هل يُعيدُها الحريري: خذوا الأمن وهاتوا الإقتصاد؟
طوني عيسى/جريدة الجمهورية/الأربعاء 04 كانون الثاني 2017
أعاد الحريري «ضبط» «المستقبل» وقواعده وكوادره
عندما يعود الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي الكبير، ويمسك بتيار «المستقبل» مجدداً، وبالزعامة السنّية الأولى، يمكن القول إنّ هناك مساراً قد بدأه على الأقل في اتجاه استعادة الحضور الحريريّ المفقود. ولكن هل سيحقّق الحريري الهدف الأعمق، أي استعادة الحريرية السياسية، بما تعنيه على مستوى توازنات القوى في الداخل اللبناني؟ عندما غادر الحريري لبنان، في ربيع 2011، مباشرة بعد مشهديةٍ خلع فيها الجاكيت والكرافات معلناً التحدّي أمام الجماهير في ساحة الشهداء، قال البعض: «إنه الاغتيال الثاني للحريرية السياسية بعد الاغتيال الأول لمؤسسها في 14 شباط 2005».
السنوات الخمس الأخيرة كانت عجافاً للحريري على مستويات كثيرة، يعرفها الجميع، سواءٌ في بيروت أو حيث كان يتنقل بين الرياض وباريس وسواهما. وبعودته اليوم، هو ينهي وضعاً صعباً يعيشه أو يخفّف من صعوبته على الأقل. اللافت هو أنّ الحريري العائد إلى السراي وضَعَ نقطةً وعاد إلى السطر. فخطابُه الأخير، قبل خروجه من لبنان،كان وعداً باستمرار المواجهة مع السلاح غير الشرعي. ولكنه، بعدما كتبَ بكثير من المرارة سِفرَ الخروج، عاد بخطابٍ يتجاوز تماماً هذا السلاح، حتى في البيان الوزاري لحكومة يرئسها، وترك للمحكمة الدولية أن تتحرّك بمواكبة التاريخ!
أدرك الحريري أنّ ما من حكمة في أن «يربح العالم كلَّه ويخسر نفسه». لذلك، هو سلك الخيارات التي تجعله في الدرجة الأولى رابحاً لنفسه. فبعد ذلك يصبح ممكناً أن يربح العالم كما كان يربحه والده الرئيس رفيق الحريري.
لم يكن الرئيس سعد الحريري متشدِّداً في مواقفه السياسية في أيّ يوم، وقلائل الذين يضاهونه في الاعتدال والانفتاح، على رغم الجرح العميق الذي خلَّفه اغتيال والده والظروف التي دفعته إلى الوراثة القسرية للحريرية السياسية. وليس أدلّ الى ذلك من مغامرته بالذهاب إلى عقر دار الرئيس بشّار الأسد.
واليوم، يأتي «الحريري الجديد» إلى السراي، الأكثر انفتاحاً واعتدالاً وليونة. فالمرحلة لا تتحمّل سوى «هذا» الحريري. وهو يدرك ذلك، ويتحمّل مسؤوليته، ويقول القريبون منه إنه على قدر هذه المسؤولية.
هناك مستويان من الأهداف ينتظران الحريري: المستوى القريب المباشر والمستوى الأبعد الأعمق.
1 ـ على المستوى المباشر، أعاد الحريري «ضبط» «المستقبل» وقواعده وكوادره وأنهى التنافس بين البعض على «التركة الحريرية». وهذا الأمر تحقّق بنسبة عالية.
وعاد الحريري شريكاً في مركز صنع القرار في السراي، وهو في ذلك قادر على المشاركة في صوغ قانون الانتخاب والموازنة والملفات الكبرى كالنفط والاتصالات والكهرباء، وفي التعيينات. وهذا الأمر يتحقّق تدريجاً وبنسب متفاوتة.
2 ـ على المستوى الأبعد الأعمق، سيكون التحدّي هو استعادة الحريرية السياسية، بما هي مضمونٌ سياسي ـ اقتصادي شكَّل توازناً في مرحلة سابقة مع المضمون السياسي ـ الأمني الذي مثّلته سوريا في لبنان.
اليوم، أدرك الحريري والمحور العربي الحليف أنّ الأسد باقٍ في موقعه، بدعم إقليمي ودولي، على الأقل على دمشق وسائر سوريا المفيدة، وأنّ حلفاء هذا المحور في لبنان، ولا سيما منهم «حزب الله»، يبدون أكثر إمساكاً بالقرار الداخلي. فهل هو طامح إلى استعادة تجربة الحريرية السياسية السابقة، وهل تسمح له الظروف بذلك؟ «الصفقة الرئاسية» التي جاءت بالحريري إلى لبنان أتاحت انتصارات نوعية غير متوقعة له ولقوى أخرى، مسيحية خصوصاً:
ـ عون الذي أنهى «تراجيديا» شخصية عمرها 30 عاماً بوصوله إلى رئاسة الجمهورية.
ـ «القوات اللبنانية» التي دخلت الحكومة للمرة الأولى بهذه القوة، وبمقدار من التغطية المسيحية وغير المسيحية.
وربما اضطر «الحزب» إلى السير بتسويةٍ أحرجه فيها حليفه المسيحي عندما جاء إليه حاملاً صكّ التبنّي من الدكتور سمير جعجع والحريري لانتخابه رئيساً للجمهورية. لكنّ «الحزب»، مطمئنّ إلى أنّ التسوية، وإن لم تكن مثالية له، مقبولة وتنطوي على إيجابيات يمكن استثمارها.
ففي أيّ حال، سيبقى موقع «الحزب» القوي محفوظاً في المعادلة الداخلية، أيّاً كانت الاتجاهات التي ستسلكها.
فهو يمسك بكلّ المفاصل، من قانون الانتخاب إلى التفاصيل الأخرى الصغيرة والكبيرة. ولذلك هو مشى بالتسوية، تاركاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري «تصحيح التوازنات» بعد انتخاب عون، وهذا ما حصل. لذلك، يدرك الحريري أن لا خيار أمامه سوى اعتلاء درجات السلَّم لبلوغ الهدف الأساس، أي تثبيت الزعامة السياسية. ولكن، هل في الأفق مجال لاستعادة الحريرية السياسية؟ وفي عبارة أخرى، هل في مقدور الحريري أن يبرم صفقة مع «حزب الله» مبنية على مقايضة: الأمن مقابل الاقتصاد، أي وفق المعادلة التي قامت بين الرئيس رفيق الحريري ودمشق؟ المطّلعون يقولون: «لا ظروف سعد الحريري ولا طاقاته هي ظروف رفيق الحريري وطاقاته، ولا تموضع «حزب الله» داخلياً هو تموضع الأسد. وأما احتمال انفتاح الحريري على الأسد، بوساطة «حزب الله»، فذلك أمر آخر، ولكلّ حادث حديث.