الحلال والحرام في الزواج الإيراني/الروسي
غسان الإمام/ الشرق الأوسط/10 تشرين الثاني/15
وجه الضباط الإنجليز والروس إنذارا خطيا إلى شاه إيران رضا بهلوي، للتنازل عن العرش. وتسليم المُلك والحكم إلى نجله محمد. رفض الشاه الإنذار، بحجة أنه أمي لا يقرأ. ولا يكتب. ولعله أبدى أسفه لعدم تردده على مدارس مكافحة الأمية. وكان من سوء حظه أن وزير الخارجية الحالي جواد ظريف لم يكن قد ولد بعد، ليتولى مسح بقع التعاطف مع هتلر التي لوثت ثوبه العسكري. حدث ذلك في أربعينات القرن الماضي، بعد نشوب الحرب العالمية الثانية. ووصول الجيوش الألمانية بقيادة الثعلب رومل إلى أبواب مصر عبر الصحراء الغربية. قرر ستالين وتشرشل حماية ظهريهما، بإرسال قواتهما إلى طهران لـ«كش» شاهٍ. وتنصيب شاهٍ آخر أكثر خضوعا للحلفاء. كان الشاه الجديد متأدبا في التعامل مع المحتلين. لكن «الجبهة الوطنية» اليسارية بقيادة محمد مصدّق لم تقبل بهذا الخنوع. وتمكن مصدق من تشكيل حكومة جديدة مدعومة من «آية الله» الكاشاني. وفرضت أول تأميم للنفط في تاريخ الشرق الأوسط. بكى مصدق بحرارة أمام مجلس الأمن وأمام العالم، وهو يدافع عن حق إيران في تأميم نفطها. لم يصمد الشاه الجديد ففر من إيران. تدهور الموقف. فاستغلت أميركا الفرصة، لتسجيل أول تدخل لها في الشرق الأوسط. وعثرت على جنرال إيراني (فضل الله زاهدي)، للقيام بانقلاب ضد حكومة مصدق، بعدما تخلى عنه إسلاميو الكاشاني.
أدار العملية الانقلابية الضابط المخابراتي (العروبي) كيرمت روزفلت (المصاهر لأسرة درزية لبنانية) المختبئ في روابي طهران. وأرسل إلى الشاه لباسا عسكريا مرصعا بالنياشين، ليعود به إلى طهران. ولم يكن غرض أميركا رد الاعتبار للشاه بهلوي، وإنما أيضا تصفية الاستعمار القديم البريطاني والفرنسي. والحلول محله في الشرق الأوسط. تابعت أميركا الحرب الباردة ضد الشيوعية. وحاولت تطبيق «مبدأ آيزنهاور» لضم العرب إلى «حلف بغداد» العسكري الذي يجمع بين إيران. وتركيا. وباكستان. لكن الحلف كان شؤما على أصحابه. فقد عصف انقلاب دموي عسكري بنظام نوري السعيد / عبد الإله في العراق (1958). وأعدم عسكر تركيا عدنان مندريس رئيس الحكومة بتهمة الفساد (1960). وكان النصر كبيرا لجمال عبد الناصر الذي نجح مع سوريا في تأسيس دولة وحدوية. وأقام وفاقا مع نظام العماد فؤاد شهاب الإصلاحي في لبنان. في المقابل، استيقظت أحلام اليقظة عند الشاه الإيراني الوريث، فأعلن إيران الدولة العظمى السادسة في العالم. وحاول بناء أسطول كبير يفرض وصايته على الخليج. وأرسل إلى لبنان رجل الدين موسى الصدر (ذا الوسامة الإيرانية. العراقية. اللبنانية). لاستعادة الأجيال الشبابية الشيعية من أحزاب اليمين واليسار.
بعد انفجار الحرب اللبنانية (1975)، دخل جيش الأسد لبنان بضوء أخضر أميركي / إسرائيلي، لإنقاذ النظام المسيحي الماروني من «براثن» حلف عرفات / كمال جنبلاط زعيم اليسار اللبناني. لكن الأسد تحالف مع شيعة الصدر الذي انقلب خمينيا، بعد سحب أميركا جيمي كارتر الشاه من التداول في الخليج والمشرق العربي. وتسليم إيران إلى الخميني اللاجئ إلى فرنسا. لضيق قاعدته الشعبية، ولصراعه مع بعث صدام، تحالف حافظ الأسد مع إيران الخميني. فكان أول حاكم عربي يستدعي قوة إقليمية أجنبية للتورط في الخلافات العربية. حدث ذلك بعد «مؤامرتين» إقليمية ودولية. أزاحت الأولى جنبلاط بالاغتيال (1977). وأخفت الثانية الصدر حليف الأسد، خلال زيارة رسمية لليبيا (1978). وإلى الآن، يدّعي نبيه بري القائد السياسي لمنظمة «أمل» الصدرية، عدم معرفته بمصير الصدر، على الرغم من سقوط نظام معمر القذافي.
