إعادة ترتيب “الوصاية الثنائية” على لبنان
عبد الوهاب بدرخان/النهار/14 كانون الأول 2016
كل ما كان يقال عن حكومة الرئيس تمام سلام، من ضعف وعجز وتخبّط، بات ينطبق الآن على عموم الدولة، علماً أن تلك الحكومة التي لا تزال تصرّف الأعمال عانت من غياب رئيس للجمهورية واستعصاءٍ لانتخابه، ومن تفاقم الانقسامات وتحوّل جميع وزرائها الى “رؤساء”، وما كان لها أن تتماسك وتستمر رمزاً لما تبقّى من الدولة لولا صبر رئيسها ازاء الاستفزازات والمهاترات اليومية.
مضت ستة أسابيع على فكّ العقدة بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولم يُتَح للبنانيين بعد أن يشعروا بالفارق أو يروه، فالانقسامات نفسها تحول دون إقلاع “عهد” جديد، ما عنى ويعني أن أحداً لم يتعلّم شيئاً من محنة التعطيل والفوضى، بدليل أن الأمين العام لـ “حزب الله” نفى مجدّداً أنه عطّل انتخاب الرئيس عامين ونصف العام، وأنه يعطّل الآن ولادة حكومة الرئيس سعد الحريري.
لكن التبسيط المصطنع في خطابه الأخير لم يعد ينطلي على أحد، فهو يعمل الآن على أن يكون سيف التعطيل مصلتاً على رأس هذه الحكومة من داخلها.
وفي ذلك نهج ترويضي ايراني للرئيس الجديد يتجاوب مع نهج ترويضي سوري، كما لو أن دمشق وطهران تعيدان ترتيب نظام الوصاية على لبنان.
جاء مفتي النظام في مهمة استفزازية مفادها أن اغتيال حلب ليس ايذاناً باستعادة نظام بشار الاسد السيطرة فحسب، بل اشعاراً باستئناف تدخّله في لبنان باعتباره الحلقة الأضعف في محيطه.
وكان لافتاً أن “اعلام الممانعة” اضطر الى الترويج بأن كلام الاسد على الرئيس عون كان عادياً وودّياً، فهذا اعلام يكتفي باستغشام جمهوره.
نعم، كان بعض الكلام عادياً، أما الجانب المفترض أنه “ودّي” فوظّفه الاسد للقول بأنه صاحب الفضل في انتخاب عون رئيساً.
الاسد مستعجل لإظهار أنه حلّ مشكلته الداخلية بقتل نصف مليون شخص وطرد نصف الشعب السوري الى الخارج، ومستعجل لاستعادة “دور اقليمي” كان ولا يزال عنوان “الشرعية” التي يدّعيها، لكنه يتناسى أنه استدعى الروس والايرانيين الذين باتوا يمارسون أدوارهما كإحتلالَين مقيمين.
مع ذلك، ليس مهمّاً ما يقوله الاسد أو “اعلام الممانعة”، المهم ما يريد الرئيس عون أن يفعله.
ولعله سمع كلمات المتروبوليت الياس عوده في قداس الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد جبران تويني: “هذا الوطن، الذي أحبه جبران حتى الموت، يتداعى. لا تدعوا لبنان يضيع في مهبّ السياسات الصغيرة والمصالح الضيقة وتقاسم الحصص وتقسيم الوطن”، وقوله أيضاً: “كنا، مع المواطنين الذين وحدهم يدفعون ثمن كل شيء في هذا الوطن، نأمل أن نشهد ورشة بناء عامة وفي كل الحقول، بعد انتخاب رئيس للبلاد، فإذا بنا أمام معضلة تأليف حكومة”…
ليست صدفة أن تكون العُقَد التي أخّرت هذه الحكومة من صنع أتباع النظامَين السوري والايراني.