الغاضبون كثر
إيلـي فــواز/لبنان الآن/11 كانون الأول/15لم يكد لقاء الرئيس سعد الحريري للوزير سليمان فرنجية، وإمكانية ترشيح الأول للثاني، يخرج إلى الإعلام، حتى غضب كثيرون. لجمهور اللبناني العريض هو أول الغاضبين. فسليمان فرنجية قد يكون زعيماً زغرتاوياً، وهو ما يستسيغه أهالي زغرتا وهذا جيّد. وقد يكون رجلاً يلتزم بالوعود التي يقطعها، وهذا جيد أيضاً، لكن فرنجية رئيساً لا يلبّي طموح الشباب اللبناني. فالرجل يمارس السياسة من منطق عشائري، وهو لا يمتلك من الثقافة أو حتى الكاريزما ما يغوي فيه اللبنانيين. لكن في جمهورية يعمل فيها ساساتها على أنّها ظرفية يقدّر لفرنجية أن يحلم بكرسي بعبدا حتى لو كان الرأي العام معارضاً للفكرة.الغاضبون الآخرون هم جمهور السنّة، لما لفرنجية من مواقف مؤيّدة للرئيس السوري بشار الأسد. وهذا الغضب ليس بحاجة الى تفسير. ميشال عون هو الآخر غاضب، إذ أنه يعتبر أن سليمان فرنجية أقدم على فعل “الخيانة العظمى” عندما قرر أن يجتمع بالحريري في باريس من دون إطلاعه، وهو العضو في تكتله. غاضبٌ أيضا بأن يصار تفضيل رئاسة فرنجية على رئاسته هو، مع أن الأخير متقدّم عليه بولائه لسوريا الأسد وفي عدائه المبدئي للحريرية السياسية من أيام الشهيد رفيق الحريري. وأخيراً هناك غضب قد يكون غير مبرر على انتقاء رئيس الجمهورية من قبل المسلمين وتحديداً من سعد الحريري. وكأن الحريري غير معني بأحوال الرئاسة ومآلها. الغاضب الآخر هو سمير جعجع الذي يعتبر مفاجأة تسوية الحريري فرنجية “طعنة من حليفٍ في الظهر”. وهو ما شعر به سابقاً تيار المستقبل عندما تبنّى جعجع مشروع قانون الانتخاب “الأرثوذكسي”، والذي يعتبر أهم من الرئاسة الأولى إذ هو تأسيس للسلطة وتوجهاتها.على كل الأحوال تسويق فرنجية رئيساً له ربما أسبابه غير المعروفة من الجمهور العريض، أو ينطلق من قراءة استراتيجية مختلفة دفعت بالمتحمسين لها لتبنيها. ذا التسوية تجري على وقع تطورات المنطقة الدراماتيكية – والتي قد تكون مرحلية – والتي يمكن تلخيصها موضوعياً بالتالي:
هناك شبه إجماع دولي على بقاء الأسد في المرحلة الإنتقالية بما أن الأولوية لدى الغرب تكمن في محاربة الإرهاب، وبالتالي وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى دوله. وهناك دعوة لمشاركة المعارضة مع الجيش السوري في محاربة داعش، ما يعني الإعتراف بالاسد شريكا في محاربة الإرهاب، وبالتالي الاعتراف مرحلياً وجود كانتون علوي محاذي للبنان ووقف إطلاق النار عليه. وهناك أيضاً الاعتراف بمنطقة نفوذ كردية محاذية لتركية، ناهيك عن الضغوط التي تتعرض لها الدول الداعمة للمعارضة من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل رفع أي دعم إن لم يكن موجّها حصرًا بمحاربة داعش. هذا يعني أن الأسد نجح بمساعدة حلفائه بالبقاء على بقعة جغرافية كلّفت دماء كثيرة من أجل ان تبقى منطقة نفوذ ايرانية. أما الداخل اللبناني فهو يعاني اقتصادياً واجتماعياً، ولا حاجة لأرقام الاقتصاديين من أجل تأكيد خطورة الوضع. لى هذا المشهد يطلّ سعد الحريري، وهو يكاد لا يفهم موجة الغضب عليه إزاء كل خطوة يقوم بها. ربح الانتخابات النيابية عام 2009 وفي ذروة الانتصار مدّ يده للفريق الآخر. فغضب الناس. ترأّس الحكومة وذهب لمقابلة الرئيس الأسد. فغضب الناس. زيح من الحكومة بانقلاب القمصان السود، فبادر بعدها الى حوار حزب الله فغضب الناس. حاور عون غضب البعض. حاور فرنجية غضب البعض الآخر.