فرنسا المضرجة بدمائها تهتف: أرواحنا فدى الأسد!
عبدو شامي
15 تشرين الثاني/15
مع تشييع أي مجرم يُقتل أثناء تأديته واجبه الإرهابي في سوريا من الطبيعي أن نسمع مشيِّعيه يهتفون: “لبيك نصرالله” و”فدى صرماية السيّد”، وعند تشييع أي شبّيح يُقتل في سوريا أثناء إبادته أحرار شعبه من البديهي أن نسع المشيِّعين يهتفون: “كلنا رجالك بشار”، هذا أمر نفهمه من زاوية علم نفس الجماهير ولا نتفاجأ به خصوصًا إذا وضعناه في دائرة العصبية العمياء الناتجة عن ثقافة الأدمغة المغسولة بمسحوق تأليه الزعيم وعبادة القائد… بيد أن العجيب الغريب أن نسمع هتافات “أرواحنا وأمننا فدى الأسد” من القادة الفرنسيين خصوصًا والأوروبيين عمومًا مباشرة عقب إعصار العمليات الانتحارية الذي ضرب قلب باريس يوم الجمعة 13/11/2015 موقعًا نحو 130 قتيلاً وأكثر من 260 جريحا ثمانون منهم بين الحياة والموت!
“أرواحنا فدى الأسد”، سمعناها، نعم، سمعناها عندما صبّ الرئيس الفرنسي “فرنسوا هولاند” ووزرائه جام غضبهم على “داعش” وحدَها التي تبنّت الهجمات الإرهابية ووصفوها بأبشع الصفات وأقذر النعوت وهي تستحقها لا شك… “أرواحنا فداك بشار” سمعناها مع ردّ الحكومة الفرنسية المدوّي على الإعصار ما وصفوه بالـ”حرب” و”العمل الحربي” الذي ضرب عاصمتهم حيث تعهّدوا وتوعّدوا بأن “فرنسا ستواصل حربها على داعش وستضربها بالقدر نفسه الذي ضربت به باريس وستنتصر فرنسا” على حد تعبير رئيس الوزراء الفرنسي “منويل فالس”. “أمننا القومي واقتصادنا فداك أبا حافظ”، سمعناها من معظم الدول الأوروبية التي رغم هواجسها الأمنية ومشاكلها الاقتصادية فتحت حدودها لتتحمّل عبء إيواء وإطعام وضبط ومراقبة مئات آلاف اللاجئين السوريين الفاريين من إرهاب بشار الكيماويي والبرميلي ومن وحشية داعش.
لقد قال الفرنسيون نصف الحقيقة وكتموا نصفها الثاني وهو الأهم؛ نعم، ذاك الوحش الإرهابي المسمى “داعش” لا يستحق الضرب وحسب إنما يجب أن يُباد من الأرض رأفة بالبشر والحجر، لكن ماذا عمن صنع هذا الوحش وربّاه في سجونه وأشربه أخطر فكر إجرامي في العالم تحت ستار الدين وبواسطة رجال استخبارات متنكّرين بزي علماء دين؟! ماذا عن سفّاح العصر “بشار الأسد” الذي سبق للفرنسيين بتصاريح كثيرة أن حمّلوه مسؤولية إنشاء “داعش” وتمدّدها، أليس هو مع أسياده الأيرانيين مَن ابتكروا الفكر الداعشي ولقنّوه لعشرات آلاف الشباب في سجون سوريا والعراق ثم أطلقوهم من عقالهم لينشروا الفساد في الأرض بهدف تشويه الإسلام السنّي وتلميع صورة إرهاب بشار وشيعة ولاية الفقيه وإيران ثم القول للعالم: “ثمّة في هذه الأرض مَن يفوق بشار في ارتكاب الفظاعات المقززة فعلاما تلومونه، ألا ترَون أن ثمة خطرا أكبر يجب التخلّص منه ومحاربته بمعاونة بشار نفسه”؟! ثم أليس بشار هذا مَن شمت بفرنسا اليوم وكان سبق له أن هدّد بإشعال المنطقة من البحر المتوسط الى بحر قزوين، كما سبق لشيطانه منتحل صفة الافتاء أن هدّد بإرسال انتحاريين الى أوروبا؟
لنفرض أن منتجًا غذائيًا فاسدًا غزا الأسواق الفرنسية وسمّم من سمّم من المواطنين، هل ردّة فعل السلطات الفرنسية ستكون بتنظيم حملة على كامل مساحة “الإكزاغون” لسحب المنتج الفاسد من كافة الأسواق فقط، أم ستبادر السلطات توازيًا مع ذلك بمداهمة المصنع وإقفاله ومحاكمة وملاحقة مالكيه؟! ما فعتله فرنسا العام الماضي عندما تسلّلت الى أسواقها لحوم الأحصنة وبيعت على أنها لحوم بقرية هو أنها سلكت هذين المسارّين معًا، سحبت اللحوم المزوّرة أغلفتها من السوق مع أنها صالحة للأكل ولاحقت مورّديها، فما بال الحكومة الفرنسية اليوم تكتفي بملاحقة داعش دون ملاحقة منتجها مع العلم أن الكارثة ليست بلحوم الأحصنة إنما بلحوم الشعب الفرنسي التي تناثرت في شوارع باريس ومسارحها وقهاويها في مجزرة لم تشهد لها فرنسا مثيلاً؟!
قناعتنا التامة أن فرنسا لن تكون صادقة ولا ناجحة ولا مقنعة في ما تدّعيه من محاربة الإرهاب ومن الرد على داعش ما لم تحارب المَصنَع والمُصنَّع المنتَج معًا، ومفتاح الحل قطع رأس الأفعى فبعده سيبقى ذيلها يتحرّك لكن لفترة قصيرة قبل أن يلتحق بالرأس جثة هامدة، أما الاستمرار في سياسة قطع جزء من الذيل فلن يجدي نفعًا لأن الجزء المقطوع سينبت من جديد وستبقى الأفعى تبث سمومها في القارات الخمس. بعد ذلك كلّه يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يمنع أوروبا من استقبال “لاجئ” واحد اسمه “بشار الأسد” بدلا من تكبّد عناء استقبال مئات آلاف اللاجئين وتعريض أمنها القومي للخطر واقتصادها لمزيد من التدهور؟! ما الذي يمنعهم من قتل أو سجن نفس مجرمة واحدة مقابل إحياء ملايين الأرواح البريئة التي أُزهِق منها 350ألفا على أقل تقدير في سوريا وما يزيد على 130 في فرنسا؟! للأسف، يبدو أن كل ذلك يهون فدى العميل الأممي الأول في العالم بشار حافظ الأسد.