رسالة إلى جبران التويني
رندة تقي الدين/الحياة/13 كانون الأول/16
تركتنا قبل 11 عاماً بعدما فجرت يد الغدر سيارتك، وأنت متوجه من منزلك في بيت مري إلى مكتبك في «دار النهار». وكان والدك رحمه الله الأستاذ غسان العزيز يسمع خبر تفجير موكبك وهو جالس مع زوجته شاديا لمتابعة أخبار لبنان من شقته الباريسية، حيث كان يغيب عن بلده الحبيب لأيام قليلة. اليوم ونحن نحيي ذكرى استشهادك الأليمة، أريد وضعك في صورة ما حدث منذ اغتيالك.
عزيزي جبران، في لبنان ثورة الأرز ماتت. «حزب الله» مهيمن، وهو يملك قرار الحرب والسلام وتشكيل الحكومة وانتخاب الرئيس ووضع قانون الانتخاب وقرار الهدوء أو زعزعة الاستقرار أو قرار فتح البلد للسياحة أو إغلاقه. كل ذلك أصبح بيده مع حليفه الإيراني. والبلد ينتظر كلمة حسن نصرالله ليعرف كيف ستوجه الأمور. أما في سورية فبشار الأسد يحتفل بتدمير حلب ويريد مع حليفه الروسي إفراغها من أهلها وتهجيرهم أو قتلهم، والسيد جون كيري يجري لقاءات عقيمة مع سيرغي لافروف، ويقدم تنازلات يوماً بعد يوم، بعدما سلم رئيسه السيد باراك أوباما سورية والمتوسط إلى روسيا.
إدارات جديدة تستعد لأخذ زمام الأمور في الدول الكبرى. في الولايات المتحدة – صدق أو لا تصدق – انتخب الشعب الأميركي دونالد ترامب رئيساً. الله يعلم ماذا ستكون سياسته في الشرق الأوسط. ويعرف عنه صداقة متينة ببوتين. وفرنسا تستعد لانتخاب رئيس جديد قد يكون من اليمين، إما فرانسوا فيون أو أسوأ مارين لوبن. وفيون خلال حملته الرئاسية أبلغنا بأن في سورية طرفين هما «داعش» وبشار الأسد، وهو يختار الأخير لأنه «سيحمي مسيحيي الشرق». أما لوبن فقالت إنه ينبغي إعادة العلاقة والتحاور مع الأسد. هل يا ترى يعرف فيون أن تفجيرك وتفجير الزميل سمير قصير تم لأنكما كتبتما مقالات لامعة عن استقلال لبنان من سورية، وعن عسكرية وفساد النظام في دمشق؟ وهل تعرف أن خلال السنوات الخمس الماضية قُتل مئات آلاف السوريين لأنهم كانوا في البداية يطالبون بالحرية، كما كنت تشارك في التظاهرات الشبابية مطالباً بخروج الجيش السوري فيما كان والدك يحذرك من التظاهر في ظل الاحتلال؟
طالب الشباب السوري بالحرية وانهالت عليه القنابل والغازات السامة، ثم سارع بعض أبناء بلدك بأمر من الأمين العام لحزبهم وإيران، إلى إنقاذ النظام السوري وقتل أشقائهم السوريين. ودخل الجيش الروسي بقوة وتسلم قاعدة بحرية إلى الأبد في سورية ودمر بقصفه المدن السورية الباسلة وسكانها، وأصبح يصدر بيانات عن التقدم السوري باسم وزارة الدفاع الروسية. أصبحت روسيا يا جبران قوة احتلال في بلد يبعد من بيروت أقل من مئة كيلومتر. ولجأ أكثر من مليون سوري إلى لبنان وملايين إلى الأردن وتركيا. وأدت الحرب في العراق وسورية إلى نشوء إرهاب «داعش» الذي لولا إرهاب النظامين في سورية وفي العراق لما نمت هذه الظاهرة التي ترعب الدنيا.
استخدم بشار الأسد «داعش» ليقول للغرب إن نظامه هو البديل، علماً أنه ارتكب جرائم ومجازر مماثلة لما ارتكبه «داعش»، فهجر الشعب السوري ودمر سورية. وهيمن «حزب الله» في لبنان. وفقد أبناءه في القتال في سورية وحول مقاومته ضد إسرائيل إلى مقاومة ضد شعب شقيق لمصلحة إيران. وغابت السياحة العربية عن لبنان، وبكت فنادقه ومنتجعاته فقدان السياح الخليجيين الذين قاطعوا لبنان بسبب مواقف «حزب الله» والحرب في سورية.
كنت أشاهد ابنتيك الصغيرتين ناديا وغابرييلا مع والدتهما سهام وشقيقتيهما الكبريين نائلة وميشيل في قداس أحياه المتروبوليت عودة أمس في بيروت في ذكراك، وكان عمرهما شهرين أو ثلاثة عندما تم اغتيالك، ولم تفرح بهما، وتساءلت عن أي مستقبل لأطفال هذه المنطقة في ظل العنف والإرهاب والفساد وعدم اليقين؟
وكنت أنظر إلى خالك الوزير السابق الشهيد الحي مروان حمادة وإلى الزميلة مي شدياق وإلى نائلة أرملة الرئيس رينيه معوض زميلك في الاغتيالات وصولانج ونديم بشير الجميل، وأقول في نفسي متى سيتوقف القتل والإرهاب ويحاكم مجرمو المنطقة المستمرون في أعمالهم الإجرامية بحماية أمثالهم في روسيا وإيران؟
ختاماً أقول لك إن أصدقاءك اشتاقوا إليك ولن ينسوا رسالتك التي استشهدت من أجلها رغم كل ما يحدث حولنا.