الديبلوماسية الحرب ضد “داعش”: شروط الانتصار
عبد الكريم أبو النصر/النهار/20 تشرين الثاني 2015
“الهجمة الارهابية الوحشية الضخمة التي نفذها تنظيم “داعش” ضد المدنيين في باريس تعكس في الجانب الاساسي منها حجم فشل الدول البارزة المؤثرة في الامساك بأزمة سوريا وتسويتها وفي منع تحول هذا البلد قاعدة رئيسية للنشاطات والاعمال الارهابية ومصدر خطر وتهديد جديين للمنطقة وللأمن والسلم الدوليين، وساحة لأكبر مأساة انسانية يشهدها العالم منذ عقود”. هكذا اختصر مسؤول غربي بارز في باريس الوضع بعد الصدمة الهائلة التي اصابت فرنسا وهزت العالم اثر سقوط مئات القتلى والجرحى في عملية “داعش”. وقال: “إن ما تعرض له هذا البلد ليس مرده الى فشل أمني وتقصير استخباري بل مرده الى مجموعة عوامل جوهرية اساسية استناداً الى اقتناعات المسؤولين الفرنسيين والغربيين والاقليميين المعنيين بالملف السوري، وهذه العوامل هي الآتية:
أولاً، فشل استراتيجية احتواء الازمة السورية التي تبنتها الدول البارزة والمؤثرة لأنها الاقل تكلفة بالنسبة اليها، إذ ان هذه الازمة تمددت واتسعت، في ظل غياب عمل جدي على حلها، وانتقلت الى دول عدة في المنطقة والى الساحة الدولية فباتت جزءاً أساسياً من مشاكل الكثير من الدول.
ثانياً، فشل استراتيجية الاكتفاء بالغارات الجوية والعمليات العسكرية من أجل محاولة القضاء على “داعش” وازالة الخطر الارهابي، لأن جذور المشاكل في سوريا والعراق التي تغذي الارهاب هي سياسية واجتماعية ومرتبطة بصراعات اقليمية – دولية وبالممارسات الخاطئة للحكام.
ثالثاً، فشل استراتيجية المماطلة وعدم التعامل جدياً وبسرعة مع الازمة السورية من أجل حلها واستخدام الساحة السورية لتصفية الحسابات الاقليمية – الدولية على حساب مصير البلد ومصالح ابنائه.
رابعاً، فشل الدول المؤثرة في التفاهم على خطة عمل مشتركة قابلة للتنفيذ توقف الحرب وتؤدي الى تسوية الازمة السورية: فروسيا وايران تعطيان الاولوية ليس لانقاذ سوريا وشعبها بل لمحاولة ابقاء الأسد في السلطة. في المقابل امتنعت اميركا حتى الآن عن الانخراط بقوة وجدياً وقيادة عملية دولية – اقليمية واسعة تستخدم فيها كل امكاناتها وطاقاتها من أجل انقاذ سوريا من الجحيم، إذ ان ادارة الرئيس باراك أوباما تبنت سياسة الحد الادنى من الانخراط في عملية الانقاذ وراهنت خصوصاً على الجهود الديبلوماسية والسياسية وعلى فشل السياسات الروسية والايرانية في حماية الأسد ونظامه من السقوط.
