«حارة حريك» و «بعبدا»: تصادم بين وظيفتين
علي الأمين/جنوبية/ 24 نوفمبر، 2016
كشف انتخاب رئيس للبلاد وظيفة الفراغ الرئاسي الذي دام لعامين، انتخاب أيّ رئيس يفرض سؤالاً لا مفر منه أيّهما له الأولوية مشروع الدولة أم الدويلة؟ سؤال يستبطن حقيقة أن لا إمكانية لتعايش الدولة والدويلة تحت سقف الدستور..لذا كيف ستعوض الثنائية الشيعية خسارة الفراغ الرئاسي؟
إذا تقدم مشروع الدولة كما بشّر به الرئيس ميشال عون سيصطدم بمشروع الدويلة، وإذا استقوت الدويلة التي يقودها حزب الله وتمددت فسيكون ذلك على حساب الدولة، هذه المعادلة البسيطة هي التي تشغل بال الكثيرين اليوم في لبنان، فيما يطمح الرئيس عون إلى أن ينجز مشروعه من دون التصادم مع حليفه حزب الله ولكن من دون التسليم بوجود ثنائية السلطة في لبنان.
الحل ليس سهلاً رغم النوايا الطيبة، فالأرجح أنّ حزب الله الذي يشرف على مشروع الدويلة ويقودها بنجاح باهر منذ خروج الوصاية السورية، يدرك أنّ مقتل مشروعه هو تثبيت سيادة الدولة في لبنان، لذا لو كان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة على سبيل المثال النائب محمد رعد هو رئيس الجمهورية اللبنانية، لكانت التساؤلات نفسها طرحت، ولكان الحذر من حزب الله هو نفسه في ظلّ رئاسة الجنرال عون، الإشكالية لا تكمن في الأشخاص ومدى عشقهم للمقاومة، أو في مدى ذوبانهم في شخص أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الإشكالية تكمن في الوظيفة الدستورية الملقاة على رئيس الدولة.
يبدو الرئيس نبيه بري الأكثر كفاءة في القيام بوظيفة مواجهة هذه الاشكالية، فالثنائية الشيعية في لبنان التي يقودها حزب الله وترعاها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تدرك أنّ الإشكالية التي تواجهها في أنّه ليس لديها إجابة موضوعية ومنسجمة مع الدولة، حول كيف يمكن أن تدار الدولة، لديها كفاءة قتالية، وكفاءة استشهادية لكنّها عاجزة عن الإجابة على سؤال ما هي وظيفة الدولة وكيف تستعاد سلطاتها؟ تكشف الريبة حيال الخطوات المتواضعة التي تلت وصول عون إلى قصر بعبدا، من خطاب القسم إلى استقبالات الاستقلال إلى مسار البحث في تأليف الحكومة، أنّ الفراغ الرئاسي كان النموذج المثالي لهذه الثنائية، فالفراغ يعفيها من الإجابة، وكفيل بتأجيلها وتبديدها.
وظيفة الرئيس برّي اليوم الإستراتيجية وباسم الثنائية الشيعية، تكمن في تظهير عجز الرئيس عون عن حكم البلاد، لذا ستتوالى الإضرابات والإعتصامات، باسم الكهرباء أو الميكانيك، وما أكثر الأزمات الناتجة عن ضعف الدولة وغيابها وتتطلب معالجات وحلول.
الرئيس برّي يستخدم كل ما لديه من حنكة وبراعة في سبيل لجم الزخم الذي يحيط برئيس الجمهورية، وهزّ المناخ التفاؤلي برئاسة عون، وهذا يتطلب المزيد من تظهير العجز لدى الرئاسة، والمزيد من فرض الشروط عليه، وتأخير تشكيل الحكومة إلى أبعد فترة زمنية ممكنة.
ما تشيعه أوساط حزب الله أنّ المشكلة في حجم توزير القوات اللبنانية المبالغ به، وأخرى تقول أنّ أزمة التأليف هي بين الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية، الأرجح أنّ المشكلة أعمق من ذلك وما إبراز اسم القوات اللبنانية إلاّ تغطية على أزمة ثقة من قبل حزب الله تجاه الرئيس ميشال عون.
بالعودة إلى ما ورد أعلاه، وتأكيداً لحقيقة أنّ العلاقة الخشنة بين الرئيس عون والثنائية الشيعية تكمن في العلاقة الخشنة بين مشروع الدولة ومشروع الدويلة. هو تصادم حتمي بين وظيفتين متعارضتين، الفراغ الرئاسي كان وسيلة لمنع التصادم، وقبله كان الإنقسام السياسي الحاد سبيلاً لتفادي هذا التصادم، هل من أرنب سيخرج من جبة السيد نصرالله أو من جيب الرئيس برّي يعوض خسارة الفراغ الرئاسي ويؤدي وظيفته. هذا ما يتوقعه المتشائمون ويتخوف منه الكثيرون.