واقعية لبنانية مستفزة
الدكتورة/رندا ماروني/03 شباط/17
نشهد منذ فترة تحول على مستوى التعاطي السياسي من قبل بعض أحزاب 14 آذار تحت عنوان ما يسمى بالواقعية السياسية، وقد سقطت هذه الواقعية السياسية الغير علمية المستجدة على المعايير العلمية التي تتشكل منها هذه النظرية، كما سقطت على الفكر السياسي اللبناني كالصاعقة التي قلبت المشهد رأسا على عقب، بحجة احتيالية مدوزنة، مسوقة للرأي العام على أنها حتمية علمية حتى بتنا نصورها بالواقعية اللبنانية المستفزة، فيما مجموعة من القضايا مركونة على الرف وغير منجزة.
وقد سجل هذا التحول الاحتيالي على مستويين:
أولا: في تغيير النظرة حول الأولويات، والتعاطي مع القضايا السيادية بطريقة مغايرة، والالتفاف حولها، وركنها على الرف إلى أجل غير مسمى.
وثانيا: التحول الاحتيالي على مستوى التعاطي مع تحالفات الأمس، وتشمل هذه التحالفات بالدرجة الأولى القاعدة الشعبية العريضة التي نزلت إلى الساحات بأهداف محددة، وائتمنت البعض على هذه الأهداف. تجلى هذا التحول الاحتيالي من خلال العمل على فرض قانون انتخابي مسخ يحكم السيطرة على المجتمع بواسطة بعض الأحزاب المهيمنة.
وإذا كانت الحجة الواقعية قد عملت على تبرير التحول في الأولويات السيادية بجهد جهيد بحجة تسيير شؤون الدولة، فكيف هي نفسها تستطيع تبرير الممارسات الإقصائية؟ وكيف تستطيع تبرير هذا التحول من الفكر المدافع عن إحياء الدولة الحديثة إلى المستشرس لإحكام القبضة المتسلطة؟
لقد تم الترويج لهذه السياسات وتسويقها للرأي العام بحجة التعاطي مع الأمور بواقعية، وفي الإطار المتمحور حول الواقعية السياسية كبديل عن السياسات السابقة، وكل التصرفات المغايرة للنمط السابق أُلحقت تحت مندرجات هذه الواقعية، وكأنها مارد متمرد خرج فجأة من القمقم ليعبث مخرباً، أو فكرة شيطانية طرأت فجأة على عقل مفكر معروف برجاحته فحولت وجهة تحليله.
فبعد جهد جهيد من التمحيص والتفكير العميق والمواقف المبدئية المثالية، تفلتت الإنضباطات وتطايرت المبادئ، وتشرذمت المعايير، وكيف لا، ففكرة مستجدة طرأت، لم يكن ليفكر بها راجح الفكر وحده، بل كان بحاجة لفكرة طارئة على مستوى التحليل تصله من عبقري!
ولقد كان العراب لهذا التحول يجهد ذهاباً وإياباً بين الأطراف حتى رست اللعبة على ما يدور في رأسه.
لقد انتصر، واستطاع أن يحول التفكير المقاوم وتاريخ طويل من النضال إلى خبر كان.
إنه لعبقري يغزو العقول يتلاعب بها، ويفرغها، ثم يشحنها ثانية بما يريد، لقد استطاع قلب التاريخ وتحويله.
هل يتمتع بقدرة فائقة تفوق التضحيات المبذولة على مذبح القضية اللبنانية الهادفة لبناء دولة؟
هل هو العبقري! أم من تولى نيابة عن الناس في الدفاع عن الحقوق هو الضعيف وليس بالمستوى المنتظر؟
لقد استخدمت الحجة الواقعية للانقلاب على كل المعايير السابقة، ولقد نُسبت لهذه النظرية ما ليس فيها.
فالنظرية الواقعية هي مدرسة نظرية مختصة في التعاطي بين الدول، أو بتعبير آخر هي مدرسة نظرية في العلاقات الدولية، تعود جذورها الفكرية ل Thomas Hobes ، وMicheavel، كنهج للعلاقات الدولية التي تتحكم بها المصالح المتناقضة، حيث تعنى هذه النظرية في الأساس بتحليل السياسات الدولية أو السياسات الخارجية للدول، ولقد أرسى هانز مورغنت أو في كتابه السياسة بين الأمم أهم مقولات ومفاهيم الواقعية.
