رجوع الشيخ إلى صباه
عقل العويط/النهار/22 تشرين الثاني 2016
أستعير عنوان هذا المقال من مولانا الإمام أحمد بن سليمان بن كمال باشا، طيّب الله ثراه، لا لأصف خلطةً سحريةً وعشبةً خلاصية من شأن العجوز إذا شرب رحيقَها المصفّى أن يهبّ من رقدته منتصباً متأهّباً متحفّزاً، بل لأهجو هؤلاء العَجَزة الأنذال الذين يمثّلون عصارة المشهد السياسي، وقد هبّوا هبّة رجلٍ واحد، كأنهم ذاهبون إلى المشاركة في يوم البعث والنشور.
أكتب هذا المقال على سبيل السخرية السوداء، لكنْ خصوصاً على سبيل الأسى الممزوج بالاحتقار.
هؤلاء السَّفَلَة الذين منعوا طوال سنتين ونصف سنة حصول انتخابٍ لرئيس الجمهورية، عادوا بسحر ساحر عن امتناعهم الجائر، ليس من أجل إطلاق سراح الرئاسة الموقوفة، وإنما لتمريغها تمريغاً بعد حصول الانتخاب، ولإرجاع البلاد إلى نقطة الصفر، أي إلى مربّع اللصوص وقطّاع الطرق، حيث تتمّ عمليات المقايضة والتقاسم وسرقة المال العام. ما أقبح هؤلاء، وما أرخص السياسة التي يتّبعونها!
إنها ذكرى الاستقلال. أشعر أكثر من أيّ وقت مضى بأننا تحت الاحتلال.
يد المستبدّ تمعن في الاستبداد، أكانت يد الوصاية السورية أم يد وَرَثَتها الإيرانيين الميامين!
لم تكن المناورات السياسية الدنيئة غائبةً يوماً عن العمل السياسي اللبناني لعصابات السلطة منذ نشوء هذه الطبقة المتحكمة بمصائرنا الوطنية.
وإذا كنا شهدنا في مراحل مختلفة فنوناً وأنواعاً غير مسبوقة من العهر السياسي، فإن الجديد المطلوب الآن هو الآتي: يُمنع على الرئيس المنتخَب أن يتحرّر من الأثقال التي تكبّله. لماذا؟ كي لا يكون وفيّاً لقَسَمه، وكي لا يشعر بالكرامة الوطنية وهو يقف وحيداً أمام مرآته. ممنوعٌ على هذا الرئيس، وعلى كلّ رئيس، أن يكون رئيساً.
يجب أن يعرف حدوده، وأن يخضع، وأن ينصاع، ، وأن يكون محض بيدقٍ على طاولة الشطرنج التي يتحكّم بها لاعبٌ واحد، هو الآمر الناهي، وهو صاحب المكان والزمان.
وَرَثَة الوصايات، ومَن معهم من الزلم، ومَن وراءهم، يريدون أن يعلّمونا درساً “استقلالياً” لا يُنسى. فليفهم أصحاب العقول البليدة أن لا مجال للاستقلال ولا للمستقلين.
هذه بلادٌ تَناوَب عليها الأوصياء والمنتدبون المغتصِبون. وهي يجب أن تظلّ تُغتصَب.
والويل لها إذا تمرّدت، ورفضت أن تفتح ما بين فخذيها.هذه البلاد يُراد لها أن تستجيب وليّ أمرها، أيّاً يكن.
كلّما أُجبِرت على أن تفرشخ، رجع الوصيّ – أيّاً يكن – “رجوع الشيخ إلى صباه في القوّة على الباه”.
شكراً لمولانا الإمام المؤلّف السابق ذكره. كلّ عيد استقلال وأنتم بخير!