خامساً، يظل العامل الاساسي داخلياً ومرتبطاً بممارسات النظام وخياراته. فقد فجر الأسد ضد شعبه المحتج حرباً ألحقت الكوارث بسوريا في كل المجالات وأشاعت الفوضى العامة وأدت الى بروز “داعش” ونموه في البلد الذي تحول قاعدة اساسية للأعمال الارهابية في الداخل والخارج وسط عجز النظام عن القضاء عليه أو تواطؤه سراً مع هذا التنظيم الارهابي. ولخص وزير الخارجية الاميركية جون كيري هذا الوضع في خطابه الأخير وفي تصريحاته بعد اجتماعات “فيينا – 2″ اذ قال: “الأسد جعل من المستحيل حصول تغيير سلمي في سوريا لأنه واجه المحتجين بالقوة والقمع منذ بدء الحركة الشعبية الاحتجاجية، ثم استخدم الرصاص والقنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة ضد ابناء بلده. و هكذا جعل الأسد الحرب امراً حتمياً مما ادى الى بروز ونمو “داعش” الذي يشكل أخطر تهديد ارهابي يواجهه جيلنا. الأسد جذب الارهاب الى سوريا ونظامه عقد صفقة مع “داعش” وهو يشتري منه النفط. الأسد و”داعش” جزء من المشكلة وهما نظرياً عدوان ولكن في الواقع ليست لهما مصلحة في وقف القتال”. وخلص المسؤول الغربي الى القول: “ان قوات المعارضة السورية المعتدلة شريكة في القتال ضد “داعش” اذ انها تحارب هذا التنظيم منذ وجوده في سوريا عام 2013 الى الآن وقت يركز النظام وحلفاؤه على محاربة المعارضين وليس على القتال ضد التنظيم الارهابي. وفرنسا تشهد مع دول أخرى حرباً ارهابية عالمية قابلة للتطور والاتساع ما لم تواجه بجدية اكبر وتعاون اوسع بين الدول المؤثرة. والعمل الجدي يتطلب في وقت واحد تكثيف العمليات العسكرية على انواعها ضد “داعش” والارهابيين عموماً، وكذلك ممارسة ضغوط دولية – اقليمية مؤثرة من اجل نقل السلطة من نظام الأسد الى نظام جديد تعددي وتشكيل قيادة شرعية جديدة تسمح بتوحيد قوات النظام والمعارضة المعتدلة بهدف شن معارك برية شاملة مدعومة عسكرياً من الدول البارزة تنهي الوجود الارهابي في سوريا وتعيد الى هذا البلد الاستقرار والسلام”.
متلازمة الأسد – «داعش»
وليد شقير/الحياة/20 تشرين الثاني/15
توقع كثر أن يتغير العالم بفعل فظاعة الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت باريس الجمعة الماضي، كما تغير بعد «غزوة» نيويورك وواشنطن في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وتعزز هذا الاستنتاج بعد تأكيد الأجهزة الأمنية في موسكو أن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء جاء بسبب دس قنبلة في مقصورة الركاب. الجريمتان، معطوفتان على التفجيرات السابقة التي استهدفت برج البراجنة في لبنان وقبلها في تركيا وفي المملكة العربية السعودية وفي سيناء وبلاد الرافدين، وفي ليبيا، ومحاولات التفجير الإجرامي في تونس… إلخ، أنذرتا بعولمة عملية وحقيقية لإرهاب «داعش» بعد الوحشية التي ارتكبها ضد أقليات في العراق وسورية.قد يكون بعض النخب العربية على حق حين أبدى أسفه لأن العالم لم يتحرك إزاء مواصلة «داعش» قتل الناس كل يوم منذ سنوات (كما في العراق وسورية)، بأعداد من الضحايا تناهز أعداد الذين سقطوا في يوم واحد في فرنسا أو في الطائرة الروسية، إلا أن الدول الغربية والبعيدة تنظر إلى المذبحة الدائرة في منطقتنا على أنها مسؤولية الدول العربية وحكامها ونخبها وقادتها، حيث تختلط عوامل الاستبداد والتخلف والقمع ونهب الثروات الوطنية والتطرف الديني… مع التدخلات الخارجية، مقابل قيم الغرب السياسية: الديموقراطية والتسامح والتنمية المستدامة والتقدم العلمي، التي لا تحتمل هذا النوع من الإخلال بالاستقرار الناجم عن انتقال الوحشية التي تتوسلها قوى في مجتمعاتنا إلى الميدان الدولي. وفي مقابل اعتقاد البعض أن العالم لم يتغير، وأننا مازلنا نعيش تداعيات 11 أيلول الأميركي في دول الغرب، لكن مع جيل جديد من الإرهاب، وفي ظل احتضان الحروب الأهلية العربية له، لا سيما الحرب السورية، فإن الإجرام المشحون بالجنون المتفشي بفعل المجازر التي ارتكبها، ولا يزال، النظام في سورية (ومعه «داعش»)، انتقل إلى أوروبا اليوم فباتت تتعرض لـ11 أيلول آخر.
