ماذا يريد حزب الله من الانتخابات؟
إيلي القصيفي/المدن/الخميس 02/02/2017
مقاربة المداولات والتجاذبات السياسية بشأن القانون الانتخابي- لا شيء حتى الآن يضمن إبصاره النور- كجزء من مسارات التسوية الرئاسية التي أمنت حتى الساعة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، تساعد في فهم الوظيفة السياسية لهذا القانون، وبالتالي فهم المناحي التي يأخذها الجدال السياسي بشأنه.
أي جهدٍ لفهم ما يحصل في خصوص قانون الانتخاب لا يأخذ في الحسبان التسوية الرئاسية ونتائجها السياسية هو جهدٌ في غير محلّه ولن يصل إلى محل. فمنذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية والعين على الانتخابات التشريعية المقبلة لأنها ستحدّد أحجام القوى السياسية في البلد، وبالتالي التوازنات الجديدة التي ستحكم اللعبة السياسية، أقلّه لمدة أربع سنوات. حتّى أنّ التجاذبات والمناكفات بين القوى خلال عملية تأليف الحكومة كانت محطّة تمهيدية للتحضير لهذه الانتخابات ولم تكن الحصص الوزارية بحد ذاتها هدفاً للقوى السياسية.
كذلك فإنّ أي مقاربة للانتخابات المقبلة بمعزل عن الانتخابات السابقة في العام 2009 هي مقاربة ناقصة وتُبقي صاحبها بعيداً من تلمّس الوظيفة السياسية للعملية الانتخابية العتيدة. إذ إنّ الانتخابات المقبلة ستكون في جزء أساسي منها ردّا على نتائج الانتخابات الماضية وإن لم تمارس الأكثرية النيابية وقتها أكثريتها بفعل الواقع السياسي والأمني الذي كان قد نشأ في البلد وترسّخ بعد أحداث 7 أيار الشهيرة. هذه المرّة لن يسمح حزب الله بأن يُغلب في الانتخابات كما في المرات السابقة، حتى ولو كانت لديه القدرة على تعطيل مفاعيل أي غلبة نيابية ضدّه، طالما أنّ قدرته على تعطيل إي غلبة مماثلة لا تعني أنّه لم يخسر وأنّه فشل في تحقيق النتيجة السياسية التي توافق حجمه محلياً وإقليمياً. في هذا السياق، من المفيد التذكير بالنظرية التي خرج بها السيد حسن نصرالله عقب الانتخابات التشريعية والتي تحدث فيها عن أكثرية شعبية لمصلحته وحلفائه مقابل أكثرية نيابية لخصومه، وهي نظرية أخذ بها لاحقاً التيار الوطني الحر. فهذه النظرية ليست في النهاية سوى تشكيك بنتائج هذه الانتخابات وتعبير مضمر عن الخسارة السياسية التي مني بها الحزب وحلفاؤه بعدما كانت موازين القوى محلياً وخارجياً تميل لمصلحتهم.
هذه المرّة لا يريد الحزب أن يجد نفسه مجدداً أمام برلمان “غير مضمون” بأكثريته النيابية وتوازناته. وهذه مهمّة معقدّة ولن يكون من السهل على الحزب تأمينها والفوز بها في ظلّ خريطة التحالفات المعقدّة في ظلال التسوية الرئاسية وإثر تداعي الاصطفافات القديمة التي جرت على أساسها انتخابات العام 2009.
إصرار الحزب هذا ليس بلا تأثير على المداولات بشأن القانون الانتخابي، ما دامت هذه المداولات محكومة بآجال غالباً ما تكون سياسية لا دستورية كما يشاع. بمعنى أنّ موعد الانتخابات هو بحد ذاته معطى سياسي يتقدّم أحياناً على معطى القانون الذي على أساسه ستجري هذه الانتخابات. هذا ما حصل في العام 2005 عندما وضعت قوى 14 آذار الخارجة من انتصار مدوٍ في الشارع اجراء الانتخابات أولوية سياسية لها، مخافة أن تؤدي المماطلة في اجرائها إلى فقدانها الزخم الذي أمدّها به الشارع واستجلب لها تالياً اهتماماً دولياً وإقليمياً غير مسبوق. هل ستكون هذه حال حزب الله هذه المرّة؟ أي هل يمنع الحزب “مغط” موعد الانتخاب إلى آجال مفتوحة بغية وضع قانون انتخابي جديد، وذلك في ظلّ المتغيرات المتسارعة في الإقليم والعالم- ولاسيما مع بدء “عصر ترامب”- باعتبار أنّ ما هو مضمون اليوم قد لا يكون كذلك غداً؟
هذا سؤال لا يمكن إغفاله، خصوصاً أنّ التسوية الرئاسية سواء لجهة انتخاب عون أو التركيبة الحكومية تظهر الحزب المنتصر الأول فيها. بالتالي، هو لن يدع الاستحقاق الانتخابي المقبل يخرج عن هذا السياق الذي يصب في مصلحته ومصلحة حليفته طهران. وهذا يعني أن المفاوضات بشأن القانون الانتخابي تجري تحت هذا السقف السياسي طالما الحزب في وضعه الانتصاري الحالي.. لا شك في أنّ القوى المسيحية- بما في ذلك حليف الحزب التيار الوطني الحر- تضغط على هذا السقف تحت عنوان تصحيح التمثيل النيابي للمسيحيين، لكن الحزب سيحاول استيعاب هذا الضغط وإدارته ودوزنته وفق أولوياته السياسية التي تتجاوز لبنان بطبيعة الحال.. وهذا ما يجب رصده في المداولات لوضع القانون الانتخابي وما يجب الانتباه إليه في حديث السيّد نصرالله المرتقب!