ترتيب أوراق التسوية السورية .. بالسكين
وليد شقير/الحياة/01 كانون الثاني/16
قد يكون المراهنون على أن يكون العام 2016 هو عام التسويات السياسية في المنطقة، لا سيما للأزمة السورية، على حق، لكن ما هو صحيح أيضاً أن هذه التسويات تتطلب ترتيب أوراق القوى الدولية والإقليمية المعنية بهذه التسويات. وهذا يحتاج حكماً إلى أن تعمل السكين التي فعلت فعلها طوال السنوات الخمس الماضية في سورية (وسائر الدول التي اجتاحها العنف إثر الربيع العربي)، مسببة المزيد من الدماء والمآسي والدمار وتمزيق النسيج الاجتماعي والتغييرات الديموغرافية. وإذا كان قرار مجلس الأمن الأخير رسم أفقاً للحل السياسي في سورية، فإن محاولة ترتيب أوراق هذا الحل تطلبت غداة صدوره المزيدَ من العنف والقتل والمجازر. فكل نقطة من نقاط القرار تخضع لخلاف بين القوى الدولية والإقليمية على آلية تطبيقها. وأظهر البند المتعلق بتحديد وفد المعارضة الذي سيتولى الذهاب إلى المفاوضات والبند المختص بتحديد المنظمات الإرهابية التي لا يشملها وقف النار المزمع إعلانه في تلك المفاوضات مع النظام، أن الأمر يحتاج إلى اغتيال قائد «جيش الإسلام» زهران علوش بغارة روسية على مقر قيادته. وبرهن مؤتمر الرياض لتوحيد قوى المعارضة، أن موسكو ومعها إيران ونظام بشار الأسد غير راضين على الوفد الذي تشكل في هذا المؤتمر إلى درجة إنكار وزير الخارجية الروسي واقعة أن معارضة الداخل والخارج توحدتا في رسم الصيغة التفاوضية بينما تعتقل مخابرات بشار الأسد معارضي الداخل لمجرد نيتهم السفر إلى الرياض، على رغم التوافق الأميركي- الروسي على أن يتولى الجانب السعودي توحيد المعارضين من أجل التفاوض.
وإذا كان السعي الدولي من أجل التسوية في سورية أخذ زخمه من التدخل الروسي فيها في النصف الثاني من 2015، لأن موسكو تنوي تثمير ما عدلته في ميزان القوى الميداني بعد أن كاد نظام بشار الأسد يتهاوى، فإن 2016 سيظل يشهد محاولات تصحيح هذا الميزان من فريقي الصراع الدائر في بلاد الشام وعليها، بالتوازي مع مساعي الحل السياسي. ولا يعني ذلك سوى أننا سنشهد محطات يبدو فيها أن جهود الحل تتقدم، ومحطات أخرى تنبئنا بأن السكين ستعمل في الخرائط والبشر لإخضاع التفاوض لمنطق الميدان.
على رغم أن موسكو خطت خطوة إلى الأمام بتخليها عن الفيتو في مجلس الأمن، يصعب تصور ترتيب جدي للحل السياسي في ظل تصاعد الصراع الروسي- التركي في سورية وعليها. وتستحيل رؤية بوادر الحل في ظل تعدد أشكال تدخل الدول في الأزمة الأكثر دموية في التاريخ الحديث، فقيام التحالفات تحت عناوين محاربة الإرهاب أو السعي إلى التسوية السياسية بوجود بشار الأسد أو بتنحيه، دليل على استمرار التباعد العميق بين الدول في شأن مفهومها للإرهاب والقوى الإرهابية، ولتصورها للتسوية. وفي داخل كل محور تفتقد الدول المعنية وحدة الأهداف تحت مظلة التحالف بينها: يتطلب الأمر وضع ضوابط للتنافس التركي- العربي في ما يخص الدول التي تنضوي تحت سقف العمل من أجل تغيير جوهري في النظام السوري ودور دمشق الإقليمي. وهذه هي حال التحالف الإسلامي الجديد لمحاربة الإرهاب الذي يفتقد توحيد الأهداف والمصالح بمقدار أهمية انعكاس نشوئه على عملية استعادة العرب موقعهم، سواء في الصراع الدائر أم في أي صفقة. كما يحتاج التقدم في التسوية إلى أن تتمكن موسكو من الحد من نفوذ طهران ودورها لتستقيم العملية السياسية المستحيلة إذا لم تشمل إعادة سورية إلى الحظيرة العربية.
