تعليق لقاسم يوسف على ما نشرته جريدة السفير تحت عنوان “المحرر السياسي”
قاسم يوسف/بيروت اوبزارفر/02 كانون الأول/16
كان يمكن لأي كاتب، معروف أو مغمور، أن يستل قلمه ويمعن قدحًا وذمًا في وفاء ميشال عون وخبث جبران باسيل. كان يُمكن للخصم أن يركن، كعادته، إلى تسريبات منسوبة لمصادر معلومة أو مجهولة بغية توجيه رسائل سياسية من العيار الثقيل. لكن الطبّاخ الماهر أراد أن لا تحمل رسالته هذه أي تأويل أو تفسير يتعارض وغايته. أرادها مباشرة ومدوّية. مجهولة معلومة. تفتح شهية الشك، وتنسف كل أرضية لبناء الثقة أو تعزيزها.
ليس عابرًا أن تنشر صحيفة السفير مقالًا يشبه إلى حد بعيد البيان رقم واحد، بل ويقترب في روحيته وأدبياته وفجاجته من خانة الاغتيال السياسي والمعنوي. وليس عابرًا أن تنسب الصحيفة إعلان الحرب هذا إلى محرر سياسي لا ناقة له فيه ولا جمل. ربما يستفيض البعض في شرح الأسباب الموجبة والاختلاف السياسي الطبيعي في وجهات النظر. ربما يندفع آخر نحو التقليل من الأهمية الاستثنائية لنص يضج بزبدٍ يعوم على بحر من الغضب. لكن ذلك لن يحول دون التركيز على ما يجب التركيز عليه: ماذا يريد نبيه بري؟
في إحدى إطلالاته الإعلامية، عبّر ميشال عون عن رؤيته وطريقة تفاعله مع المتحرك السياسي حال وصوله إلى قصر بعبدا. أشار بدون مواربة إلى قيامة تستند لشراكة تجمعه بالأمين العام لحزب الله وسعد الحريري. يومها ارتعدت فرائص الجميع. راح البعض يتحدث عن مثالثة يعمل الرجل على تكريسها في ظل تغيّرات شاملة لموازين القوى على المستوى الداخلي والإقليمي.
لاحقًا، حرّك فؤاد السنيورة بحنكته الخنجر في خاصرة التطورات. قال في معرض مقارعته لفكرة وصول المسيحي القوي إلى سدة الرئاسة: في هذه الحالة يجب أن يكون سعد الحريري بديلًا من تمام سلام، ومحمد رعد مكان نبيه بري. تراجع وأوضح واعتذر عقب الزلزال الذي أثاره التصريح. لكن وقعه لا يزال حاضرًا. وهو يختصر الأزمة برمتها. وربما لا بد من العودة إلى رد أمين عام حزب الله عليه لندرك الحساسية المفرطة للجرح الذي تعمّد السنيورة إغراقه بملح الدنيا، إن لم نقل أكثر.
يدرك نبيه بري جيدًا أنه يفقد نقاط قوته ومسببات حضوره ورشاقته. النظام السوري بات عاجزًا عن حمايته وحماية دوره في مقارعة إيران ومشاركتها. حزب الله يُكمل طقوس عودته إلى العملية السياسية الداخلية من بابها العريض، لا سيما مع انتقال إيران الفعلي من ضفة الثورة إلى ركب الدبلوماسية والاتفاقيّات والعلاقات السوّية مع العالم. آخر صفعة تلقاها الرجل كانت انتخاب ميشال عون، الذي يبدو وكأنه يتحضّر لعملية التلقين وتوزيع أسرّة الموت.
حزب الله يتابع بصمت. يُصرّ أمينه العام على نفي أي صفقة عقدها مع ميشال عون. يُخاطب نبيه بري بلغة الأخ الأكبر ودولة الرئيس. يستودعه الحل والربط بالتكليف والتشكيل والمناورة. يؤكد مرة تلو أخرى أنهما في مركب واحد، وأن العلاقة بينهما ترقى إلى الأبدية والسرمدية. الثابت أنه يحتوي الرجل ليحضن أهله، فيما لا تبدو الحاجة مُلحة لضرب ميت يُنازع اضمحلاله وتقلص دوره، سيما وأنه الوريث الشرعي والوحيد لشارع برع حافظ الأسد في استخدامه وحياكة خيوطه.
ما كتبه المحرر السياسي يُشكل صافرة الانطلاق الفعلي نحو ما أرادته فرنسا في مؤتمر سان كلو. قريبًا سيعلو الصخب ويستعر الضجيج. سيبتعد حزب الله كليًا عن المشهد. سيردد الحريري طويلًا أنه إلى جانب الرجل ظالمًا كان أو مظلومًا. ستتعرقل الحكومة. سيُتهم ميشال عون وفريقه بكل الموبقات. ستنهال الصفعات المؤلمة في كل حدب وصوب. بعد كل ذلك. نفتح صفحة جديدة، ونطوي صفحة نبيه بري إلى الأبد.