ملامح التغيير في العالم تبدأ بتعديل فرنسا قوانينها ودستورها لتوسيع قدرتها على المواجهة الأمنية مثلما فعلت أميركا جورج بوش بإعطاء أجهزة الأمن صلاحيات فوق العادة لأجهزتها ما أدى إلى فوضى في التوقيفات. يضاف إليها طلب باريس غير المسبوق، المعونة الأوروبية العسكرية والأميركية الاستخباراتية، وتشديدها المراقبة على التجمعات الإسلامية، على رغم أن مسلمين قتلوا برصاص «داعش» في باريس ومع أن الرئيس فرنسوا هولاند قال قبل يومين إنه «لا يمكن التسامح مع عمل معاد للسامية أو مناهض للمسلمين». كل ذلك بموازاة تقدم طروحات اليمين المتطرف الرافض استقبال المهاجرين عموماً، وتصاعد الدعوات في أميركا وأوروبا إلى عدم استقبال اللاجئين السوريين (20 ولاية أميركية قررت رفض استقبال أي منهم، فيما قررت ولايات أخرى إجراءات مشددة للتأكد من انتماءاتهم)، ما يزيد من تفاقم أزمة هؤلاء. وبات الأمر محرجاً للزعامات الليبرالية داخل أحزابها وفي تنافسها مع خصومها في الانتخابات المحلية، كما هو حاصل بين المتنافسين على الرئاسة الأميركية، وهو توجه إلى تصاعد في المنظور من الأشهر. سياسة التسامح لأسباب إنسانية أو اقتصادية، إلى تراجع حيال هؤلاء المهاجرين، وسط الترويج لأنها كانت وراء التراخي الأمني في ملاحقة خلايا الإرهاب والتغاضي عن ملاذاته الآمنة. بل سنشهد عودة إلى الوراء في بعض جوانب الحريات، بتأييد جزء كبير من الرأي العام الفرنسي والعالمي. ويبدو أن أحداثاً عنصرية تحصل هنا وهناك في بعض الدول الأوروبية تطغى عليها أخبار الملاحقة الفرنسية والأوروبية للإرهابيين.
من ملامح التغيير في السياسات الدولية أيضاً، أن باراك أوباما بات يشيد بدور روسيا في محاربة «داعش» والإرهاب، معتبراً أنها «شريك بناء»، فيما وصف فلاديمير بوتين الجيش الفرنسي بـ «الحلفاء»، وتنضم دول أوروبية إلى الحرب الآخذة بالتوسع، في ظل التهيؤ لإصدار قرار عن مجلس الأمن يكرس بداية التعاون الدولي بدل قيام الأحلاف المتناثرة. بقدر ما تحمل تداعيات جريمتي باريس والطائرة الروسية تغييرات، فإن بعضها أقرب إلى المفارقات. باتت الطائرات الأميركية تقصف قوافل تهريب النفط التي يستفيد منها النظام في سورية و «داعش» على السواء ، بعد أن كانت امتنعت عن ذلك على امتداد أكثر من سنة، وكذلك الطائرات الروسية. ما لم يتغير في كل الأحوال هو بقاء متلازمة بشار الأسد – «داعش». موسكو تقول ببقاء الأول ليساعد في القضاء على الثاني، وواشنطن والتحالف الدولي، ومنه الدول العربية الرئيسة، يقولان بالتخلص من الأول لأنه جاذب للإرهاب ومساهم في توسعه. وعلى رغم أن التمسك بالأسد يوحي بأن الوعد بالقضاء على «داعش» لن ينفذ إلا بتكريس وجوده، فإن الوجه الآخر لاستمرار التلازم بين الأمرين يعني أن أي قرار جدي بالتخلص من أحدهما سيقود حكماً إلى التخلص من الثاني، وهذا لم يحصل إلى الآن، ما يجعل الحرب على «داعش» محدودة الرقعة.