من الأرشيف/رواية مجلة الشـراع عن صفقة الأسلحة الامريكية لإيران التي عرفت باسم: ايران-غيت IRAN GATE
نشرت في العدد 242/بتاريخ 03 تشرين ثاني 1986
بقلم حسن صبرا
أوقفت الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988
أدى نشرها الى امتناع أميركا عن متابعة تزويد ايران بالحرب، فخسرت الحرب
كان نشرها سببا لمنع أميركا من ضرب نظام حافظ الأسد بعد كشف محاولة نسف طائرة العال الصهيونية في مطار هيثرو في لندن والتي تورط فيها اللواء السوري محمد الخولي
بعد نشرها اختارت صحيفة اللوموند الفرنسية الزميل حســن صبرا صحافي العام 1986
بين منطق الدولة ومنطق الثورة هذا ما جرى في طهران / بقلم حسن صبرا
*هل صحيح ان ماكفرلين زار طهران سراً؟ وماذا فعل؟
*من الذي دبّر حادث خطف القائم بالأعمال السوري في طهران، ومن الذي كان يريد تهريب السلاح الى السعودية؟
*دافع منتظري عن هاشمي لأنه يمثل منطق الثورة واشتكاه رفسنجاني لأنه يخالف منطق الدولة
ايران – اميركا
ماذا جرى في طهران خلال الشهرين الماضيين؟ وهل هو في إطار الصراع على السلطة، كما هو الحال في كل أنظمة الحكم في العالم. وهل حسم الأمر بإزاحة أحد طرفي الصراع، وتحول بين ليلة وضحاها من شارك في السلطة والقرار الى خائن يستحق الإعدام، كما يجري عادة في مثل هذه الحالات؟
((الشراع)) التي تعتبر نفسها على مقربة مما جرى ويجري داخل ايران، ومعنية بكل أحداثه منذ انتصار الثورة في شباط/ فبراير 1979، وعلى معرفة بدقائق الأمور بدءاً من بيت خليفة الإمام الشيخ حسين علي منتظري منذ إعادة افتتاح الدار الكبيرة في قم أمام كل المواطنين بعد خروج راعيها من سجون الشاه، واتخاذ ابن الدار الشيخ محمد منتظري (ابو احمد) من غرفته الصغيرة المطلة على صحن الدار مقراً لتصدير الثورة الى العالم بادئاً بمعركة مفتوحة مع كل الذين اعتبرهم متسلطين على الثورة..
حتى لو كانوا في أعلى مراكز الدولة بعد انتصار الإمام الخميني.
((الشراع)) تسلط الضوء على ما جرى في طهران، داعية الجميع خاصة في ايران الى شرح وافٍ لما جرى من دون خوف لا مبرر له، ومن دون اتهامات لا جدوى منها، ومن دون مواقف لا يمكن لها، ان تساهم في تسوية الأمور، مهما كانت قوة الذين ما زالوا في السلطة.. فالمطلوب الإتعاظ مما حصل خارجاً من السلطات التي تأكل أبناءها، ثم تتعرض هي نفسها للضياع تحت ضربات الآخرين.
القصة والبداية
قبل ان تنشر وكالة الأنباء الايرانية خبرها عن اعتقال السيد مهدي الهاشمي بتهمة حيازة أسلحة وجوازات سفر مزورة، كان قد مضى على الحادثة اكثر من شهر كوقائع وأحداث، ظلت طي الكتمان، لم يكشف منها، وربما لن يكشف، إلا ما يساعد على تأكيد التهمة على الرجل الذي كان الى وقت قريب صلة الوصل لمعظم حركات التحرر في العالم مع طهران.
فمن هو الهاشمي، وما هي قصته؟
السيد مهدي الهاشمي من مواليد بلدة نجف اباد عام 1946، وهي البلدة ذاتها التي شهدت ميلاد الشيخ حسين علي منتظري وابنه الشيخ محمد.. ولا تقتصر القربى بين الهاشمي ومنتظري على قربـى مكان الميلاد، بل تتعداها الى قربـى الفكر والتصور لاستمرار الثورة ومسارها.
فالهاشمي من أشد أنصار دعوة الشيخ محمد منتظري (رحمه الله) لتصدير الثورة في العالم، حتى انه لقب (اي منتظري) مع أيام الثورة الأولى بإسم ((تروتسكي الثورة الايرانية)) والبعض أسماه ((الشيخ الأحمر))، لكنه في جميع الحالات كان في نظر عارفيه ومؤيديه ضمير الثورة الذي لا ينام.
