الانفتاح الأوروبي على التعاون مع جيش النظام التباس يبدِّده عدم التراخي الأميركي إزاء روسيا
روزانا بومنصف/النهار/2 كانون الأول 2015
ترك الموقف الفرنسي ثم الالماني من انفتاح فرنسا والمانيا على مشاركة قوات النظام السوري في محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية” قبل ان يعطف على عبارة تشدد على ان هذا الانفتاح مرتبط برحيل بشار الاسد باعتبار ان لا مستقبل له في سوريا، التباسا حول تغييرات في الموقفين الفرنسي والالماني، بدأت تلاقي في شكل من الاشكال مواقف دول اوروبية اخرى لا ترى مانعا في التعاون مع الاسد على أساس انه يبقى الاقل سوءا، ومن اجل دحر تنظيم “الدولة الاسلامية”. والموقف الفرنسي الذي كان اعلنه وزير الخارجية لوران فابيوس كان لافتا ومفاجئا لجهة اثارته تساؤلات عما اذا كان يمثل تحولا بارزا في السياسة الخارجية الفرنسية تسببت به الاعتداءات الارهابية في باريس في 13 من الشهر المنصرم، أم أنه زلة لسان، قبل ان يتم توضيحه ويوضع في السياق الذي انتهى اليه، اي اشتراط رحيل الاسد من اجل التعاون مع جيش النظام، علما ان نوابا واعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي يدفعون في هذا الاتجاه، اي تجاهل الدفع في اتجاه رحيل الاسد والانصراف الى مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” لاعتقادهم انه لا يمكن الانتصار على هذا التنظيم الارهابي من دون وجود جيش على الارض. وهذه النقطة غير متوافرة باستثناء وجود جيش النظام وفق اعتبار هؤلاء، وما لبث وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن سارع الى محاولة تلقف الذعر الفرنسي والاوروبي للدفع قدما بهذه النظرية. والموقفان الفرنسي والالماني برزا في شكل خاص على أثر موجة اللاجئين التي اجتاحت اوروبا بأعداد اخافت الدول الاوروبية، وبعد الاعتداءات الارهابية التي وصلت الى باريس إثر اسقاط طائرة ركاب روسية فوق سيناء بقنبلة مزروعة بين امتعة الركاب، فأثار الامر ذعرا مبررا في فرنسا واوروبا وصولا الى الولايات المتحدة، من توسع دائرة عمل الارهابيين في اتجاه الدول الاوروبية، كما اثار مخاوف كبيرة من موضوع اللاجئين السوريين الى اوروبا. والدلالة البارزة على ذلك هي استئثار ملفات الارهاب واللاجئين والموضوع السوري عموما بالاجتماعات على هامش قمة المناخ التي ضمتها باريس مطلع هذا الاسبوع. وكان لافتا بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين، “شدشدة” الادارة الاميركية الموقف الفرنسي، او بالاحرى الموقفين الفرنسي والالماني اللذين يؤثران ويقودان الموقف الاوروبي، مما ادى الى ان تشترط فرنسا والمانيا التعاون المفترض لرحيل الاسد، بعدما كانت المواقف أوحت أن هذا الانفتاح محتمل من دون شروط تبين انها اضيفت لاحقا، وقد أثيرت ضجة حول ما اذا كان موقف الدول الاوروبية قد تبدل. فلو ان الموقف الاميركي يشهد تراخيا في الموضوع السوري، لكان اسهل على الموقف الاوروبي ان يشهد التبدلات التي اوحى بحصولها.
يعتقد بعض المراقبين ان هذه المواقف اعيد ترتيبها لتصب في خانة ما سبق ان قاله الاميركيون عن استحالة قيام تحالف موحد ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” يجمع كلا من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والمواجهة التي تقودها روسيا انطلاقا مما تردده ادارة الرئيس باراك اوباما ان اهداف روسيا في سوريا ليست مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية”، بل مساعدة الاسد على البقاء. فإزاء عدم قدرة الرئيس الاميركي على ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وربما عدم رغبته في ذلك وامتناعه عن اعطاء ورقة للرئيس الروسي بقيادة تحالف يصب في نهاية الامر في مصلحة ابقاء الاسد، فإنه يلتزم المحافظة على موقفه من الحرب السورية. وربط الدول الاوروبية الانفتاح على التعاون مع جيش النظام برحيل الاسد يبرر تاليا عدم إمكان التعاون مع موسكو في هذه المرحلة، ما دام هدفها هو الابقاء على الاسد وليس الحرب على “داعش”، فيما لا تزال وجهات النظر متضاربة في شأن الحل السوري وما اذا كان ينبغي ان يعتمد بيان جنيف الذي يتضمن وجود مرحلة انتقالية في سوريا، إطارا للعملية السياسية وفق ما ترى الدول الغربية مع الولايات المتحدة، ام هو بيان فيينا الذي تتمسك به روسيا ومعها ايران، علما ان هذا البيان لم يتحدث عن عملية انتقالية بل عن بداية عملية سياسية تفضي الى دستور وانتخابات تطالب روسيا وايران بان يترشح لها الاسد.
