لبنان تحت احتلال حزب الله
أحمد عدنان/العرب
نُشر في 20/12/2015
حزب الله يضع فيتو على نصف المسيحيين ولا يقبل بغير الرئيس التابع الذي يبدو ظاهريا رئيسا قويا.
استمعت مؤخرا إلى ما صرح به رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل عن فشل النظام السياسي، آخرون غير الجميل تحدثوا سرّا وعلنا عن فشل النظام اللبناني، ومنهم ما يسمى بحزب الله وتابعه الجنرال ميشال عون، لكن أدوات محور الممانعة تتحدث بصيغة أخرى، فشل اتّفاق الطائف، أو هضمه لحقوق المسيحيين، أو انحيازه لمصلحة السنة، مما يستوجب مراجعته أو نسفه وتبديله.
هناك حقائق لا بد من استذكارها، في 12 يناير 2011 تآمرت قوى 8 آذار وأسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري، وقع اختيار حسن نصرالله على نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة، وكل ذلك رغما عن إرادة السنة، صرح ميشال عون تصريحه الحقير والشهير “ون واي إيكيت، وخلاص ما بقى يشوفها” مقصيا زعيم السنة الأول.
في 22 مارس 2013 قدم الرئيس نجيب ميقاتي استقالته من رئاسة الحكومة، لم يتمكّن السنة من إعادة زعيمهم أو الإتيان برئيس حكومة قوي، فكانت التسوية على النائب تمام سلام، كان يفترض في هذه الحكومة أن يتولّى أشرف ريفي وزارة الداخلية لكن فيتو حزب الله منع ذلك، وتمّ تعيين النائب نهاد المشنوق بعد استبعاد النائب جمال الجراح في اللحظة الأخيرة.
مع أي خرق لاتفاق.. فتش عن حزب الله
ممارسات حزب الله ضدّ السنة امتداد لما فعله البعث السوري ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وضد المسيحيين، قام حافظ الأسد باغتيال رينيه معوض وداني شمعون بعد اغتيال بشير الجميل.
نفى ميشال عون واعتقل سمير جعجع، شباب العونية والقوات اكتنزت بهم سجون جميل السيد، البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كان مادة الهجوم على ألسنة وسائل الإعلام الموالية لغازي كنعان أو ألسنة نوابه وعلى رأسهم من يسمى اليوم مرشحا وسطيا أو توافقيا، جان عبيد، ولن نتحدث هنا عن اختطاف المسيحيين وعلى رأسهم بطرس خوند، ولن نتحدث عن آلاف المفقودين في السجون السورية وعلى رأسهم آلاف المسيحيين.
هل انحاز اتفاق الطائف للسنة أو ظلم المسيحيين؟ هذا غير صحيح، اتفاق الطائف حوّل النظام اللبناني من رئاسي إلى برلماني، أو من شبه رئاسي إلى شبه برلماني، لم تنتزع صلاحيات رئيس الجمهورية، بل تغيّر دوره من حاكم إلى حكم، والمطالبة باستعادة صلاحيات الرئيس غير منطقية لأن تلك الصلاحيات من أسباب الحرب الأهلية، والأولى هو تمكين الحكم من أداء دوره بمنحه حق حل البرلمان أو حل الحكومة إضافة إلى إلغاء المهل الدستورية التي تسيء لمقام الرئاسة، والمطالبة بهذه الإصلاحات الإجرائية لمصلحة الدولة، بالدرجة الأولى، وليست حقوقا مسيحية، والحقيقة أن انتخاب زعامة مسيحية بشعبية عريضة ستجعل هذه الإصلاحات الإجرائية واقعا من دون الحاجة إلى تعديلات دستورية.
إذن، تغيّر دور المسيحي الأول، وكل المسيحيين لم تمسّ حقوقهم كمواطنين ولم تتغير حياتهم كجماعة، وبالتالي فالمزايدة على اتفاق الطائف مسيحيا ليس له معنى.
هل جعل اتفاق الطائف من السنة طائفة مستبدة ومهيمنة أو جعل النظام اللبناني سنيا؟ هذا غير صحيح البتة، فصلاحيات رئيس الجمهورية ذهبت لمجلس الوزراء مجتمعا، المشكل بتوازن من كل الطوائف، وليس لرئيس الحكومة، في عهد الوصاية السورية كان هناك حيز محدود للسني الأول (رفيق الحريري) من الممنوع أن يتجاوزه. لم يرد الحريري انتخاب إميل لحود أو التمديد له، لكن القرار البعثي كان صارما، تم إقصاء رفيق الحريري من الحكم لمصلحة سليم الحص، تم التشنيع عليه في إعلام الممانعة، وفوق ذلك تم اغتياله واستشهد معه صديقه المسيحي باسل فليحان.