والهاشمي متأثر الى أبعد حد بحركة منتظري الإبن السياسية والثورية، وهاجس الثورة لم يعشه بعد انتصارها كما يعيشها البعض هذه الايام، بل رافقها منذ كانت سلطة الشاه في عز سطوتها، حتى أنه اعتقل مرات عدة في عهده، وووجه ثلاث مرات بتهم تودي به الى الاعدام، دون وجود اي وثيقة تثبت ذلك، مما كان يدفع السلطة في نهاية الامر الى إطلاق سراحه. مع انتصار الثورة كتب مع الشيخ محمد أول بيان يندد بأسلوب آية الله بهشتي في التعاطي مع الثوريين في الحزب الجمهوري الاسلامي، ومثله فعل بعد ذلك مع رئيس الجمهورية ابو الحسن بني صدر، وفي الحالتين كان بهشتي مثل بني صدر في قمة سلطتيهما، لكن منتظري والهاشمي لم يترددا في توجيه أقسى التهم اليهما، كاتبين التصورات والتقارير والآراء عنهما للإمام الخميني ذاته.. وفي احداها وصف الهاشمي الحزب الجمهوري الاسلامي الذي أسسه بشكل مباشر بهشتي ورفسنجاني، بأنه حزب البعث الايراني راستاخيز، الذي أسسه الشاه قبل سقوطه بعدة سنوات.
ورغم ان منتظري كان من أشد المتحمسين لنشأة هذا الحزب بعد شهر واحد فقط من انتصار الثورة اي في شهر آذار/ مارس 1979، وكان يدعو الحركات الاسلامية خارج طهران للإنضمام اليه، إلا انه سرعان ما اصطدم بعنف مع آية الله بهشتي، أقوى رجل في ايران بعد الإمام الخميني حتى مصرعه عام 1981. وأصدر ضده بيانات عنيفة عرضت موقف والده الشيخ حسين للحرج الشديد، مما دفعه في شهر حزيران/ يونيو 1979 الى إصدار بيان موجه للصحف يعترض فيه على مواقف ابنه، موضحاً ان هذه المواقف هي تهيؤات وتخيلات تصيبه نتيجة ما تعرض له أيام الشاه من تعذيب وضرب.. وهكذا ضحّى الشيخ منتظري بسمعة ولده، حتى لا يصيب علاقاته مع قيادات الثورة بأي شرخ.
وعندما أنشأ الشيخ منتظري منظمة ((ساتجا)) التي تدعو لدعم حركات التحرر الاسلامية في العالم عام 1979، كان الهاشمي هو الساعد الأيمن للشيخ محمد. واستطاع من خلالها الاقتراب اكثر من هذه الحركات، والتعرف اليها وتكوين علاقات عميقة معها.
وعندما أجهضت هذه المنظمة، بسبب تعارضها مع منطق الدولة في ايران التي بدأت الاستقرار بعد النشأة الصعبة، تحول الى الحرس الثوري الذي تحول من مهمة إسقاط الشاه الى حماية الثورة، وكان لمنتظري في قيادته أنصار كثيرون، على رأسهم ((ابو شريف)) الذي كان يقود العمليات العسكرية في الحرس، الى جانب الهاشمي الذي كان مسؤولاً عن علاقات الحرس مع حركات التحرير في العالم.
ومع ان منتظري استشهد عام 1981 على طاولة واحدة مع آية الله بهشتي، في انفجار المقر الرئيسي لحزب جمهوري اسلامي، في عبوة ضخمة وضعتها جماعة ((مجاهدي خلق))، إلا ان الهاشمي أكمل دوره داخل الحرس الثوري من خلال عضويته في اللجنة المركزية، المسؤول عن مكتب حركات التحرير للحرس، مع تصاعد دوره الضخم في كل مجالات الحياة في طهران اثر تصاعد الحرب مع العراق منذ ايلول/ سبتمبر 1980.
