الموارنة السكارى
الشدياق يوسف رامي فاضل/08 شباط/18
هذا العام تتزامن ليلة عيد مار مارون مع ليلة خميس السَكارى، فكأن ذكرى مار مارون ليست كافية لنا رغم ما توقظه من حنينٍ ونوستالجيا إلى قديسٍ وتاريخٍ يمثِّلان كلّ ما لسنا عليه اليوم!
فأتى هذا الخميس ليؤكد أن أبناء مارون سكارى بمجدهم الغابر، يهربون إلى رحابة تاريخم ليغمضوا عينهم ولو للحظة واحدة عن فداحة حاضرهم الذليل!
نعم شخص مار مارون والتاريخ الماروني يعانيان من القطيعة المرّة مع ورثتهما على مختلف الأصعدة!
فالورثة وبخلاف قدّيسهم الذي افترش الأرض والتحف السماء، افترشوا المجدَ الباطل والتحفوا بحسابات أهل السياسة والإقتصاد فأدخلوا روح العالم الإستهلاكيّة إلى كنيستهم عوض أن يُدخِلوا الروح القدس إلى جميع ميادين هذا العالم!
وهم بخلاف تاريخهم العريق استسهلوا المساومة والمراوغة لضمان أمنهم وحمايتهم، فانبطح الكثير منهم أمام الذميّة بحللها الجديدة، وتقوقعوا كالطفل البكر الذي يغار من أخيه الصغير في شرانقٍ لا تنفتح إلّا للندبِ وللمطالبة بحقوقٍ تنتصب كالشمّاعة في السبق السياسيّ، متناسين حقوق محيطهم عليهم من الرسالة إلى الشهادة والمحبّة!
لقد تناسوا الحركة والتقدّم الدائم الذي ميَّز تاريخهم على الصعيد الروحيّ واللاهوتيّ، فجمَّدوا لاهوتهم في قرونٍ وسطى لا تشبه نموّ كنيسة المسيح بشيء!
سنطالع الكثير من المنشورات والمقالات وسنسمع العديد من العظات في هذا العيد التي ترفع الروح المعنويّة لأبناء مارون إلى درجات تتخطّى معنويات الشعب النازي قبيل الحرب العالمية الثانية، لكن الواقع الذي لا تغيّره المقالات والعظات هو مشارفة هذه المارونية على الإفلاس التامّ والنهاية الحتميّة…
هذا هو المصير الحتميّ لجماعةٍ بشرية فقدت الهدف وعطّلت جدليّة التاريخ منذ وصلت إلى هدفها الأخير “لبنان الكبير” وبعد هذا الوصول انصرفت الى الدفاع عن حقوق من هنا وامتيازات من هناك، فوضعت نفسها في موقع “المُدافِع” وهو الموقع الأضعف على الإطلاق! ورَفضَت المتابعة في شقِّ طريقها الأصيل، منصرفة إلى شقّ طرقات لا تتماشى مع الطريقة المارونيّة بشيء!
هذه المارونية اليوم لا تحمل رؤيا ولا تملك مشروعًا، ولا تعرف كيف تُلطِّف وقع الموت المُقبِل إليها بكلّ شراسة!
ولكن… من يدري؟
ربّما نجدُ الإنبعاث الجديد والقيامة بعد هذا الموت وربّما لا نجده!
لكنّ الأكيد هو أنَّ المارونيّة بأمسّ الحاجة إلى معجزة أرضيّة سماويّة -قبل النهاية أو بعدها- تحصل على يدِ شعبها العلمانيّ أو بعضه، لتستمرّ على قيد الحضور والشهادة، وإلا فنحن لا نملك سوى الموت، وسوى بعض الذكرى…