رصاصات حزب البعث وقنابل حزب الله لم ترحم السنة والمسيحيين، وليد عيدو ووسام الحسن ومحمد شطح سنة، ومن تيار المستقبل تحديدا، ومن المسيحيين اغتالوا بيار الجميل وجبران تويني وسمير قصير وانطوان غانم، حاولوا اغتيال الدرزي مروان حمادة ومن حسن الحظ أنهم فشلوا. وهنا الفرق بين جماعات الإرهاب السلفية وجماعات الإرهاب المنتسبة زورا للشيعة، فالإرهاب السلفي يقتل الجميع وعلى رأسهم السنة، أما الإرهاب الإيراني فهو الأقل استهدافا لطائفته.
هل كان رفيق الحريري حاكم لبنان الأوحد زمن الوصاية السورية؟ هذا غير صحيح أبدا، كان الحاكم الاستراتيجي للبنان هو حافظ الأسد ثم ابنه بشار، الأمور التنفيذية تقاسمها رفيق الحريري مع وليد جنبلاط ونبيه بري بمعرفة حزب الله، في هذه التركيبة حضر مسيحيون، كإلياس المر وإلياس الهراوي وسليمان فرنجية، أي أننا نتحدث عن المحور الذي ينتمي إليه عون اليوم، لا يمكن تحميل الحريري مسؤولية الدّين العام من دون محاسبة الجميع، ومن يزايد في موضوع الدّين العام لا بد أن يزايد أيضا على انهيار الليرة المسؤول عنها أمين الجميل.
لقد أثبتت حكومة سليم الحص الأخيرة أن إعمار لبنان ما كان ليتم بغير طريقة رفيق الحريري رغم كل الانتقادات التي نالتها وكل الظروف التي فرضت عليها. هل السنة يمنعون وصول رئيس مسيحي قوي؟ هذا غير صحيح مطلقا، فمن اختار إلياس الهراوي وإميل لحود هو حافظ الأسد. ميشال سليمان رشّحه سعد الحريري وأجمع عليه اللبنانيون، ومن ممارسته ثبت أنه رئيس قوي. رشح تيار المستقبل ضمن قوى 14 آذار د. سمير جعجع الذي لا شك في قوته السياسية والشخصية والشعبية والمسيحية. تفاوض تيار المستقبل مع الجنرال ميشال عون الذي أيضا لا شك في قوته النيابية.
والمستقبل على وشك المبادرة بترشيح ثالث أو رابع الأربعة الأقوياء الذين اعتمدتهم بطريركية الموارنة، النائب سليمان فرنجية، ومهما اختلفنا على التسوية، إلا أنها دليل ناصع على أن السنة ليسوا ضد الرئيس القوي، فما نراه أن ما يسمى بحزب الله هو العدو الأول للرئيس القوي، إذ لم يتفاوض ولم يتحاور ولم يعترف بسمير جعجع أو أمين الجميل، وإذا افترضنا أن 14 آذار قررت المضي بعون أو بفرنجية من خارج معسكرهم هذه المرة، هل سيقبل حزب الله برئيس قوي من خارج معسكره في المرة المقبلة؟ قطعا لا.
إذن ما يسمى بحزب الله يضع فيتو على نصف المسيحيين ولا يقبل بغير الرئيس التابع الذي يبدو ظاهريا رئيسا قويا، وخطورة تسوية الحريري-فرنجية إنها ستكرس مقام الرئاسة من حصة حزب الله وليس حصة المسيحيين.
هل تآمر السنة تاريخيا وسياسيا على المسيحيين كما يروّج إعلام الممانعة والموقع الإلكتروني للعونيين؟ هذا غير صحيح إطلاقا. قرار إدخال الفلسطينيين إلى لبنان اتخذ في ظل نظام رئاسي. كان صاحب القرار النهائي هو رئيس الجمهورية وليس رئيس الحكومة السني. اتفاق القاهرة عمل عليه رئيس الجمهورية وقائد الجيش، وهما ليسا من السنة. صادق على الاتفاق في البرلمان كل النواب المسيحيين والمسلمين باستثناء ريمون إده. قرار استدعاء السوري إلى لبنان بدأ من الجبهة اللبنانية التي تضم أقطاب الموارنة. جاء الفلسطينيون والسوريون إلى لبنان بغرض ابتلاعه. للأسف انخرط أغلب المسلمين في مشروعهم لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، ومن حسن الحظ أن المسيحيين تمكنوا من المحافظة على لبنان، بعد اتفاق الطائف وضعت حكومة لحود-الحص قانون الألفين بينما أقرت حكومة الرئيس السنيورة قانون الستين الذي كان مطلبا مسيحيا.