ومن الطبيعي ان يمارس الهاشمي دوره داخل الحرس، كما يفهم ويريد، اي في اطار الثورة الدائمة، مما كان يعرضه دائماً لصدام مع منطق آخر في الحرس كان يأخذ دوره بقوة يوماً بعد يوم، ويمكن اعتباره كما يحلو للبعض ان يقول انه منطق الدولة المستقرة، وكان من ابرز رموز هذا المنطق عضوا اللجنة المركزية في الحرس رفيق دوست ومحسن رضائي وقبل ان يتوليا مهمتي قيادة ووزارة الحرس الثوري فيما بعد.
الصراع بين المنطقين حسمه الإمام الخميني عام 1984 بتحويل مهمة حركات التحرر الى هيئتين اخريين خارج الحرس الثوري، هما وزارة الخارجية بعد ان تولاها علي اكبر ولايتي، ووزارة الاستخبارات التي تولاها الشيخ محمد ريشهري، وهو شخصية قوية وذو بأس شديد.
وكان هذا يعني عملياً تقليص مهمات الهاشمي وتحويل دوره من هيئة ثورية كما يعتقد، الى هيئة حكومية وأمنية، اي وزارتي الخارجية والاستخبارات، ولأن منطقه لا يتلاءم مع منطق هاتين الهيئتين فقد خرج من الحرس الثوري إرادياً وتحول الى قم ليقوم بدور آخر، منسجم مع تطلعاته وأسلوبه.
في قم تحرك في إطار التعليم الديني، من خلال المدارس الست التي أنشأها الشيخ حسين علي منتظري والتي تضم اكثر من ألف طالب علم معظمهم من ايران.. مع عدد قليل من الطلبة اللبنانيين والعراقيين والباكستانيين والافغان وعرب آخرين.
وتحرك الهاشمي ايضاً في الاطار السياسي من خلال تعبئة المقاتلين على جبهات القتال.
اما في المجال الميداني الخارجي، فإن الشيخ حسين علي منتظري لم يتردد في دعم الهاشمي وهو ينشىء مرة اخرى مكتباً لدعم حركات التحرر في العالم، مستفيداً من دعم الشيخ منتظري نفسه السياسي والمادي، ومن خلال التبرعات والحق الشرعي الذي كان يصل للمكتب من مريدي منتظري وتجار طهران والمدن الايرانية الاخرى خاصة في اصفهان..
وتوقفت صلات المكتب مرة اخرى مع حركات التحرر الاسلامية في العالم، وفضل كثيرون من قياداتها اسلوب التعاون مع هذا المكتب لأنهم تصوروه مدعوماً من الشيخ منتظري، الرجل الذي لا يهتم كثيراً لأسلوب العلاقات السياسية والدبلوماسية التي تحرص عليها وزارة الخارجية الايرانية، والتي كثيراً ما كان هذا الحرص يتم على حساب حركات التحرير هذه.. كما كانت تعتقد.
وطالت صلات المكتب حركات لم تكن ايران الدولة راضية عن التعامل معها، خاصة في افغانستان، التي خرجت منها حركات ثورية ترفض التعاون مع باكستان، ولا تمد ايران لها اي يد للمساعدة.. لكن هذا المكتب احتضنها..
وقبل ان تستفحل الأمور، تدخلت السلطة بشخص وزيري الخارجية والاستخبارات علي اكبر ولايتي والشيخ محمد ريشهري وبتوجيه من الرجل القوي في طهران رئيس مجلس الشورى علي اكبر هاشمي رفسنجاني مع الشيخ منتظري، مرات عدة لوقف تحركات المكتب برئاسة الهاشمي، إلا ان منتظري كان يقول دائماً: ان المكتب تحت رعايتي، وفلسفته مختلفة عن فلسفتكم، أنتم دولة ولكم علاقاتكم يجب ان تحافظوا عليها، وهو ثورة وله علاقاته التي يجب ان يحافظ عليها.
وكثيراً ما تدخل رئيس مجلس الشورى الشيخ رفسنجاني مع الهاشمي لإقناعه بالتخلي عن موقعه واختيار اي عاصمة عالمية ليكون سفيراً لطهران فيها.. ولكن دون جدوى.. فلا الرجل يريد، ولا هو يستطيع ان يكون سفيراً.
ولأن التناقضات زادت بين الفهمين، كان لا بد من حسمها.. فكيف تم هذا؟.