وكأنّ هناك من يريد أن يتجاهل أن الحوار هو نهج يتّبعه الرجل منذ أن ولج العالم السياسي اللبناني. الحريري لا يريد مواجهة دموية مع حزب الله، ولا يريد تجييش الطائفة السنّية على الطائفة الشيعية. ولو كلّفه هذا الأمر النفي والابتعاد عن السلطة. الحريري يريد إنقاذ الطائف من الانهيار. يريد حماية السلم الأهلي، وتهدئة هواجس سنّة لبنان، ومنع انهيار مؤسسات الدولة. هو لا يملك ميليشيا أو جيشاً لدعم هذا التوجه. يملك فقط الحوار مع الأخصام حتى لو غضب كثر. اول الرئيس الحريري، من منطلق قراءته الخاصة للأمور، فلم يماشه حلفاؤه. هكذا قد تكون طويت صفحة تلك المبادرة – تماماً كما طويت صفحة القانون الأرثوذكسي- وهي تبقى محاولة لم يتخطَّ فيها الرئيس الحريري حلفاءه حتى الساعة بإعلان تبنّيه ترشيح فرنجية، ولم يتعامل معه الحلفاء إلا من منطلق سياسي، حيث إنّ رفضهم لفرنجية رئيساً له مبراراته. حاول الحريري. رفض الحلفاء، فهل لديهم بديل؟
الحريري – جعجع
حـازم الأميـن/لبنان الآن/11 كانون الأول/15
إذا كان صحيحاً أن تسوية فرنسية- إيرانية- سعودية أُبرمت، وأن سليمان فرنجية هو الرئيس الذي وقع عليه الاختيار، فإن القول إن الصفقة هي جزء من توافق أوسع يشمل مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد لا يبدو صحيحاً. وربما صحّ حرف هذا الافتراض قليلاً بحيث يُصبح أن وصول فرنجية إلى قصر بعبدا يهدف إلى تسهيل المهمة الإقليمية عبر طمأنة “حزب الله” ومن خلفه إيران إلى أن التضحية بالأسد لن تكون بمثابة هزيمة للحزب وللخيار الإقليمي الذي يُمثله. لفارق بين الافتراضين كبير. الأول يعني أن مجيء فرنجية سيكون تعويضاً عن رحيل الأسد، والثاني يعني أن مجيئه هو جزء من جهد يهدف إلى إقناع حلفائه بانعدام الحاجة إليه لحماية مواقعهم. الافتراض الثاني أكثر واقعية في ظل مشهد يبدو واضحاً فيه أن الخلاف الدولي والإقليمي حول مستقبل بشار الأسد مستمر، ولا أثر لإشارات صلبة على تنازلات روسية وإيرانية على هذا الصعيد. لصفقة بشقها اللبناني أُبرمت على ما يؤكد خصوم سليمان فرنجية قبل حلفائه. وعلى المرء أن يراقب منذ اليوم الهزات الارتدادية لانعقادها. أجواء الرابية بدأت تتعامل ببراغماتية مع الصفقة، هذا ما يمكن أن يستنتجه المرء عند مصادفته نواب التيار العوني. ويبدو أن العقدة اليوم في معراب، ذاك أن الخيوط المحلية للصفقة ما زالت غير واضحة. وبينما تولى “حزب الله” تخريج التوافق على فرنجية مع حليفه الجنرال ميشال عون، لا يبدو أن سعد الحريري كان طرح على نفسه مهمة مشابهة مع حليفه (السابق) سمير جعجع. ن يأتي سليمان فرنجية رئيساً فإن الأمر يعني كثيراً لقطبي التمثيل الماروني عون وجعجع. وصول الحليف الأصغر لعون إلى قصر بعبدا يُهدد تصدره تمثيل المسيحيين في 8 آذار كما يُهدد مستقبل الورثة إذا لم يكن مسبوقاً بتسويات على “حزب الله” أن يُنجزها، ووصول خصم تاريخي لجعجع إلى قصر بعبدا يعني هزيمة للأخير إذا لم يكن مترافقاً مع ضمانات كان من المفترض أن يُساوم الحريري عليها. مة مؤشرات كثيرة إلى أن شيئاً حصل في الرابية، وأن عون بدأ عملية استيعاب ما جرى، والأرجح أن لـ”حزب الله” دوراً في ذلك. ومرة أخرى خطا رئيس تيار المستقبل خطوة ناقصة بأن استبعد حليفه عن الصفقة، وهذا سيعني حكماً موتاً متكرراً للحلف الذي ضمهما، ناهيك عن خسارته (الحريري) حليفاً سيكتشف أنه في أمس الحاجة إليه في عهد الرئيس العتيد. لكن الأهم من هذا كله هو أن التسوية حولت لبنان إلى جسر لتسهيل مهمتها غير اللبنانية، وهذا يعني أن فشل التسوية، وهو احتمال راجح، لن يترافق مع قدرة على التراجع عن الثمن الذي دُفع في لبنان. أي هزيمة للحريري ولمن يُمثل إذا ما بقي بشار رئيساً في سوريا، وسليمان فرنجية رئيساً في لبنان، بينما أوكلت الحكومات اللبنانية مهمة إلغاء الحدود لـ”حزب الله”؟ سعد الحريري سوف يحتاج لجعجع بحال صار فرنجية رئيساً