وإذا كان العنصر الجوهري في كل الجهود للحل في سورية هو التوافق الأميركي- الروسي، فإن التقارب بين الدولتين العظميين لا يشمل التفاهم على دور إيران. موسكو ما زالت تعتمد على دور طهران المباشر في القتال في سورية، مع أن تدخلها أكل من النفوذ الإيراني. وواشنطن تسعى إلى الحد من توسع طهران الإقليمي انطلاقاً من سورية. ين التعقيدات الكثيرة التي تقف في وجه الحل السياسي في سورية، بدءاً بالعوائق التي سيضعها نظام بشار الأسد، مروراً بتناقض المصالح الإقليمية، يبدو العام 2016 فسحة زمنية لواشنطن من أجل تطويع الموقف الإيراني مع صفقة تتناول المنطقة برمتها، انطلاقاً من سورية. وتبين أن ما قاله الأميركيون والإيرانيون عن أن الاتفاق على النووي مع طهران لا يشمل الأزمات الإقليمية، هو الصحيح، خلافاً لمخاوف القلقين من أن يهدر الاتفاق مصالحهم. فيما تربط طهران تسهيل الحلول في سورية بأوراق نفوذها في المنطقة برمتها، وتتجه واشنطن إلى تقليص هذا النفوذ وتمتنع عن رفع العقوبات في حقها المتعلقة بما تسميه «تهديدها استقرار جيرانها في الإقليم ودعمها للإرهاب»، وتنوي التشدد في مراقبة تنفيذها اتفاق الحد من برنامجها النووي، كيف يمكن القيادة الإيرانية أن تسهل التسوية في سورية؟
النكبة السورية وفشل الإسلاميين
أسعد حيدر/المستقبل/01 كانون الثاني/16
سوريا هي النكبة الثانية بعد نكبة فلسطين. مهما تطوّرت الحروب في سوريا وكيفما مضت، فإنّ سوريا التي نعرفها انتهت. أيضاً العراق الذي كان أصبح في خبر كان، واليمن لم يعد يأمل بأن يكون سعيداً، فقد انتهى. يمكن أن يُقال إنّ المؤامرة كانت أكبر منّا، لكن هذا لا يكفي ولا ينتج حلاً. البداية الاعتراف بالمسؤولية المباشِرة لشعوبنا وقوانا وأحزابنا وخصوصاً جيوشنا التي خُصِّصت لها الأموال بديلاً عن التنمية لتحرير فلسطين، فكان أن اغتصبت السلطة مراراً وتكراراً، ولم تترك سوى الدمار من الحجر إلى البشر. حتى «الربيع العربي»، تحوّل إلى «شتاء سيبيري» لا يعرف أحد كيف سينتهي – بالتقسيم على مثال «سايكس بيكو» أو أسوأ، أم بتقسيم طائفي ومذهبي يتشكّل فوق بحار من الدماء والأحقاد؟ «داعش» أشعل الكثير من الحرائق. قبله رمت قوى حزبية داخلية وقوى خارجية أطماع بعضها خارجة من الثأر أو من طموحات متشكّلة من قوّتها ومن ضعفنا. حالياً عالمنا العربي مساحة مفتوحة لصراعات مكشوفة بين روسيا وأميركا وفرنسا وإيران وتركيا نحن فيها في موقع الدفاع. لا يكفي الآن ومن أجل إبقاء جذوة الأمل مشتعلة، الاكتفاء بالسؤال لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ السؤال الحقيقي والواقعي هو ما العمل؟
«داعش» لم يأتِ من فراغ. كان كامناً في مجتمعاتنا. في اللحظة التي أصبح فيها طلب السلطة يتم من تخوين الآخر وتهميشه وقمعه وإهماله، يُضاف إلى ذلك تجويع كل مَن لا يكون جزءاً من مافيا السلطة سواء بالبطالة أو في عدم البناء، والإبعاد. كل ذلك حوّل عالمنا العربي إلى «أرض خصبة لزراعة الشوك وليس الورد». «داعش» لا يختصر الإسلاميين. «داعش» تغذّى من فشل الإسلاميين وأحزابهم، لذلك ليست اليوم «كبش فداء» كما يتساءل بعض المتنورين من الإسلاميين، وإنّما هي تدفع ثمن أخطائها وخطاياها. في العراق الذي كان غنياً جداً وأصبح فقيراً بحاجة للقروض، الأمن غائب، والدولة مستباحة، والتصدّي للفساد شعار والبطالة هي السائدة. القوى الإسلامية الشيعية من حزبية ومن سياسيين جعلت العراقيين شيعة وسنّة يترحّمون على صدام حسين. بدل أن تعمل القوى الحزبية الشيعية على إعادة بناء العراق، التزمت وعملت على الثأر من السنّة، وكأنّهم مسؤولون عن سياسة صدام حسين. مشكلة الشيعة العراقيين الذين وطنيتهم كانت أكبر من مذهبيتهم أنهم «استزلموا» للمذهبية الإيرانية وأصبحوا خاضعين للجنرال قاسم سليماني. أمّا السنّة