وجهتا نظر
هنا يهم ((الشراع)) ان تعرض وجهتي النظر السياسيتين اللتين يحتمي خلفهما موقف كل منهما.. دون تبن لأيهما، فماذا تقول وجهة نظر الدولة اذا صح التعبير؟
الدولة او المدافعون عن قرار اعتقال الهاشمي تقول ان السيد المعتقل يعرض علاقات الدولة بتصرفاته وسلوكه للخطر، بما لا يتوافق مع مصلحتها، وتورد الدولة دلالة على وجهة نظرها هذه بواقعتين:
1- الواقعة الاولى: هي عملية نقل سلاح الى المملكة العربية السعودية، عبر طائرة مدنية كانت تنقل حجاجاً في موسم الحج الماضي، مما ادى الى توتر في العلاقات بين ايران والمملكة، وتدلل الدولة على صدق روايتها بالقول ان الطائرة انتقلت من اصفهان معقل تحرك الهاشمي وقبله منتظري الابن، وهي المدينة التي حملت عدداً كبيراً من الحجاج المؤيدين للهاشمي ومواقفه.
2- الواقعة الثانية: هي عملية خطف القائم بالأعمال السوري في طهران اياد المحمود، والتي تقول الدولة ان الهاشمي وجماعته هم الذين خطفوه ولحساب خصوم سورية في المنطقة، وعلى رأسهم ياسر عرفات.
ولأن التهمة هذه المرة تتجاوز الخلاف النظري الى التورط العملي في ما يسيء الى العلاقات مع المملكة العربية السعودية الجارة المسلمة الكبيرة ومع سورية الحليفة العربية الاساسية، فإن الامر هذا يستند الى ما هو أخطر، وهو اتهام الهاشمي بقربه من جماعات ايرانية وفلسطينية مرتبطة بياسر عرفات، وهو الذي يقف معادياً للدولة والثورة بكل منطقها.
فبماذا يجيب الهاشمي؟
أوساطه تدافع ومن زاويتها عن منطقها، محاولة شرح الواقعتين من زاوية اخرى فتقول:
ان الذي شحن الاسلحة بالطائرة الايرانية المقبلة من اصفهان لا علاقة له بالهاشمي، بل يرد الهاشمي التهمة بالقول: ان جماعة الحرس الثوري الذين اعتقلوا بهذه التهمة اعترفوا بأن الشحنة تمت بترتيب من الحرس الثوري وقيادته مباشرة، ولا فائدة من إلصاق التهمة بالهاشمي.
اما خطف القائم بالأعمال السوري فيقول الهاشمي انها: من ترتيب الاستخبارات الايرانية التي يشرف عليها الشيخ ريشهري، لأن الدبلوماسي العربـي السوري يروج لطروحات قومية وبعثية داخل طهران، واعتقاله يحمل رسالة من طهران الى دمشق تفهمها العاصمة السورية.. وإن لم ترد عليها حتى الآن.
ويصل الأمر الى مكمن الخطر حين يرد أنصار الهاشمي على التهم الموجهة الى مسؤولهم بالقول:
إن تصفية مكتب حركات التحرر الذي يقوده السيد الهاشمي هو مطلب غربـي واضح من طهران لقاء حصولها على ما تريد من مساعدات عسكرية منه.
ثم يروون واقعة تنشرها ((الشراع)) من زاوية عرض وجهة النظر الاخرى دون تدخل.
وتقول الواقعة: إن مبعوثاً سرياً اميركياً هو روبرت ماكفرلين زار طهران سراً أوائل الشهر الماضي (ايلول/ سبتمبر) ونزل في فندق الاستقلال (الهيلتون سابقاً)، وأجرى مباحثات غاية في الأهمية مع مندوبين من وزارة الخارجية ومجلس الشورى والجيش، عرف منهم مدير الدائرة السياسية لآسيا وأفريقيا الدكتور محمد لواساني، والذي عمل لمدة عشر سنوات في شركة ((ارامكو)) في المملكة العربية السعودية، ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى د. محمد علي هادي، اضافة الى أحد كبار ضباط الجيش.
تركزت المباحثات بين ماكفرلين الذي عمل في فترة مساعداً لمسؤول الأمن القومي في الولايات المتحدة بريجنسكي، والوفد الايراني على الموقف في حرب الخليج، وما يسمى بالإرهاب الدولي.
