الدكتور فارس سعيد لـ”المدن”: كأنّ عمر العهد تجاوز السنة
إيلي القصيفي /المدن/السبت 26/11/2016
النائب السابق فارس سعيد يراقب إنطلاقة العهد الجديد. لا يهاجم الرئيس ميشال عون، لكنّه يعارض بشدّة التسوية التي أمنت انتخابه مقابل تسمية الرئيس سعد الحريري لتأليف حكومة العهد الأولى. في رسالته السنوية إلى الوزير بيار الجميل في يوم استشهاده يوصّف هذه التسوية كالآتي: “وضعوا الطوائف في حالة مساكنة تحكمها المناكفة، مع رسم حدود فصل واضحة بين طائفة وأخرى. هذه المساكنة تُدخلنا في حربٍ باردة دائمة بين الطوائف حول كل شيء، حتى في نقل موظف فئة رابعة من موقع إلى آخر. وهي قد تنزلق نحو العنف في أيّ لحظة في ظل ظروف المنطقة”. وفي توصيف آخر لهذه التسوية يرى سعيد أنّها حصلت بشروط حزب الله.
كعادته يجهد سعيد، النائب السابق والطبيب السابق والأمين العام السابق لقوى “14 آذار”، كما يقول عن نفسه ممازحاً، في صوغ نظرية سياسية تشرح مواقفه وحركته السياسية. فهو من السياسيين القلائل الذين يكتبون وينظّرون في السياسة ولا يتناولون الأحداث في راهنيتها فحسب بل يحاولون تلمس مآلاتها بربطها بطبيعة التركيبة اللبنانية وديناميات الجماعات الطائفية داخلها وعلاقتها بالنظام السياسي. يصفه بعض أصدقائه بأنه “حيوان سياسي”- “un animal politique”، وهي صفة كانت تطلق على الرئيس الفرنسي الإشتراكي فرنسوا ميتران. أصدقاء آخرون يقولون إنّه يفكّر في السياسة “24 على 24″، وهو المعروف عنه أنّه مبكر الاستيقاظ من النوم، ومبكر أيضاً في إرسال تغريداته الصباحية عبر “توتير”.
على هذا المنوال، كان سعيد صباح الجمعة أول من ردّ على ما نسب إلى الرئيس عون من تصريحات وردت في “السفير” وقد جاء فيها: “هناك 80 في المئة من اللبنانيين رحّبوا بوصولي إلى رئاسة الجمهورية، أما الـ20 في المئة الذين لم يرحّبوا، فهم عبارة عن شبكة مافيوية سنحاربها ونمنعها من الإمساك بمقدرات البلد”. فجاء ردّه كالآتي: “نسبت السفير قولاً للعماد عون، “٢٠٪ ليسوا مع انتخابه وهم مافيا”، أنا لست مع انتخاب عون، ولست مافيوياً إنما فقط مواطن معترض. بداية عهد واعدة. صحّحوا”. ثم ألحق تغريدته هذه بأخرى قال فيها: “اتهام كل من ليس مع العهد بأنه مافيا ينذر بمرحلة بوليسية. رجاءً صححوا الصورة لأنها مرفوضة وخطيرة على لبنان”.
دعوة سعيد العهد الجديد إلى “التصحيح” ليست محصورة بالكلام المنقول عن عون، إنما تستند إلى مراجعة مسيرة العهد خلال الأيام الأولى من عمره، والتي تنتهي إلى أنّ إنطلاقته تعكس تناقضات التسوية الرئاسية داخلياً وخارجياً، إذ “يبدو أن عقدة تأليف الحكومة تجاوزت الحقائب لأنها تتعلق بكثرة وعود العهد والتزاماته بين مشهد استعراض القصير والزيارات الخليجية. حمى الله لبنان”، كما جاء في تغريدة له الأربعاء.
عند مراجعة سعيد للأيام الأولى من عمر العهد تستوقفه الأحداث التالية:
1- إشتباك بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب بعد كلام للأول من بكركي. وسرعان ما دخل على خط هذا الاشتباك المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في ردّه على البطريرك بشارة الراعي. فأن يشتبك التيار الوطني الحر مع حركة أمل أمر، وأن يشتبك رئيس الجمهورية مع رئيس المجلس من منبر بكركي ليطور الاشتباك هذا إلى سجال بين المجلس الشيعي والصرح البطريركي أمر آخر تماماً. لماذا لم ينتبه العماد عون إلى خطورة اشتباك كهذا؟
2- تحويل مقر رئاسة الجمهورية إلى مكان حزبي في مناسبتين (التهنئة الشعبية واستعادة “علم الشعب”) ما يفسح في المجال أمام كل من الرئاستين الأخريين إلى تحويل مقريهما إلى مكان حزبي عند أي مناسبة. فيقيم “المستقبل” مناسبات حزبية في السرايا الحكومية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حركة أمل في البرلمان. هل هذا تصرف سليم من جانب رئيس الجمهورية وفريقه؟
3- حرب إعلامية مسيحية- إسلامية على خلفية نقل وزير التربية الياس بو صعب موظفاً مسلماً من عكار وتعيين موظف مسيحي محلّه، ما أثار حفيظة النائب خالد زهرمان الذي اعترض على قرار الوزير، فاشتعلت وسائل التواصل بين أخذ ورد أخذ طابعاً طائفياً.
4- توقيف كامل أمهز في بداية العهد بعد رفع الغطاء من قبل حزب الله عنه، ليلجأ أقرباؤه إلى قطع الطرق احتجاجاً عل توقيفه في الضاحية والبقاع، معقلي الحزب إياه.
5- استعراض عسكري في القصير السورية قام به حزب الله الذي يدّعي دعم رئيس الجمهورية.
6- استعراض الجاهلية برعاية حزب الله، والذي لا تفسير له سوى أنّ القائمين به يريدون توجيه رسالة إلى العهد الوليد قبل أيام على عرض الاستقلال في بيروت.
7- تعثر تشكيل حكومة العهد الأولى.
8- التحركات المطلبية سواء لاتحاد النقل البري أو لمياومي الكهرباء، وهؤلاء معلوم في أي فلك يدورون.
9- لم ينقض شهر على رئاسة عون وقد بدأ الحديث عمّن سيخلفه: الدكتور سمير جعجع، أو الوزير جبران باسيل أو النائب سليمان فرنجية.
يستعرض سعيد هذه النقاط ويستنتج أن العهد رغم عمره القصير، إلا أن ما تشهده أيامه الأولى من سجالات وأحداث لا ينبئ بإنطلاقة واعدة له، لا بل يترك انطباعاً وكأن عمر العهد الجديد تجاوز السنة. وعليه يجدّد سعيد دعوته العهد إلى “التصحيح”، قبل فوات الآوان.