رسالة أميركية لدعم لبنان في مكافحة الإرهاب وأمل في تطويره ليطال سلاح الجوّ
خليل فليحان/النهار/2 تشرين الثاني 2015
لم يفاجأ مسؤولون غير مدنيين بإعلان الرئيس باراك أوباما تقديم كميات جديدة من الأسلحة الأميركية الى القوات المسلحة اللبنانية لا سيما من النوع الذي يفيد العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب، وأجهزة فائقة الحداثة لاستعمالها في عمليات التقصي عبر الرقابة والرصد. ولا ينكر متابعون عمليات تفكيك الخلايا الارهابية أهمية الأسلحة الأميركية الخفيفة التي يتسلمونها في أوقات مختلفة لاستعمالها أيضاً في المداهمات لعناصر ارهابية. وقد فسروا إعلان البيت الأبيض عن الدعم الجديد من الأسلحة للبنان بالتزامن مع انعقاد مؤتمر فيينا 2 بأن الغاية إعطاء نموذج للمشاركين فيه عما تقوم به واشنطن للبنان الذي تتصدى أجهزته المختصة لمحاولات “داعش” و”النصرة” التسلل إليه من جرود عرسال عبر عمليات هجومية ضد مواقع للجيش اللبناني الذي نجح في التصدي ببسالة بالمدفعية البعيدة ويفشّل أهدافهم. وتمنوا لو أن وزارة الدفاع الأميركية تمدّ الجيش اللبناني بمقاتلات لتوفير الغطاء للقوة البرية وإنهاء احتلال التنظيمين الارهابيين لجرود عرسال.
وفي السياق لا ينكر العارفون بشأن تسلح الجيش منذ بدء وصول مسلحي “تنظيم الدولة الاسلامية” و”النصرة” الى جرود عرسال ان مخازن الجيش الاميركي ترسل كميات كبيرة من الصواريخ البعيدة المدى والقذائف بوفرة وبسرعة لدى طلب القيادة المسؤولة منها. وتجدر الاشارة الى تلبية الحاجة الى الاسلحة لدى وقوع الهجوم على الجيش في عرسال ومحيطها في 7 آب 2014 الامر الذي أدى إلى سقوط شهداء وجرحى في صفوفه وعسكريين محتجزين حتى الآن لدى التنظيمين.
ولامت قيادات سياسية واشنطن لترك الجيش اللبناني يخوض المعركة ضد ارهابيين في جرود عرسال من دون ان تسلمه ما يحتاج اليه من مقاتلات أميركية بذريعة عدم اغضاب اسرائيل التي تتخوف من استعمال سلاح الجو اللبناني ضدها. واعتبرت ان المقاتلات التي تسلمها للجيش للقيام بعمليات عسكرية محدودة لم توفر للجيش بعد إمكان اقتحام جرود عرسال والقضاء على الارهاب “الداعشي” والذي يُعدّ الخطر الحقيقي بفعل الاضطراب الذي يثيره في عدد من قرى البقاع الشرقي، خصوصا ان مسلحي التنظيم لم يترددوا في محاولة إيقاع الفتنة المذهبية التي سارعت القوات العسكرية الى وأدها بسرعة.
ولفتت المصادر إلى ان أسلحة الطيران العالمية من روسية وأميركية وسواها التي تشن هجمات على مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية حيث يسيطر على أجزاء من سوريا، لم تتوسع لتطاول مواقعه في جرود عرسال. وأحد المسؤولين أوضح لـ”النهار” ان على لبنان أن يطلب من قيادة التحالف الذي تتزعمه أميركا، أو من روسيا توجيه ضربات الى مواقع الارهابيين لكنه لا يفعل حتى الآن حفاظا على حياة العسكريين المحتجزين لديهم، وهذا الوضع يبقي جبهة الارهاب مفتوحة مع الجيش في جرود عرسال الى حين إنقاذ هؤلاء وإعادتهم إلى ذويهم وثكنهم.
