سليمان فرنجية: امتحان أم حل؟
باسم الجسر/الشرق الأوسط/08 كانون الأول/15
بروز اسم سليمان فرنجية كمرشح للرئاسة في لبنان، وببادرة من الرئيس الحريري، شكل حجرًا كبيرًا ألقي في مستنقع الأزمة الرئاسية اللبنانية، لم تقتصر مفاعيله على تمويج سطح المستنقع، بل حركت الرواسب الراقدة في قعره. فالتحالفات السياسية – الوطنية (14 آذار – 8 آذار)، والحسابات والرهانات الحزبية، اهتزت نوعًا ما. كما برزت من جديد حزازات وانفعالات قديمة أضيفت إلى المحنة الوطنية التي يعانيها لبنان. لقد اعتبر البعض ترشيح سليمان فرنجية من قبل الرئيس الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط «ضربة معلم» تغلق الباب نهائيًا بوجه العماد عون وتوفر مخرجًا من أزمة شغور الرئاسة الأولى وتحل عقدة «الرئيس القوي» أو «الرئيس الأكثر تمثيلاً للمسيحيين»، (أو «الرئيس الكبير» كما طلع علينا بهذه التسمية، مؤخرًا، صهر الجنرال ورئيس التيار الوطني الوزير باسيل). إلا أنه يبقى دون انتخاب فرنجية قبول أو موافقة الزعماء الموارنة الثلاثة غير المطعون بتمثيلهم المسيحي والماروني، ونعني: الدكتور جعجع والجنرال عون ورئيس حزب الكتائب. وأيضًا وخصوصًا حزب الله. وحتى الآن – أي بعد أيام من بروز ترشيح فرنجية، لم يبدر عن هؤلاء الحلفاء والأخصام أي موقف علني أو نهائي بالنسبة لهذا الترشيح.
بطبيعة الحال، هناك نواب تيار المستقبل وكتلة «14 آذار» الذين لهم دور في تسهيل أو تصعيب انتخاب رئيس حزب المردة. فقبولهم بانتخابه لا ولن يغير موقفهم السلبي من النظام السوري ومن سلاح حزب الله ومشاركته في الحرب الأهلية السورية. فسليمان فرنجية هو وريث صداقة عائلية عريقة مع آل الأسد، وحليف للتيار العوني ولحزب الله، أي لأخصام «14 آذار». فهل يسلمون رقبتهم إليه دون شروط أو ضمانات؟ وهل يعني انتخابه – أو يؤدي – إلى انتصار فريق «8 آذار» وإيران وسوريا في لبنان؟
لا شك في أن الرئيس الحريري وجنبلاط والجهات التي ترى في انتخاب فرنجية حلاً لمشكلة الشغور الرئاسي وخطوة عملية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، فكرت طويلاً في مخاطر هذه المجازفة قبل أن تقدم عليها. كما لا شك في أن سليمان فرنجية يدرك تمامًا أنه في حال وصوله إلى الرئاسة لن يحكم كحزبي ممثل لـ«8 آذار» بل كرئيس لكل اللبنانيين. أي بالتعاون مع فريق «14 آذار» وتيار المستقبل والرئيس الحريري. ناهيك بأن الدستور اللبناني حدد بوضوح دور رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية وفي تطبيق اتفاق الطائف، وهي تختلف عما كانت عليه في عهد جده. (وهنا لا بد من التساؤل عن جدوى المطالبة بـ«رئيس قوي» أو «رئيس يمثل المسيحيين»، طالما أن الدستور والميثاق يحتمان على رئيس الجمهورية أن يمثل كل اللبنانيين وأن يطبق اتفاق الطائف؟). سؤال آخر: بماذا يتميز سليمان فرنجية عن الجنرال أو أمين الجميل أو الدكتور جعجع، في أداء الدور المطلوب من الرئيس اللبناني، وفاقيًا وميثاقيًا ودستوريًا اللهم سوى أنه قد يكون أقل عداوة لنظام الحكم السوري أو أكثر انفتاحًا على أفكار أو مبادئ فريق «14 آذار»؟ وأن انتخابه قد يجنب لبنان تداعيات الحرب الأهلية السورية على لبنان. في الواقع هناك طريقان أمام لبنان واللبنانيين؛ فإما انتظار حسم الحرب الأهلية – الإقليمية – الدولية المحتدمة في سوريا والعراق واليمن وليبيا واحتمال امتداد نيرانها إلى داخله، وإما تحصين أنفسهم بانتخاب رئيس للجمهورية وقيام حكومة اتحاد وطني والنأي بالنفس عن حرائق المنطقة، وإما بترك الأمور تجري في أعنتها ودفع ثمن فراغ وشلل المؤسسات العامة.
