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، زمن الحرب في الثمانينيات التذكير في لقاءاته بمعادلة فحواها أن أميركا (زمن رونالد ريغان) أقوى من سوريا بما لا يُقاس، لكن سوريا أقوى من أميركا في لبنان، لأن حافظ الأسد مستعد للقتال من أجل استمرار سيطرته عليه، حين أن أميركا لا تعطي لبنان هذه الأهمية القصوى.
بعد ثلاثة عقود لا تزال المعادلة نفسها قائمة، مع استبدال نظام الأسد بـ”حزب الله” المرتبط عضوياً بإيران، ولا يمكن أن يتخلى الحزب عن حيازة القرار الاستراتيجي للبنان، بعدما بات نهائياً في يده، بما تتضمن هذه الحيازة من تحديد للأحجام السياسية وقدرة على اتخاذ القرارات الرئيسية للدولة، أو حق “الفيتو” عليها أقله. لعلّ أسلوب “حزب الله” في التعامل مع قضية رئاسة الجمهورية تقدم إلى من يرغب فكرة عن الطريقة الجديدة في إدارة شؤون هذه البلاد. ق
ال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بوضوح ما بعده وضوح، إن الرئاسة عند الجنرال ميشال عون، انتخبوه فينتهي الشغور الرئاسي. تستطيعون ألّا تنتخبوه فيستمر الشغور. خلال سنتين ونصف السنة لم يزح نصرالله أنملة عن موقفه، وعندما غيّر الآخرون رأيهم وقرروا انتخاب عون صار للبنانيين رئيس جمهورية كما أراد الحزب. دور الأفرقاء الآخرين هؤلاء في ترئيس عون اقتصر على القبول بما رفضوا سابقاً، وكان في إمكانهم الإستمرار على ذلك المنوال. لكن البديل من عون كان سيبقى عون نفسه وإن بعد سنوات.
هذه وجهة نظر “حزب الله” كما عبّر عنها مراراً منذ انتخاب عون، يستحضرها بكل هدوء في مجال الرد على من يطالبون بحصة في السلطة أكبر من الحصة التي يقررها الحزب لهم على أساس أن لولاهم لما كان صار عون رئيساً. وماذا يستطيع أن يفعل رئيس الجمهورية إذا كان قرار حليفه الأكبر “حزب الله” عدم إعطاء حليفه الآخر المسيحي (“القوات”) أكثر مما يقدر أنه حجمه، أي حقيبة “متوسطة” مثل وزارة العدل، إلى حقيبة أو حقيبتين “خفيفتين”؟
يدرك الرئيس عون كما يدرك الرئيس المكلف سعد الحريري أن القرار بإطلاق عملية تشكيل الحكومة العتيدة يعود عملياً وفي نهاية المطاف إلى الرئيس المكلف من “حزب الله” بإعطاء الموافقة أي الرئيس نبيه بري، وإلا فإنها لن تبصر النور حتى لو مرّت شهور وشهور.
سيقدم الحريري ورقة عليها تشكيلة وراء ورقة عليها تشكيلة، يلقي بري نظرة عليها ثم يردها إليه، مرة تلو مرة، وهكذا دواليك.
هل يستطيع الرئيس عون الإنتظار مدة طويلة لينطلق عهده عملياً بإعلان ولادة الحكومة؟
وبين أن يزعل رئيس “القوات” وتتشكل حكومة على مضض منه، أو يرفض بري مشاريع التشكيلات المتلاحقة وخلفه السيد نصرالله، ماذا سيفضّل؟
الأرجح لن يكون أمام رئيس “القوات” خيار غير القبول بما يرفضه اليوم، تماماً كما فعل والرئيس الحريري في رئاسة الجمهورية مما شجّع “حزب الله” على نجاح أسلوبه في إدارة الأوضاع اللبنانية.
فعدم دخول جعجع الحكومة الأولى للعهد الجديد سيكون مكلفاً عليه، خصوصاً أنها حكومة تنظيم انتخابات نيابية بعد 7 أشهر.
وثمة تجربة سابقة لا تشجعه على الرفض، بعد انتهاء “حرب الإلغاء” والبدء بتطبيق الطائف عام 1990 كان يتطلع إلى حكومة يكون لـ”القوات” مع حلفاء لها ورئيس الجمهورية الثلث الضامن، وذلك لقاء دورها في التوصل إلى “اتفاق الطائف” وحمايته والقتال من أجله على الأقل.
لكن النظام السوري الذي أوكل إليه الإشراف على تطبيق الطائف، أو أُطلقت يداه للتصرف بما يناسبه في لبنان، لقاء مساهمته في حرب تحرير الكويت كان له رأي مختلف.
فوجئ قائد “القوات” آنذاك بأنه، بدل الثلث الذي كان يتطلع إلى قيادته، أعطي حقيبة واحدة في حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي. أي أن “القوات” في الحكومة مثلها مثل الكتائب و”المردة ” وحزب الوزير الراحل إيلي حقيبة “وعد” والحزب السوري القومي الاجتماعي.
مسألة الحجم والاعتراف به طغت عند جعجع آنذاك على مكاسب عُرضت عليه، مثل طي صفحة الماضي والمصالحة مع آل كرامي وآل فرنجية.
لا شك أنه أدرك مدى وطأة الاعتراف بأن لبنان وقع تحت النفوذ السوري بدل أن ينطلق إلى محاولة الحياة مجدداً في ظلال الطائف.
رفض جعجع الوزارة ثم قبل بتولي أمين عام “القوات” آنذاك روجيه ديب وزارة التنمية الإدارية، ثم قرر أن يستقيل ديب وتخرج “القوات” من الحكومة.
وبدأ على الأثر الزمن السيئ، له شخصياً وإلى أقصى حد، ولتنظيمه وأنصاره، في موازاة اضطهاد الأحزاب الأخرى وإن بدرجات أقل، بينما تنعمت أحزاب أخرى بالسلطة.
الأرجح اليوم أن رئيس “القوات” بدأ يستذكر تلك الحقبة وقد يستذكرها أكثر.
هل إن رهانه على عهد عون يحمل شبهاً برهانه على “الطائف”؟