الجاهلية أو القصَير 2: فلينظر العهد إن لم يسمع
علي الأمين/جنوبية/ 20 نوفمبر، 2016
حزب الله يرعى سرايا التوحيد لتشكل مع استعراض القصير ضربة للمؤسسة العسكرية وإضعاف لشرعية العهد الجديد تحت عنوان: الحزب هو من يحمي الدولة والجيش والحزب هو من يمنع الميليشيات المساحة لأن تتشكل.
العرض العسكري الذي أقامه الوزير السابق وئام وهاب في الجاهلية أمس، يكتسب أهمية ودلالات لا يمكن إخفاءها مع بداية عهد الرئيس العماد ميشال عون. فسرايا التوحيد التي استعرضت أمس عدداً من مقاتليها، ومن بينهم عدد من السوريين، حرصت علىأان يكون في منصة الإستعراض نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي والقيادي في حزب البعث السوري الوزير السابق فايز شكر. وجود ممثلان عن حزب الله والبعث السوري، هو الأهم في الرسالة، إذ لا لأحد يعير اعتباراً لمثل هذه الخطوة إن كانت مقتصرة على تيار التوحيد وبلا مظلة حزب الله.
ليس من قبيل الصدفة أن يتمّ هذا الاستعراض العسكري بعد تسعة أيام من العرض العسكري الذي أقامه حزب الله في بلدة القصير السورية، ولا من باب الصدفة أيضاً ان يتم قبل يومين من العرض العسكري الذي يقيمه الجيش اللبناني في عيد الاستقلال يوم الثلاثاء، بعد سنتين من الغياب بسبب الفراغ الرئاسي الذي حال دون قيامه. وأن يكرر وئام وهاب مقولته أمس بأن مقاتليه في تيار التوحيد هدفهم حماية الجيش، هي الرسالة الأهم التي يطلقها من هو خلف وهاب ومفادها: نحن من يحمي الجيش. وأنا احميك يعني أنا املك وصاية عليك، ولا أخضع لسلطتك. وهو كلام لا معنى له إلاّ إهانة الجيش الذي يرمز وحده إلى السيادة الوطنية.
بوجه العهد هذا العرض العسكري وبلا تحفظ هو رسالة بالدرجة الأولى من حزب الله إلى الرئيس ميشال عون، خصوصاً مع وجود عمق سوري لمواقف وهاب. إلاّ أنّ النظام السوري قاصر على القيام بمثل هذه الخطوة في لبنان، بسبب ضعفه ولأنّ المنظومة الإيرانية التي يمثلها حزب الله باتت هي المتحكم والمسيطر ليس في لبنان بل حتى في العديد من المناطق السورية. ولعل المشهد اللافت الذي يؤكد هذه الحقيقة، هو العرض العسكري في القصير. فحزب الله برز كجيش يقوم بعرض عسكري في سوريا كما لو أنه جيش في قلب جيش.
وماذا يريد حزب الله من العرض العسكري في القصير وفي الجاهلية عبر سرايا التوحيد؟ ولماذا يقوم بهذه الخطوة عشية عيد الاستقلال وغداة وصول حليفه ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى؟
ما أخذه الرئيس عون من حليفه أخذه وصار رئيساً للدولة. والرئيس عون في موقع رئاسة الجمهورية هو غير الجنرال عون رئيس حزب أو زعيم مسيحي. لا يعني ذلك أنّ الرئيس عون صار في مواجهة حزب الله، بل عون الذي وصل الرئاسة لينجز ما يطمح إليه، أيّ بناء الدولة وتعزيز السيادة. فآخر الأمر عون يحظى بالتفاف ماروني ومسيحي حوله غير مسبوق. وهو يدرك أنّ المسيحيين والموارنة تحديداً يشكل الكيان وأفق الدولة، العمق السياسي بل الوجودي لهم. وهم يتقدمون في هذه الناحية على بقية المكونات اللبنانية، لأسباب تتصل بنشأة الكيان وبخصوصية الوجود المسيحي في هذا البلد. وكان الرئيس عون، في خطاب القسم، تحدث عن سيادة الدولة وتطبيق الدستور. حتى المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي لم يتحدث عنها كأمر واقع، ولم يخصصها بعبارة يقصد فيها حزب الله، بل تحدث عن حق عام وطبيعي للبنانيين في مقاومة الاحتلال، وليس ميزة مخصصة لفئة محددة.
العرض العسكري في القصير، وإن كانت له أبعاد إقليمية، إلاّ أنّ رسالته اللبنانية استكملت مع عرض الجاهلية العسكري أمس، وبدا واضحاً أنّها موجهة إلى الدولة وإلى الترتيب السياسي الجديد في لبنان بعد انتخاب عون، وهو أنّ هناك وضعيات أمنية وعسكرية خارج سلطة الدولة يجب أن تقبلوا بها. خصوصاً أنّ استعراض وهاب لم يقل أنّه يحضّر مقاتليه من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير مزارع شبعا مثلاً، بل حدد وظيفة جديدة هي أصلاً من وظائف الجيش والقوى الأمنية. لذا فالعرض الممتد من القصير إلى الجاهلية غايته رسم ملعب العهد الجديد، والسقف الذي يجب أن يتحرك تحته ولا يتجاوزه. ولحزب الله اليد الطولى في تحديد من هو الذي يجب أن يحمل السلاح ومن هو الممنوع من حمله بيت الأحزاب والمجموعات غير الرسمية في لبنان.
لا شكّ أنّ الانشغال الداخلي هو الأولوية التي تفرض نفسها على العهد. لكن حتى ما يطال عملية تشكيل الحكومة لم يعد مفصولاً عن الاحتكاك الخشن بين السياسية الشيعية والسياسية المارونية. وحزب الله الذي كلّف الرئيس نبيه بري بهذه المهمة، ليس بعيداً عن سجال السياسية الشيعية والسياسية المارونية. فالأخيرة تلتف حول الرئيس وتطمح إلى إعادة الاعتبار إلى الدولة والكيان، فيما السياسية الشيعية التي يشكل حزب الله بوصلتها وثقلها اليوم، لا الرئيس نبيه بري، تتركب وتتموضع في سياق اللادولة وامتداداتها الإقليمية، وهي تتعارض في بنيتها واستراتيجيتها مع بنية الدولة. حزب الله من خلال العرض العسكري يقوم بعملية التفاف ويقوم بخطوات استباقية ويفرض قواعد وحدود … هو احتكاك خشن، لكن واضح التصادم المعنوي والرمزي بين ملامح مشروع يريد تعزيز الدولة والسيادة، وبين قوة أخرى عابرة للأوطان تريد أن تفرض أمراً واقعاً وتعريفاً استثنائياً للسيادة لا بد من قبوله.