تضيف واقعة أنصار الهاشمي بالقول: إن ايران طلبت من واشنطن أمرين عرضهما مندوبوها بوضوح، وهما وقف دعم النظام العراقي عسكرياً ومادياً وسياسياً، ثم بيع ايران قطع غيار لأسلحتها الاميركية الصنع من طائرات ودبابات ورادارات وأسلحة اخرى، في حين طلبت اميركا من طهران عبر ماكفرلين، وقف دعم حركات التحرر في العالم تحت زعم انها حركات ارهابية، ثم ضمان أمن دول الخليج العربية.
ثم تكتمل الرواية عند إتمام الصفقة فيقول أنصار الهاشمي: ان واشنطن استجابت بسرعة لمطالب ايران بأن أرسلت 4 طائرات اميركية من قاعدة فيليبينية من طراز سي 300، حملت بعض حاجات ايران من قطع الغيار، ساهمت الى حد كبير في تحسين نظام الدفاع الجوي الايراني الذي شهد في اسبوع واحد إسقاط ثلاث طائرات عراقية، بينها واحدة من طراز ((سوخوي)) وطائرتان من طراز ((ميغ – 23))، اضافة الى تعزيز الدفاع عن طهران وتحسين عمل الرادارات الايرانية.
اما طهران فإن استجابتها جاءت عبر اعتقال الهاشمي وترويج التهم ضده بأنه يخرج عن منطق الدولة، وبأنه يريد توريطها في نزاعات مع المملكة العربية السعودية من جهة ومع سورية من جهة اخرى في الواقعتين اللتين جرى ذكرهما.
هذا ما تقوله جماعات الهاشمي والبيانات الرسمية الايرانية.. واذا كنا خارج إطار توجيه او قبول التهم من هذا الطرف او ذاك، إلا اننا نستطيع إكمال سرد ما توافر من معلومات حول هذه المسألة قائلين:
إن أنصار السيد الهاشمي يعتبرون ان ما حصل منذ بدايته خارج علم الإمام الخميني الذي كان مريضاً في فراشه نتيجة إصابته بنوبة قلبية استدعت راحته لمدة طويلة، أما ما حصل من دعوته ان تأخذ العدالة مجراها، فلا يشكون فيها إطلاقاً لأنهم هم ايضاً مع ان تأخذ العدالة مجراها.
ثانياً: انهم يعتبرون ان الشيخ حسين علي منتظري ما زال راعياً لهم، وأنه سعى مع الإمام الخميني لشرح الأمر له، لكن وضع الإمام لم يسمح له بذلك، مما دفع الخليفة المنتظر ان يعتكف هو الآخر في منـزله رافضاً استقبال مبعوثين من كبار الشخصيات، فضلاً عن عدم استقباله للشيخ رفسنجاني، والسيد خامنئي عندما قصدوه الى قم لشرح الموقف له. ويضيفون الى ذلك اخباراً عن بيانات صدرت في طهران وغيرها من المدن الايرانية نشر بعضها في الصحف دفاعاً عن السيد الهاشمي، وعن عودة عدد من أطر الحرس الثوري من الجبهة احتجاجاً على اعتقال راعيهم.
الى ذلك، فإنهم يرون ان المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً في المواجهة مع التيارات الليبرالية في ايران، خاصة جماعات رئيس وزراء طهران الأسبق مهدي بازركان، وذلك في محاولة لطمس معالم الصراع الحقيقي، الدائر بين هذين المنطقين، ولن يجدي نفعاً توجيه تهمة قتل أحد رجال الدين للسيد مهدي الهاشمي قبل الثورة، وهي التهمة نفسها التي واجهته في عهد الشاه.
اياً يكن من أمر، فإن منطقين يتقابلان الآن في طهران، هما منطق الدولة، ومنطق الثورة، ولكل منهما آراؤه الداعمة وتبريراته الموضوعية، واذا كان من الصعوبة بمكان ان يتراجع اي منهما عن طروحاته، فإن من الصعوبة اكثر ان يتوقف صاحب كل منطق عن توجيه أشنع التهم للطرف الآخر في سبيل تغليب منطقه، وهذا ما نعرفه جيداً في كل دول العالم الثالث، فبالأمس كان علي ناصر محمد حاكماً لا منازع له، وطنياً تقدمياً أممياً في عدن، واليوم من يسمع إذاعة عدن وهي تتكلم عنه لا يستغربن ابداً ما قد ينتظر غداً أبا بكر العطاس او غيره في طهران او بغداد او …