الرئاسة قبل قانون الانتخاب ؟
علي حماده/النهار/15 كانون الأول 2015
تباطأت “التسوية الرئاسية” او تعطلت بعدما تبين ان عواملها لم تكتمل بعد. ربما كان العامل الاقليمي أساسيا في عرقلة التسوية اكثر من التقاء قوى مسيحية كبيرة على رفضها لاسباب مختلفة. وربما كان “حزب الله” قائد معسكر قوى ٨ آذار، يؤثر تأخير أي حل على مستوى ملء الشغور الرئاسي، أملا بتحصيل أكبر قدر من المكاسب، مستندا الى تقديرات أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات كبيرة لمصلحة ما يسمى “محور الممانعة” على مستوى موازين القوى في سوريا. وانطلاقا من هذه القراءة، قد يرى البعض في الحزب المذكور ان اوان التسوية الرئاسية في لبنان لم يحن بعد، وان التنازلات التي يقدمها الفريق الآخر، ولا سيما “تيار المستقبل” اليوم يمكن البناء عليها في المستقبل لانتزاع تنازلات اكبر، كانتزاع قانون انتخاب يقضم قدرا مهما من قوة “تيار المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي، الاول باعتباره القوة الرئيسية التي تمنع على الحزب احكام سيطرته كاملة على البلد، والثاني على اساس انه لا بد ان يأتي وقت لا تعود المناورات في الهوامش المقبولة بين الاضداد كافية لارضاء قوة “كاسحة ” تعتبر ان الوقت حان للمواقف الواضحة غير القابلة للتأويل. قد يكون مفتاح التسوية الذي يجعل “حزب الله” يركن الى ان لبنان صار في الجعبة، دفن قانون الانتخاب الحالي المبني على قانون 1960، وفرض قانون انتخاب يقوم على النسبية في بلد شديد الانقسام مذهبيا وسياسيا، حيث يتداخل الوجهان المذهبي والسياسي بشكل كامل. من الناحية المبدئية، قد يمثل القانون وفق النسبية ، او حتى القانون المختلط مناصفة بين الاكثري والنسبي، مدخلا حقيقيا لتجديد الدم السياسي في لبنان، وإفراز قيادات جديدة بعدما بلغ النظام السياسي حد الاختناق بفعل التوريث السياسي البغيض احيانا كثيرة . لكن المعضلة التي يواجهها لبنان هي الانقسام المذهبي، وحال الصدام المذهبي – السياسي العنيف، معطوفا على امتلاك جهة حزبية مذهبية سلاحا ومالا وفيرا يمكنها عمليا من “ضبط ” ناخبها كما تبتغي، ويسمح لها باحداث اختراقات خطيرة في البيئات الاخرى.
ان لبنان مطيف الى اقصى الحدود، والهدوء الذي تشهده البلاد لا يعكس الحقيقة المخبأة خلف الواجهة: الاحقاد، والهواجس، والحالات التآمرية هي سمة العلاقات بين البيئات اللبنانية المختلفة، و حزب الله” كحزب طائفي، مذهبي مسلح توسعي وعدواني النزعة يفاقم هذه الحالة المرضية إلى ابعد الحدود . من هنا فإن من يطرح قانون انتخاب جديد قائم على النسبية في بلد كلبنان مقدمة لانتخاب رئيس جديد يكون كمن يقول للبنانيين: “ممنوع انتخاب رئيس”. لنكن اكثر صراحة : ما دام “حزب الله” ذلك التنظيم المذهبي المسلح التوسعي والعدواني، فالقانون الوحيد المانع لسقوط البلاد بيده نهائيا هو القانون الحالي مع كل مساوئه. هذا اذا بقيت مرجعيتنا اتفاق الطائف!