في اي حال، فإن الموقف المبدئي من التعاون مع جيش النظام يثير في الواقع تساؤلات من زاوية ان هذا الجيش نفسه ليس قادرا على مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية،” إذا صح انه يواجهه ولا يواجه المعارضة السورية، ويعود ذلك الى مبرر واقعي مفاده انه لو ان هذا الجيش لا يزال قادرا فإنه لم يكن ليستعين بداية بايران والميليشيات العراقية واللبنانية وسواها من اجل انقاذ العاصمة السورية من أيدي المعارضين. فالمسؤولون الايرانيون لم يخفوا ان تدخلهم ساهم في انقاذ نظام الاسد من الانهيار. وما لبث ذلك ان سرى ايضا على التدخل الروسي العسكري المباشر الذي لم يحصل إلا من اجل انقاذ النظام ايضا واعادة الاعتبار اليه بعد تراجعه المخيف وعدم قدرة ما تبقى من جيشه على المواجهة. فلو ان جيش النظام لا يزال قادرا لما حصلت التدخلات الايرانية ثم الروسية، علما ان من بقي من هذا الجيش لم يعد يمثل الشعب السوري، وبات مقتصرا على فئات محددة. يضاف الى ذلك ان انفتاح الدول الاوروبية وسواها على التعاون مع جيش النظام بعد رحيل الاسد، سيكون امرا طبيعيا من دون حاجة الى تبرير.
أين السعودية في الخلاف الروسي-التركي؟
موناليزا فريحة/النهار/2 كانون الأول 2015
التقارب السعودي – التركي واضح منذ تسلم الملك سلمان السلطة في المملكة. واعلان أنقرة أخيراً عن عملية مشتركة ضد الارهاب مع الرياض في سوريا ليس الا آخر مظاهره. ولكن في الخلاف الروسي – التركي ثمة اعتبارات سياسية واقتصادية أخرى لدى المملكة. في الاعلام انتقادات لاذعة يوجهها كتاب سعوديون الى موسكو. ويبني هؤلاء مواقفهم تحديداً على التهديدات الروسية المبطنة التي وردت في صحيفة “البرافدا” المقربة من الكرملين والتي تحمّل الرياض، مع قطر وتركيا، مسؤولية اسقاط الطائرة الروسية في سيناء. ويحمل هؤلاء أيضاً على دعوة مستشار سابق للرئيس الروسي إلى استهداف مواقع عسكرية ونفطية في السعودية وقطر. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أطلق ناشطون ، بينهم سعوديون، حملة للتضامن مع تركيا بعد الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها موسكو في حقها جراء اسقاط أنقرة طائرة حربية روسية خرقت أجواءها. وركز المغردون عبر هاشتاغ دعم _ البضائع _ التركية على وجوب وقوف جميع العرب الى جانب أنقرة في هذه الظروف، فيما دخل آخرون على الخط وأدلوا بتصريحات مناقضة تنتقد دور تركيا. وكان لافتاً انقسام المغردين السعوديين تحديداً فريقين، من يتعاطفون مع تركيا واصفين خصومهم بـ”روسيات بوتين”، ومن يقفون ضدها ويلقبون خصومهم بـ”حريم السلطان”. في الاعلامين الافتراضي والواقعي دعم سعودي لافت لتركيا، في نزاعها مع موسكو. وبعيدا من هذا الخلاف أيضاً، تجمع السعودية وتركيا أهداف مشتركة لا تتقاسمانها مع موسكو، وتحديداً في الملف السوري الاكثر تقاطعاً بين العواصم الثلاث. هذا وتستمر الحرب النفطية بين موسكو والرياض، وباتت الاسواق الاوروبية ساحة جديدة لها. ومع ذلك، لا مؤشرات قطيعة بين الرياض وموسكو . لا بل على العكس، جاء اعلان صندوق الاستثمارات في البلدين عن برنامج استثماري لإنشاء وتدشين مشاريع مشتركة بقيمة 10 مليارات دولار ليشكل أكبر استثمارات أجنبية في تاريخ الصندوق الروسي. وأعلن وزير الطاقة الروسي أن موسكو والرياض قد تناقشان أسعار النفط في السوق العالمية منتصف كانون الاول الجاري. وسط هذه الصورة المتأرجحة، جاء الموقف الرسمي الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في شأن النزاع التركي – الروسي محايداً، إذ اكتفى بالتعبير عن ثقة السعودية بقدرة روسيا وتركيا على التعامل “بكل حكمة واتزان” مع حادث الطائرة. الواضح أن الرياض تتعامل مع حادث الطائرة على أنه أزمة بين أنقرة وموسكو، وربما بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، أكثر منها أزمة بين خصم وحليف. فعلى رغم غياب الثقة بين موسكو والرياض، يعكس موقف المملكة في الازمة الاخيرة حسابات اقتصادية وسياسية ليس أقلها الدور الروسي في تحجيم النفوذ الايراني في سوريا.