حكومة سقوط حلب أسعد بشارة/أي ام ليبانون/14 كانون الأول/16
ربما كان الاجدى بطابخي الحكومة والابرز منهم الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع أن يؤجلا ولادتها كي لا تتزامن مع سقوط حلب أبرز معاقل المعارضة السورية، فهذا التزامن يعيد بالذاكرة الى حكومة جسر الشغور التي شكلها الرئيس نجيب ميقاتي، والتي ولدت مع اندلاع الثورة السورية، فكانت غطاء لـ”حزب الله”، في مرحلة ما قبل دخوله الى سوريا، لتسقط فيما بعد بعدما قرر رئيسها أنّه وعلى الرغم من قبوله بترأس حكومة من دون المكون السني الابرز، لن يستطيع تحمل تبعات تغطية “حزب الله”، الذي دخل داعماً النظام ومانعا سقوطه.
من اكثر المفارقات وضوحاً أن الحكومة المتزامنة ولادتها مع سقوط حلب، ستخاطر بان تلعب دور الغطاء لحزب الله الذي حقق انتصاراً في حلب، كما ستخاطر بأن تفتح أبوابها على تجرع كأس التطبيع مع النظام السوري، سواء بشكل مباشر عبر وزير خارجيتها جبران باسيل والرئيس ميشال عون الذي سيزور السعودية، ويتمم واجباته تجاه الممتنعة بزيارة سوريا ولقاء رئيسها بشار الاسد.
ولعل الابرز في كل ذلك أن خريطة المنتصر في سوريا لن تتسع للكثير من الممانعة التي يستعد تيار المستقبل والقوات اللبنانية كي يمارساها داخل الحكومة وخارجها، وفق حسابات الرهان على أن يلعب الرئيس عون دوراً وسطياً، يؤمن الحد الادنى من التوازن مع حزب الله.
الرهان الكبير على الرئيس عون في هذا المجال، لن يكون سهلاً أو مضموناً، فالمنتصر حدد مسبقاً خريطة الطريق للعهد الجديد، وهذه الخريطة نفذت بحذافيرها في تشكيل الحكومة، فسقطت المطالب المقدسة تباعاً، وبدا ان ما طلبه الحزب لحلفائه تحقق بشكل كامل، سواء بالنسبة لمشاركة الرئيس نبيه بري كشريك ميثاقي في تشكيل الحكومة، او بنيل النائب سليمان فرنجية ما اراده على طبق من دعم حزب الله غير المشروط، وبدا ايضاً أن الجولة الاولى في المغامرة الكبرى (التعبير للرئيس سعد الحريري) كانت مغامرة فعلية، فيما المغامرات المقبلة يبدو أنها ستكون اكثر خطورة، بعد انتصار ايران في حلب، وما سيثتثمر من نتائج في لبنان، خصوصاً في موضوع قانون الانتخاب الذي وضع له الامين العام لحزب الله خريطة طريق هو الاخر، تبدأ من سقف مرتفع يطالب بالنسبية الكاملة، وتنتهي بتفاوض على قانون مختلط سبق للرئيس نبيه بري أن قدم نموذجاً عنه .
تحت سقف حكومة سقوط حلب، يمكن الكلام عن الكثير من الانتصارات والاخفاقات لهذا الطرف أو ذاك، لكن كل ذلك لا يترجم الى وقائع في ظل التغيير الكبير في موازين القوى لمصلحة حزب الله، الذي لن تحد منه بعض الانتصارات الاعلامية التي رافقت ولادة العهد الجديد.
فعلى صعيد حسابات كل طرف، فاز الرئيس سعد الحريري بالعودة الى رئاسة حكومة ستكون قدرته على اتخاذ القرار فيها اقل بكثير من الهامش الذي كان يحتفظ به خارج السلطة، ولقد دلت عملية التشكيل أن الرئيس المكلف لم يعد يملك القدرة على تشكيل الحكومة لا منفرداً ولا بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، حيث اضطر الى ترك جزء كبير من صلاحيات التشكيل، فبات العرف مكرساً، كمثالثة ميثاقية ستطبق بعد الان في كل القضايا الاساسية.
أما القوات اللبنانية فقد اعتبرت نفسها الفائز الأكبر في الحكومة، وتجاوزت مرحلة التفاوض والفيتوات الى مرحلة تعداد المكاسب منذ رحلة ورقة النوايا مع العماد عون. بالنسبة للقوات فإن رحلة عودة التوازن بدأت، ولن يتكرر بعد اليوم مشهد الاقصاء عن المشاركة في السلطة سواء كان ارادياً او قسرياً، ذلك بعد ان تم اختبار العلاقة مع عون بنجاح “فاق كل التوقعات”. أهمية ما حصل بالنسبة للقوات ليس نجاح حزب الله بتطبيق الفيتو المتكرر على الوزارة السيادية والاشغال، بل نجاح القوات في محاصرة من اراد حصارها، عبر المشاركة في الحكومة بأربع حقائب اساسية ونيل موقع رئاسة مجلس الوزراء، وهو اعتراف بالحجم والدور، وبصحة التحالف مع التيار الوطني، خلافاً لكل ما نسج من توقعات متشائمة حول صحة هذا التحالف ومردوديته.
تجاوزاً لكل هذه الحسابات، التي تترجم على شكل سباق على تظهير من انتصر ومن هزم، لن يحجب ما جرى في حلب، وقائع آتية ومتغيرة في لبنان، عنوانها استعادة مرحلة ما قبل العام 2005 ، وفي حين تراهن القوى التي ايديت انتخاب العماد عون رئيساً، على تشكيل هذا التوازن بوجه حزب الله بمساعدة من المملكة العربية السعودية التي فتحت كل الأقنية بينها وبين رئيس الجمهورية، فإن ميزان القوى الذي اختل بعد 7 ايار 2008 ، والذي زاد اختلالاً لا يسمح لهذه الحسابات المتفائلة أن تتحول الى حقيقة، ولا يمكن بالتالي الرهان على قدرة احداث توازن لم تعد قائمة بعد تسليم الكثير من اوراق القوة، كما لا يمكن الرهان على عدم قدرة “حزب الله” على ترجمة تقدمه في سوريا على شكل انجازات سياسية في لبنان.