ميشال شيحا: المفكّر السياسي
الدكتور نبيل خليفة/النهار/30 تشرين الثاني 2015
لم يكن ميشال شيحا رجلاً سياسيّاً يتقلّد المناصب السياسية ويمارس العمل السياسي، بل كان مفكّراً سياسّياً يحدّد المبادئ السياسيّة – الوطنيّة والاقليمية، ويدعو أهل السياسة إلى الأخذ بها والعمل بوحيها.. ولقد ارتبطت مصداقيّة فكره السياسي بأربعة عوامل:
- إنّه رجل فكر غنيّ وعميق مرتكز إلى غنى ثقافي لاتيني وانغلوسكسوني ومشرقي.
- وإنّه صاحب قضيّة هي القضيّة اللبنانيّة.
- وإنّه رجل رؤية مستقبليّة: يرى صحيحاً ويرى بعيداً !
- وإنّه رجل مسؤوليّة تاريخيّة: في تحديد معنى الأمّة اللبنانيّة ودورها واتجاهها ومصيرها والتحدّيات التي تواجهها في محيطها الجغرافي والبشري والجيو-سياسي.
وبالإضافة الى ما ذكرناه عنه في كتابنا “ميشال شيحا: أوّل أنبياء لبنان، وآخر أنبياء فلسطين”، (مركز بيبلوس 2013، وقد نال جائزة مؤسّسة ميشال زكور 2014)، وفي ضوء الأحداث المأساويّة الحالية التي تعصف بالمنطقة، تتوجب العودة إلى فكر ميشال شيحا السياسي، لإبراز مميزات إضافيّة، لأنّ أصالة فكره وغناه وصحته، تمنح الباحث على الدوام الفرصة لاكتشاف ما هو جديد ومفيد: ومن ذلك بإيجاز ثلاثة أمور:
1 – ان ميشال شيحا يكاد يكون أول مفكّر لبناني وعربي استخدم طريقة التحليل الجيوبولتيكي في مقاربة الموضوعات السياسيّة، مشدّداً على “التفسير الجغرافي للتاريخ”.
• “فالجبل هو ثروتنا الأولى التي تخلق إنساناً جديداً مختلفاً عن إنسان الصحراء”.
• ولبنان بلد قائم “على هذا الممر التاريخي الاستراتيجي شرقي المتوسط”، ولذا “فهو يعيش على حدود الخطر الدائم”، إنّه نقض لسوريا (الكيان / الأمّة)، ونقيض لإسرائيل !
• اعتبر شيحا أن قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين الجغرافي عمل من الجنون، “لأن هذا البلد الصغير لا يمكن أن يجزأ بضرب من الجنون”، “إنّه عمل عنف في مواجهة الطبيعة وبلد فيه صعوبة العيش وكثافة السكان”، وهو عمل خطير “سيسهم في زعزعة أسس العالم”.
2 – فرّق شيحا دائماً بين مفهومي: الشرق الأدنى، والشرق الأوسط. الشرق الأدنى هو مفهوم لاتيني مرتبط بشرقي المتوسط والمتوسط وأوروبا. أما الشرق الأوسط فهو مفهوم أنغلو – سكسوني مرتبط بأميركا وبريطانيا وبما يتجاوز الخليج العربي – الفارسي شرقاً، وهو ما نواجهه اليوم من سعي إيراني بدعم غربي للسيطرة على المشرق العربي (أي الشرق الأدنى) من لبنان إلى الخليج. “من الضروري عدم الخلط بين الشرق الأدنى والأوسط ففي ذلك إساءة إلى المنطق وإلى التاريخ…”. الشرق الأدنى يرتبط بالحضارة المتوسطية في بعدها الفكري الفلسفي… – الشرق الأوسط يرتبط بما بعد المحيط الهندي ببعده الاقتصادي. نحن ننتمي إلى الشرق الأدنى وليس الأوسط!
3 – منذ الأربعينات من القرن الماضي، وضع شيحا بفكره النيّر والمستقبلي، الأسس الثلاثة لحل في فلسطين:
- حدود نهائية ودائمة يسميها “الضمانة التعاقدية للحدود”، على يد الأمم المتّحدة،
- التدويل الفعلي للقدس بموجب قرارات الأمم المتحدة،
- وحل عادل لمشكلة اللاجئين.
وعنده: “لا تصوّر لحلّ سلمي بين العرب واليهود من دون الوجود الدولي السياسي والعسكري والقانوني الدائم في فلسطين”.
إنّ مميّزات الرؤية والتوقّع والوضوح والشموليّة والعمق التي طبعت فكر ميشال شيحا السياسي هي في أساس الحكم عليه من أنه: “رجل كبير من لبنان، أجمع الرأي على أنّه كان أرفع مفكّر سياسيّ عرفه وطننا في الزمن الحديث”، على حدّ قول ميشال أسمر، مؤسّس “الندوة اللبنانيّة”.