لملء الفراغ السياسي في لبنان، سارعت إيران الخميني إلى التدخل الأمني فيه. فأنشأت «حزب الله» في عام 1982 الذي كسب اللعبة المخابراتية الموازية للحرب اللبنانية. وبالتنسيق مع القوات السورية، تم نسف السفارة الأميركية والعراقية في بيروت. وإجبار القوات الأميركية. والفرنسية. ثم الإسرائيلية على الانسحاب. ومن يومها، دخل لبنان في دائرة الهيمنة الإيرانية على المشرق العربي، لا سيما بعد تسليم «المحارب» جورج بوش العراق إلى عملاء إيران. والاعتراف الأميركي بدور «الشرطي» السوري في لبنان التسعينات. ورث بشار الأسد سوريا. ولبنان. والحلف مع إيران (2000). فلم يكن في حذر أبيه. فحول حلفه السوري مع إيران إلى تبعية تامة. واستمرت الاغتيالات السورية / الإيرانية في لبنان. ووصلت ذروتها، باغتيال الزعيم السني رفيق الحريري (2005)، على الرغم من اضطرار بشار الأسد إلى سحب جيشه، بقرار دولي في العام ذاته.
التنسيق السياسي الإيراني/ السوري في لبنان، لم يكن على مستوى التنسيق المخابراتي بين البلدين. مع رهان بشار على الحل العسكري، بعد انفجار الانتفاضة السورية (2011)، اضطر إلى تقديم تنازلات لإيران، في مقابل الاستعانة بـ«حزب الله» والميليشيات الشيعية الإيرانية والعراقية في مقاتلة شعبه. الحروب الأهلية منخفضات جوية تستدعي التدخل الخارجي. تدخلت روسيا عسكريا في سوريا، بزواج مصلحي لا عاطفي مع إيران. وكانت الذريعة حماية «شرعية» النظام الطائفي من الانهيار والسقوط، بعد هزائمه الميدانية، أمام المعارضات الدينية المسلحة الممولة تركيا. وخليجيا.
قدرة بوتين على المناورة جعلته يدعو العرب. وأميركا. والآن المعارضات السورية، إلى التفاوض على تسوية سياسية تقيم «ديمقراطية علمانية» وليبرالية في سوريا، وذلك لانعدام قدرة جميع المتدخلين على فرض تسوية عسكرية فردية. ومن البديهي أن تهتز سريعا أفراح شهر العسل الإيراني / الروسي. كان الحرام أكثر من الحلال، في هذا الزواج المتناقض أصلا، بين الأرثوذكسية القيصرية والمذهبية الشيعية الفارسية. في ظروف الحصار الأميركي. والعقوبات الدولية. وانهيار أسعار النفط، قبلت فاشية «الحرس الثوري» المحظية بمباركة مرجعية الفقيه خامنئي، بالتدخل الروسي في سوريا.
اغتنم الفاشيون العسكريون والملالي المتدينون الفرصة. فدبّوا الصوت ضد بوتين، منتهزين سقوط الطائرة الروسية في سيناء. ولأن لا زواج كاثوليكيا دائما في الإسلام، فحلال الطلاق الشرعي أمر غير مستبعد في هذا الزواج المصلحي المحرّم. وهكذا، فإيران لن تقبل بتسوية دولية. روسية. عربية في سوريا. ولا بديمقراطية علمانية تضع حدا للنشاطات الأمنية والسياسية التخريبية، في منطقة تعتبرها إيران «حلالا»، امتدادا من اليمن إلى سوريا. ومن لبنان. فالعراق. والخليج. أين بشار من هذا الميزان الإقليمي الرجراج؟ أفاق الأسد على شراهة «المحرمات» الإيرانية. باتت الأسرة والطائفة الحاكمة تضيق ذرعا بالتدخلات والمستوطنات السكانية الإيرانية. وتجد في بوتين أملا. وحلا للكرب. وحتى نساء «حزب الله» المتشحات بالسواد يهرقن الدموع على أبنائهن الذين راحوا ضحية المشروع الإيراني المستحيل، لتشييع سوريا. يتذوق بوتين في تراب سيناء مرارة التدخل في سوريا، فيما ملالي خامنئي يحتفلون بالذكرى السنوية الـ36 لاقتحام السفارة الأميركية في طهران. وكلهم أمل في أن تستعيد دبلوماسية الاتفاق النووي مع الزوجة الجديدة (أميركا أوباما) «شرعية» إيران المفقودة. فقانون العلاقات الدولية يحرم اقتحام السفارات. ويعتبر الدول والأنظمة التي تمارسه مارقة وفاقدة لشرعية الإقامة في بيت الطاعة الدولية.