تفجير برج البراجنة بلُغة العقل لا العاطفة
عبدو شامي
13 تشرين الثاني/15
إذا كان يوم الخميس 12/11/2015 قد أنهى ساعاته الـ24 مكتفيًا بحصيلة بلغت 43 قتيلاً و239 جريحًا ليكون اليوم الأكثر دموية في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، فإن الحصيلة المخطط لها في هذا اليوم كانت أكبر من ذلك بكثير ليكون اليوم الأكثر دموية في تاريخ لبنان الحديث على الإطلاق… فإلى الداعشيَين اللذين فجرا نفسَيهما مساءً في برج البراجنة المحسوبة على معقل الحزب الإرهابي، ثمة ثالث قتله عصف أحد التفجيرين فلم يفجّر نفسه، كما جرى صباحًا تفكيك عبوة ناسفة في جبل محسن زنتها 10كيلوغرامات معدّة للتفجير، وتمّ توقيف انتحاري في عرسال، وكأن المراد تفجير لبنان بأكمله!
في الشكل والمضمون، شطح بعض المحللين بعيدًا في تحليلاتهم حيث وضعوا التفجير المزدوج الذي ضرب برج البراجنة في خانة الرد على التسوية السياسية التي أتاحت لمجلس النواب أن يعقد جلسة تشريعية في ذلك اليوم بعد انقسام خطير مسيحي-إسلامي على خلفية دستورية وميثاقية الجلسة ومشاريع القوانين التي تدخل في خانة الضرورة… وهو تحليل مستبعد جدًا من وجهة نظرنا لأن التخطيط لهكذا عملية لا يتم بين ليلة وضحاها بل يحتاج الى أشهر من الرصد والتسوية تمّت في ربع الساعة الأخير، كما أن الجهة التي تبنّت التفجير لا تُلقي بالاً ولا اهتمامًا بزواريب السياسة اللبنانية سواء اتفق فرقاؤها أم اختلفوا وأنما مخططها وأهدافها أبعد من ذلك بكثير.
وفي الشكل والمضمون أيضًا، الملاحظ أن التغطية الإعلامية للتفجيرَين ركّزت بمعظمها (وخصوصًا الإعلام الأصفر) على الجانب العاطفي لما حصل ربما لحرف الأنظار وتشتيت العقول عن الخوض في أسباب وتبعات الحدث الضخم وفي الوقت نفسه التصويب على مدى ارهاب الجهة التي تبنّت العملية وأنها صادرة عن “وحوش لا ينتمون الى البشرية” على حد تعبير أحد قياديي الحزب الإرهابي… تغطية مباشرة من غرف قسم الطوارئ في المستشفيات، نواح عويل بكاء صراخ تهديدات صريحة في حقدها الطائفي وهتافات تعكس مكابرة ترفض الاعتراف بالخطأ وإصرارًا على مزيد من الخوض فيه. أطفال يبكون من جراحهم والمُراسل يسألهم: أين الماما أو البابا؟ فيكون جوابهم البريء والدموع تسيل تُغرق أعينهم: في الطائرة، هكذا قيل لهم مؤقتًا ريثما تحين ساعة المصارحة الأليمة بأنهما قضَيَا في ساحة التفجير دون تجرّؤ على طرح السؤال المُحرَّم: لماذا مات مَن مات وحدث ما حدث؟
بعيدًا عن استثارة العواطف وبلغة السياسة الخالصة والعقل والمنطق وبكلمات شديدة الصراحة يمكن تلخيص ما حصل في برج البراجنة بقاعدة السببيّة (أو العلّية) (cause à effet) والتي تفسّر الحدث بأنه نتيجة للعلاقة بين السبب والأثر، فلولا حدث مشاركة الحزب الإرهابي في الحرب العالمية الثالثة المعلنة على الشعب السوري منذ نحو خمس سنوات وخوضه في دماء السوريين الثائرين لحريّتهم وكرامتهم وانتهاكه أعراضهم ونهبه خيراتهم وتيتيمه أطفالهم وعدم اخفائه الحقد الطائفي الذي يعدّ الدافع الأول لهذا الكمّ من الإجرام والإرهاب المنظّم قبل أي عامل آخر… لولا كل ذلك لما وجدنا أثر المَسّ بمعقل الحزب ولا ببيئته الحاضنة ولا بلبنان بأي سوء يُذكر، والدليل الحسي الملموس الأكبر على صحة ما تقدّم هو أن مسلسل التفجيرات لم يضرب مناطق الحزب إلا بعد تاريخ خوضه في دماء وأعراض الشعب السوري، وبالتالي فإن لبنان المحتل لم يُصَب بإحدى شظايا تلك الحرب وإنما أصيب بأحد صواريخها الموجهة باعتباره في صميم المعركة لا على هامشها.
إذا عرفنا ما تقدّم يُصبح كل ما ركّز عليه الإعلام عن قصد أو غير قصد من مشاهد دموية مأسوية مردودًا على الحزب الإرهابي نفسه باعتباره أذاق الشعب السوري بمفرده وبآلة القتل الأسدية والإيرانية والروسية مؤخرًا أمثال بل أضعاف ما أبرزه لنا إعلامه من حجم الفاجعة التي ضربت بيته الداخلي في الصميم وضربت معه لبنان المحتل بأكمله وكل اللبنانيين بعد أن جعلهم الحزب في دائرة الاستهداف بمجرّد انخراطه في البركان السوري.
يبقى السؤال عن سبب قيام داعش بالعملية التي جعلت الحزب يدفع قسطًا من حساب إرهابه في سوريا، في حين يقيم هذا التنظيم الإرهابي نفسه حلفًا غير معلن مع النظام الأسدي إذ لا معارك حقيقية تُذكر بينهما كما أن الاجرام الروسي صب 90% من إرهاب غاراته على المعارضة المعتدلة مهمِّشًا داعش… تساؤل في محله ولعل المصالح بدأت تأخذ حسابات مختلفة، لكن الثابت لدينا وما نستطيع الجزم به هو أننا شهدنا جولة دموية على أرض بلدنا لبنان بين تنظيمَين إرهابيَين كان الشعب ضحيتها، وأنه مهما تفاوتت الأخوات المجرِمات في نسبة الخطورة تبقى “داعش الأم” (الأسد وإيران) أخطر من بناتها.