يرضى عون بفرنجية.. ولا يرضى الفرزلي؟
جورج بكاسيني/المستقبل/15 كانون الأول/15
الملاحظة التي استوقفت رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عن «الصمت المريب لجبهة الممانعة التي لم تفسر لنا لماذا تعترض على انتخاب (النائب) سليمان فرنجية».. استوقفت كثيرين من اللبنانيين، سياسيين ومواطنين، من ضفّتي 14 و8 آذار. وإذا كان «الصمت» يحتمل التأويل، أو هو على الأقل لم يرقَ إلى مرتبة الرفض، فان «الاعتراض» الذي بلغ حدود «الهستيريا» لدى بعض الممانعين أثار علامات استفهام هي بالفعل تحتاج إلى «تفسير». ذلك أن وسائل إعلام «الممانعة» تعاملت مع المبادرة المتعلقة بدعم فرنجية، منذ البداية، بوصفها «مؤامرة» أو «انتصاراً» لفريق الرابع عشر من آذار، أو تيار «المستقبل» على الأقل، مع العلم أن هذه «المبادرة» اقترنت منذ انطلاقتها بخلفية «التسوية» التي تعني على الطريقة اللبنانية أن «لا غالب» فيها سوى الدولة ومؤسساتها، ولا «مغلوب» سوى الفراغ الذي يحاصر الموقع الرئاسي الأول منذ عام ونصف عام، ومعه مجلس النواب والحكومة. كما أن الشكوك التي أطلقها صحافيو الممانعة في المقابلات التلفزيونية أظهرت ولو بصورة غير مباشرة كما لو أن النائب فرنجية ينتمي إلى فريق الرابع عشر من آذار، فيما كالوا المدائح لرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون وبـ«ثباته» على مواقفه «الممانعة» وبحيثيته التمثيلية لدى المسيحيين التي لا يضاهيه فيها أحد. حتى إذا حاول أحدهم التدقيق في موقف حزب الله «الصامت» إزاء هذه «المبادرة» من خلال مواقف الإعلاميين المقرّبين منه (ووسائل الاعلام) خرج بمزيد من الانطباعات الغامضة بين مؤيّد «المبادرة» ورافض لها». وإذا كانت كتلتا «الوفاء للمقاومة» و «التنمية والتحرير» التزمتا الصمت، الذي خرقه رئيس مجلس النواب نبيه بري وحده بموقف ذكّر فيه بأن النائب فرنجية هو أحد المرشحّين الاربعة «الأقوياء» الذين تم تصنيفهم في بكركي، فان تكتّل «التغيير والإصلاح» ومحطته التلفزيونية وإعلامييه، بالإضافة إلى مناصريه من السياسيين، شنّوا حملات شعواء ضد المبادرة وإن تجنبّوا في أغلب الأحيان استهداف فرنجية. ولعلّ أبرز هذه الحملات التي عبّرت خير تعبير عن مقاصدها جاءت على لسان نائب رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي، زائر الرابية الدائم (كل سبت)، في مقابلته التلفزيونية الخميس الفائت مع الزميل مارسيل غانم. بدا ما أعلنه أقرب إلى «الكاريكاتور» منه إلى الموقف، حسب مشاهدي الحلقة، التي تحولّت إلى نصف عمل مسرحي بممثّل واحد، فيما لعب الزميلان غانم (مدير الحلقة) وعلي حمادة (المشارك فيها) دورهما الحقيقي. استعان الفرزلي بكل طاقاته المزمنة ليُنجِح «دوره»، بما في ذلك تقلّبات صوته (هبوطاً وصعوداً) وحركة يديه وجسمه، حتى إذا ملأت عيناه المستنفرتان الشاشة عاد إلى الوراء قليلاً إفساحاً في المجال أمام المشاهدين لرؤية الخشبة. بدا «ملكياً» أكثر من الجنرال.. إلى حدّ بدا للمشاهدين أنه وإن وافق عون على انتخاب فرنجية رئيساً فإن الفرزلي لن يقبل. هكذا باختصار حدد نائب رئيس المجلس الأسبق «شروطه» لانتخاب رئيس، موحياً للمشاهدين أن «كلمة السر» معه، وكذلك «الثوابت» المسيحية بوجوب تمثيل المسيحيين خير تمثيل التي «لن يزيح» عنها قيد أنملة وكأن من خطف تمثيل المسيحيين من خلال التعيين العام 1991 كان شخصاً آخر، وكذلك بـ«الانتخاب» في الدورات المتلاحقة حتى دورة العام 2000 بناء على قوانين انتخاب مفصّلة على القياس كان شخصاً آخر أيضاً. ملاحظة «وحيدة» فاتت الفرزلي وهي أن المشاهدين لم ينسوا، ومن دون مراجعة أرشيف المجالس النيابية منذ دورة 1992 حتى دورة 2000، أن في «أيام الفرزلي» لم يصل نائب واحد (نائب واحد على الأقلّ) إلى المجلس النيابي من الممثّلين الحقيقيين للمسيحيين الذين يدافع عنهم اليوم، أي التيار «الوطني الحر» وحزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، وأن الفرزلي وزملاءه هم الذين احتلوا مقاعد هذه القوى أثناء المقاطعة للانتخابات والمشاركة في آن، وأن القوى المشار إليها لم تأخذ مكانها في البرلمان وفي الحكومات إلا بعد العام 2005. أما المشاهدون فلم تَفُتهم ملاحظة أخرى وهي أن «المشهد» الأخير من الحلقة المتعلّق بدفاع الفرزلي عن رئيس حزب «القوات» الدكتور جعجع، «استعراض» نادر لم يسبق له مثيل لا في أعمال «بوشكين» ولا «هاملت»، حيث شارفت شرايين عنقه الاختناق وهو يسعى إلى إثبات أحقية ترشيح جعجع للرئاسة بوصفه «الزعيم» بين مسيحيي 14 آذار.
صَدَق وليد جنبلاط بقوله: «جهلي يزداد جهلاً».¬