وأفادت ان لبنان لم يستفد إلى الآن من أسلحة الجو التي تزدحم في الفضاء السوري لقصف مواقع “داعش”، الا ان اجهزة الاستخبارات المتخصصة في مكافحة الارهاب العالمية من اميركية واوروبية وعربية تمد الاجهزة اللبنانية ليس فقط بأجهزة الكترونية لرصد التحركات ومراقبة الهواتف الخليوية، واسلحة متطورة في عمليات المداهمات لمخابئ الارهابيين، إنما تمد الاجهزة بمعلومات استخبارية تفيد كثيرا في تفكيك الخلايا الارهابية، ويقدر مسؤولون دوليون عاليا اداء الاجهزة اللبنانية لمكافحة الارهاب لما تحققه من كشف للخلايا وتعاون يفيد بعض الدول ومنها أوروبا.
لبنان إلى طاولة تقرير مصير سوريا: مفارقة تعويض النقص لبلد مصيره معطّل!
روزانا بومنصف/النهار/2 تشرين الثاني 2015
ارتاحت بعض الاوساط اللبنانية لدعوة لبنان الى اجتماع فيينا الذي عقد الجمعة الماضي للبحث في الحرب الاهلية السورية ومحاولة ايجاد حل لها. احب البعض ادراج هذه الدعوة التي صادف انها جمعت الدول المجاورة لسوريا والتي تلقت تداعياتها في اطار ترضية معنوية لبلد يتلقى انعكاسات الحرب في سوريا ومن حقه ان يكون حاضرا الى طاولة المباحثات من اجل ان ينقل معاناته خصوصا حيال العدد الكبير من اللاجئين السوريين والمخاطرالمتعددة التي تتهدده نتيجة لذلك. ولعل المشاركة تشفي غليلا قديما لدى غالبية اللبنانيين ان يكون مجرد حضور لبنان الى الطاولة للبحث في مصيرسوريا في الوقت الذي تحكمت لأكثر من ثلاثة عقود بمصيره على كل الطاولات والمباحثات الجماعية والثنائية بغض النظر عن قدرته على التأثير ام لا. اذ ان الرئيس بشار الاسد لم يتحمل ان يلتقي المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا بعض القادة اللبنانيين في طريقه الى دمشق ومنها عبر بيروت واعترض على ذلك بقوة لدى الاخير بذريعة ان مواقف بعض هذه القوى سلبي منه ويمكن ان يؤثر على نحو غير ايجابي في تقويم المواقف لدى المبعوث الدولي. ومع ان وزير الخارجية جبران باسيل يعتبر من اصدقاء النظام ما قد يلغي اعتراضه وربما يأمل البعض ان يكون في مكان ما صوتا داعما للمحور الروسي الايراني العراقي في الدفاع عن النظام والمطالبة ببقائه أو تمديد فترة استمراره في المرحلة الانتقالية ليس لمصلحة سوريا فحسب بل لمصلحة الاقليات ودول الجوار في مقابل الاصوات الكثيرة الاخرى التي تطالب في المقابل بتقصير هذه المدة، فإن مجرد وجود لبنان قد يستفز الاسد الذي لا يمكن ان يتصور ان يكون لبنان الجار الاصغر الذي لا يعتبره دولة مستقلة عنه طرفا مشاركا في مصيره ومصير سوريا. وان يذهب “حزب الله” الى اعتبار ان مشاركة لبنان في اجتماع فيينا هو “نتيجة المقاومة” ولولاها لما كان دعي ليكون عضوا في هذه المفاوضات انما يصب في خانة تظهير الدور الذي يتعين على خارجية لبنان لعبه في هذه الحال وليس اي دور آخر إذ عله يكون منتظرا من لبنان رفض طلب السعودية مثلا انسحاب الميليشيات التابعة لإيران من سوريا وفي مقدمها “حزب الله”. كما اضيفت عبر موقف الحزب من اجتماع فيينا وظيفة تبريرية جديدة لانخراطه في الحرب السورية بعد حماية حدود لبنان من الارهاب والدفاع عن القرى الشيعية أو المقامات الشيعية الا وهي انه وراء دعوة لبنان للمشاركة في اجتماع فيينا ما يجعل الحزب يتخطى دوره في الحرب الى جعله عاملا مشاركا في السلام أيضاً.