هل حزب الله وفيّ للجنرال عون؟ هذا ليس توصيفا دقيقا، لاحظت أن سجعان قزي وزير حزب الكتائب وغيره يستخدمون هذا المصطلح، حزب الله والجنرال عون يعطّلان الدولة. والخلط بين المعايير الخاصة والعامة نوع من الجهالة والتسطيح.
تعطيل الدولة جريمة وليس مقبولا تغطية ذلك بسبب شخصي حتى لو كان الوفاء، بنفس هذا المنطق سنقول إن حزب الله اغتال رفيق الحريري وبيار الجميل وجبران تويني وفاء لبشار الأسد وإيران. ولو افترضنا أن حزب الله وفيّ، فهذا ليس مجانيا، حاجة ما يسمى بحزب الله إلى عون أكبر من حاجة عون إلى حزب الله، فلولا غطاء عون للحزب لأصبح كل لبنان ضد الحزب الإلهي الإرهابي، وهنا سؤال آخر: هل مباركة حزب الله لاستبعاد صهر الجنرال شامل روكز من قيادة الجيش نوع من الوفاء؟ هل لو صوّت حزب الله لسليمان فرنجية سيظل وفيّا؟
تعرض سنة لبنان لغير افتراء انبرت لترويجه أبواق الممانعة البعثية-الإيرانية، فأصبح الرئيس الشهيد رفيق الحريري لصا طائفيا وهو من بنى لبنان، في وسائل التيار “الإيراني” أصبح مصطلح “داعش” مرادفا لتيار المستقبل في إشارة مبطنة لجمهور السنة.
هاجم الممانعون السنيورة ثم الحريري وميقاتي وأخيرا سلاّم، وهذا ما سيفعلونه إزاء رئيس الحكومة المقبل حتى لو كان وجيه البعريني، فالقضية عند حزب الله وأتباعه ليست استهداف شخص رئيس الحكومة، إنما استهداف الطائفة السنية مقدمة لاستهداف لبنان، ويقوم الجنرال عون بتغطية الاحتلال الإيراني للبنان وبتشريع إرهابها ضد الدولة وضد السنة، وهذا ما يستدعي وحدة السنة وتماسكهم تحت قيادة قوية كمقدمة لوحدة قوى 14 آذار.
نظام الطائف ليس سنيا ولا يعطي أيّ امتيازات للسنة، والدليل على ذلك نفي زعيم أكبر كتلة سنية، ولا يمكن أن يعود إلى رئاسة الحكومة من دون تسوية مذلة، تعطيل الحكومة والبرلمان والرئاسة يتحمله حزب الله بقهر السلاح. عون مجرد ديكور سياسي وطائفي لاحتلال لبنان من حزب الله. السياسة ربح وخسارة، إذا اشتم ما يسمى بحزب الله أيّ خسارة فإما التعطيل وإما إرهاب. 7 أيار، السنة أو قوى 14 آذار لا يعطلون ولا يقتلون إنما يستشهدون فقط، السنة غير مقتنعين برئيس الحكومة والمسيحيون غير مقتنعين بمسار الرئاسة، والحزب الإلهي هو الراضي والمرتاح بخصوص رئاسة مجلس النواب والتعطيل والتعيينات والتمديد وكل شيء.
اتفاق الطائف لم يفشل رغم عيوب التطبيق وبعض الثغرات، وهو يتعرض لتعطيل ممنهج وإفشال متعمد لإعلاء سطوة الميليشيا على منطق الدولة، والحقيقة أن أيّ صيغة مستقبلية لن يكتب لها النجاح في ظل سلاح حزب الله، أي أن المشكلة ليست اتفاق الطائف أو أهل السنة، إنّما السلاح غير الشرعي ومنازعة الدولة في حق احتكار الإكراه المشروع وقراري السلم والحرب، هذا هو خطاب 14 آذار لكن المشكلة أن أغلب أحزاب 14 آذار نسيت قيم 14 آذار.
صحافي سعودي