إن اختيار فرنجية رئيسا قد يفتح الباب على الاحتمال الأول. ومن حسناته أنه يجعل اللبنانيين يستعيدون زمام حكمهم وربما تقرير مصيرهم. وتعزيز السلطات الدستورية الحاكمة. يبقى هناك عامل أو بعد شخصي لترشيح فرنجية لم يتطرق إليه المحللون كثيرا وهو نوع «زعامة» آل فرنجية السياسية التي تختلف عن الزعامات المارونية الأخرى. فمنذ قبلان فرنجية ونجليه حميد وسليمان الجد اتصفت مواقف العائلة الوطنية والسياسية بطابع وطني لبناني استقلالي ميثاقي وعروبي صاف وبعيد عن صغائر الحزازات الطائفية. وأستشهد هنا بما قاله لي حميد فرنجية يوما – وكنت برفقته في زيارة لمصر -: «الفرق بيني وبين بعض خصومي هو أنني واضح وصادق في مواقفي وحريص على تنفيذ ما أعد به.. بينما غيري قد يكثر من الوعود ولا ينفذ إلا القليل القليل منها عند وصوله إلى الحكم». ولا شك في أن هذه السمعة بل هذا التراث الوطني السياسي الذي ورثه سليمان فرنجية كان من أهم مشجع للذين راهنوا على انتخابه لإخراج لبنان من محنته الدستورية بل الوجودية.
مؤتمر الرياض والبحث عن بديل للأسد
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/08 كانون الأول/15
هذه أول محاولة جادة لرسم مستقبل سوريا، وهو أول مؤتمر للمعارضة السورية يعقد برغبة رسمية دولية، منبثقا عن مؤتمر فيينا الأخير ورعاته، بمن فيهم الروس. في الرياض يجتمع ممثلون لمختلف الألوان، مدنيون وعسكريون، سنة وعلويون ودروز ومسيحيون، وبالطبع يغيب عنه أهم اللاعبين، مثل «داعش» و«جبهة النصرة». والمطلوب من المجتمعين الاتفاق، حتى يتم البدء في تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، تدير البلاد لمدة عام ونصف، تفتح بعدها صناديق الاقتراع. مؤتمر الرياض الخطوة الأولى لإقناع المعارضة بالسير في مشروع الحل السلمي، الذي يفترض أن ينهي سلطة بشار الأسد، ويحشد الدعم الدولي لتنظيف البلاد عسكريًا من ميليشيات إيران و«داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية. ومع أن غاية المؤتمر تبدو خرافية، والمهمة تعجيزية، إلا أن على المعارضة أن تفكر بعقلها. وليس كل المشاركين في «الرياض» اليوم هم من المنتمين للمعارضة الحقيقية للنظام، بل نرى على القائمة شخصيات تسمي نفسها «معارضة مستقلة»، ونحن نعرف أن بعضها محسوب على إيران ونظام بشار الأسد. وقد توحي «المرونة» في قائمة المدعوين، بضم محسوبين على إيران، بأنها من مقتضيات التوافق الذي اشترطه مؤتمر فيينا الأخير، وطلب من السعودية تنظيم مؤتمر المعارضة. وأتوقع أن يلعب فريق إيران هذا دور حصان طروادة في لقاء الرياض، لإفشال التوافق المأمول، بإطالة الجدل وتخريب المؤتمر. وقد لاحظنا أن إيران حرصت في مؤتمر فيينا على ألا تقول: «لا» لفكرة حكومة بديلة للأسد، التي لا تعني إبعاده، بل تقليص صلاحياته، في نظام مشابه لنظام العراق، حيث إن لرئيس الجمهورية صلاحيات محدودة جدًا، ولرئيس الوزراء والبرلمان سلطات أكبر. وهنا التحدي أكبر أمام قوى المعارضة الحقيقية، ليس فقط في التوصل إلى تفاهم بينها، بل أيضًا عدم الانزلاق في لعبة التخريب التي يحملها ممثلو إيران، المتنكرين في زي المعارضة.
أما لماذا على المعارضة، وفي مقدمتها «الائتلاف الوطني»، الانخراط في مشروع التغيير الجزئي، فهو، للسبب نفسه الذي تلعبه إيران، تخريب المشروع الإيراني الروسي، القائل بأن المعارضة أعجز من أن تتفق على أن تكون بديلاً للأسد. لو نجحت المعارضة في الترفع عن خلافاتها، وتوصلت إلى حلول عملية لتشكيل الحكومة، فإننا سنصل إلى ساعة التنفيذ، وستتم محاصرة الطرح الإيراني، ومن المتوقع أن تخرج روسيا من تحالفها الحالي. ولا يوجد شيء تخسره المعارضة لو اتفقت وتعاونت من أجل التسريع بتنفيذ مقررات فيينا، أما إن تناحرت وفشلت فإنها ستخسر، لأن الدول الكبرى ستقرر بالنيابة عنها غدًا.