ففي مقابل هذا الارتياح لمنح لبنان مقعدا على رغم الفراغ الداخلي في مؤسساته الدستورية وعجزه عن معالجة أزمة النفايات وليس أزمة رئاسة الجمهورية فقط، ولعل هذا الواقع يرضي بعناوينه العريضة غرور اللبنانيين بان البلد لا يزال له موقع ودور من حيث المبدأ، الا ان هذا لا يلغي في المقابل ان لبنان لا يستطيع ولن يتمكن من ان يلعب الدور الذي يفترض ان يكون استفاد منه في ظل انشغال سوريا بحربها الداخلية وكذلك انشغال العالم العربي. فلم ير اللبنانيون جلسة لمجلس الوزراء منذ زمن بعيد تبحث في مسألة تتعلق بسياسة لبنان الخارجية كما لم يروا جلسة للجان النيابية المختصة أو لمجلس النواب أو اجتماعا وزاريا ثنائيا أو ربما رباعيا أو اكثر بقليل يجمع على نحو علني رئيس الحكومة ووزير الخارجية للاتفاق على الموقف الذي يتعين على لبنان ان يعتمده في الاحتمالات التي سترد على طاولة المفاوضات أو في حال اتيح للبنان ان يعبر عن رأيه أو موقفه. في حين ان لا سياسة خارجية نتيجة الاختلافات لا بل الانقسام العمودي في الرأي في موضوع الحرب السورية وكذلك الموقف الرسمي منها نأياً بالنفس أو مشاركة في الحرب الى جانب النظام، فإن لبنان لم يعد يعيش زمن غسان تويني أو فؤاد بطرس أو سواهما من رجالات السياسة الخارجية الكبار الذين يمكن ان يبلوروا موقفا تعبيريا عن أزمة لبنان وعن دوره وقدرته على لعب دور وسيط ربما أو مساعد وفق المواقف أو الاقتراحات التي يمكن ان تستجد في فيينا أو على هامشها. لا بل ان الهمس تصاعد في الايام الاخيرة عن ان رئاسة الحكومة فوجئت بما أعلنه وزير الخارجية عن مشاركة لبنان في مفاوضات فيينا في مؤتمر صحافي قبل تبليغه اليها على طريقة ممارسة كل فريق سياسة خاصة به من دون التزام الحد الادنى من مبادئ العمل الحكومي، ولكن مصادر رئاسة الحكومة تحدثت عن معرفتها بالدعوة وانها تبلغت ذلك من باسيل وجرى تداول الخطوط العريضة لموقف لبنان قبل توجه الاخير الى فيينا. أحب البعض الاعتقاد ان لبنان ليس فقط أزمة نفايات ومعضلة عجز عن التوافق على رئيس للجمهورية وتعطيل مجلس الوزراء وهو اكبر من ذلك، لكن المفارقة انه يثير انفصاما عميقا لدى السياسيين اصحاب الارتياح من كل الجوانب لجهة ان يدعى لبنان الى مفاوضات تقرر مصير سوريا المجاورة فيما هو ينتظر تقرير مصير رئاسته في مفاوضات مماثلة أو ربما أقل بقليل من كل الحشد الدولي في فيينا رافضا ان يتولى بنفسه تدبير شؤونه وتقريرها في حين يشارك الدول في النمسا الدعوة الى ترك الشعب السوري يقرر مصير رئيسه.