وبالرغم من جذور هذه المدرسة التاريخية إلا أن نشأتها حديثة نسبيا، حيث ترجع للفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فتحول الاهتمام في دراسة العلاقات الدولية من الإطار القانوني إلى الإطار الواقعي وما يحمله من مصالح متناقضة، وأتت ردا على المدرسة المثالية التي سادت مفاهيمها بعد الحرب العالمية الأولى لتحليل السياسات الواجب إتباعها في إطار السعي لتوافق السياسات الخارجية مع المبادئ الأخلاقية، والعمل على الحد من الصراعات من خلال اعتماد الوساطات والمفاوضات والتحكيم الدولي.
إذا الواقعية السياسية وما تعتمده من مفاهيم ترتكز على القوة، أي قوة الدولة، والمصلحة، أي مصلحة الدولة والعقلانية، أي عقلانية الدولة في رسم بعض السياسات الخارجية التي تتوافق مع مصالحها، كما ترى هذه المدرسة في إطار السياسات الخارجية واقع من الفوضى، ولا تُعطي أهمية لدور المنظمات الدولية وتحاول الاعتماد على ذاتها ومقوماتها في الدرجة الأولى.
كل هذه المفاهيم التي تُفسر المدرسة الواقعية، ما شأنها في كل ما ينسب لها كارتكاز وحجة في التحولات والانقلابات الفكرية لدى البعض؟ وأين مكانها في السياسة الداخلية اللبنانية؟ إلا إذا اعتبرت كل فئة، أو بالأحرى كل جزء من فئة نفسها كيان قائم بحد ذاته يسعى لفرض مفاهيمه وسيطرته على المجموع، هذا ما يعدنا به جهابزطة الواقعية السياسية، أو بالأحرى الواقعية اللبنانية المستفزة، أي جعل الداخل اللبناني مسرحاً وقتيا للصراعات، لا قانون فيه إلا نظرياً، والدوام والسيطرة للأقوى، على غرار الأنظمة القابضة.
فمن بعد رفع شعار الدولة وإعلاء شأنها، حيث تسلموا سدة المسؤولية على هذا الأساس، فإذا بهم ينقلبون على الناس وعلى مفهوم الدولة ويحصنون أنفسهم ومراكزهم ويمعنون في تجاوزاتهم، ويعملون على اختلاق قوانين سالبة لإرادة المواطنين، ومجردة لهم من حقهم في تقرير مصيرهم، ومن حقهم في تغيير السياسات، وفي محاسبة الفساد والمفسدين وينقضون عمليا مبادئهم المعلنة وينصهرون في مشروع معاكس.
وعلى هذا الأساس الواقعي المفبرك، المسيرة عكسية، ليست باتجاه الدولة الحديثة، المبنية على أسس دستورية متينة، تستمد مبادئها من الشرعة العالمية لحقوق الإنسان وإعلاء شأن المواطن، إنما باتجاه المزيد من التخلف واللادولة، المبنية على إحكام السيطرة وجنون العظمة لدى البعض، وعلى حد قول العبقري، القرار لي والغنم لا يقرر، ودمتم في دولة السعادة.
عبث في القضية
في حجة الواقعية
إنه جهل طاغ
بل عصر الجاهلية
أحالة مقصودة
أو عقول كارثية
في الحالتين معا
تزوير نظرية
واستخدام في غير مكانه
في قضايا داخلية
والنتيجة مستفزة
والمضامين تفجيرية
غزو العقول بها
سوقوها بروية
بسلاسة مراوغ
يدعي التقية
ثم رفعوا السقوف
بلهجة فوقية
وقالوا إخرسوا أنتم
بنبرة قطعية
نخطو الخطوات
لكم التبعية
نستبيح المحرمات
ندعي الناسكية
نشكل اللجان
ثنائية رباعية
نسير إلى الدولة
بخطوات عكسية
نعبث في القضية
ونقول واقعية!!