العراقيون فإنّهم جنحوا نحو التطرّف وانزلقوا بسرعة حتى ساد «داعش» بكل تطرّفه الخارج من مجاهل التاريخ. في قلب كل ذلك، انّ القوى الإسلامية شيعية كانت أم سنّية فشلت في إدارة شؤون الدولة العراقية لأنّها أرادت السلطة ولم تتثقف ولم تعمل من أجل الدولة وبنائها. أمّا في سوريا، فإنّ «التصحير الأسدي» للحياة السياسية أنتج قوى سياسية إسلامية وغير إسلامية لم تحاول أصلاً صياغة برنامج سياسي ورؤيا اجتماعية واقتصادية تخوض على أساسه الثورة بحيث يستسهل الأسد طرح الخيار بينه وبين «داعش» خياراً وحيداً بين الموت ذبحاً بالسكين أو «بالبراميل المتفجّرة» حالياً، وغدا بين التخلّف الأسود أو الصمت وكأنّ سوريا ليست لهم ومنهم. أمّا في لبنان المتنوّع، فإنّ عدم اختراق «كرات النار» لحدوده، إنّما يعود إلى إرادات خارجية وليس لتوافق بين قواه الداخلية. المأساة انه بدلاً من أن يحترق لبنان بالنار فإنّه يختنق بالفراغ. مهما قيل عن أسباب هذا الفراغ، فإنّ «حزب الله» وإيران حاضنته الشرعية، يتعاملون مع لبنان الحاضر من منطلق ما العمل في ظلّ التحوّلات والمتغيّرات القائمة والقادمة؟ «حزب الله» الذي كان حزباً واعداً، تحوّل إلى ميليشيا في خدمة السياسة المذهبية الإيرانية في سوريا واليمن. أيضاً «حزب الله» يعاني «أمراضاً» مشابهة لباقي القوى والأحزاب الإسلامية. لم يقدم الحزب حتى اليوم برنامجاً سياسياً – اقتصادياً يمكن البناء عليه بالاتفاق مع باقي القوى. اهتم الحزب بـ»شودرة» المجتمع الشيعي أكثر بكثير من هذه المهمّة التاريخية. إلى جانب ذلك، فإنّ محاولة «الحزب« اللعب في «ملعب» الكبار، قد استنزفه. مهما حرصت إيران على حمايته ودعمه فإنّ ربحه محدود وخسارته مفتوحة، خصوصاً إذا خسرت إيران أو تغيّرت. ما يحصل الآن أنّ واشنطن وموسكو المتفاهمة مع إسرائيل، «قضمتا» من نفوذ الآخرين. في العراق عاد الأميركيون بقوّة، خصوصاً إلى الجيش العراقي. عندما يتمسّك سليماني بالمالكي إلى درجة قهر العراقيين من الطبيعي أن يلجأ العراقيون إلى «أحضان» الأميركيين. أمّا في سوريا فإنّ موسكو قضمت من نفوذ إيران و»شهيّتها» مفتوحة. القضاء على «داعش» قادم. القوى والأحزاب الإسلامية لن تستفيد من هذا الحل لأنّها أكدت أنّها بجهلها واكتفائها بشعار «الإسلام هو الحل»، ومن ثم تحوّلها إلى «بندقية» وانتحاريين في خدمة مشاريع الآخرين، قد فقدت طويلاً من حقوقها في العمل من أجل المستقبل، ما لم تقبل فعلياً بوجود الآخرين، وإسقاط المذهبية سواء كانت سنّية أو شيعية فعلاً لا قولاً.
القرار 2254 سكة للحل.. والعبرة في تفسير البنود
ثريا شاهين/المستقبل/01 كانون الثاني/16
يشكل صدور القرار 2254 حول الحل في سوريا محطة مفصلية في الأزمة السورية، وارتياحاً الى التمكن من إصداره من قبل كافة الأطراف الدولية والإقليمية المهتمة بالموضوع السوري والمؤثرة على الأرض هناك والتي بدأت تشعر بضرورة ايجاد حل وعدم القدرة على الاستمرار في تكبد خسائر من جراء الأزمة.
مصادر ديبلوماسية، تؤكد أن الترقب حالياً هو لمسار تنفيذ القرار، لأنه لا يمكن إغفال الصعوبات التي تحيط بذلك، إنما أهميته في أن الأطراف الدولية والإقليمية التي كانت متباعدة حول الحل، ولا سيما الولايات المتحدة والخليج وتركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى، توافقت على خارطة طريق مشتركة بينها حول سوريا. وهذا جيد، وإن بقيت هناك نقاط عالقة، أبرزها مصير الرئيس السوري بشار الأسد، والتي تحتاج الى مزيد من الدراسة. القرار أيضاً وضع روزنامة حل تأمل الأطراف بالتقيد بها زمنياً. وتشير المصادر الى أن الترقب يركز على وقف النار وإمكان نجاحه، وعلى ما إذا كان التفاوض بين المعارضة والنظام نهاية كانون الثاني سيكون جدياً. وبالتالي، الجدية تتوقف على الموقف الروسي وما إذا كانت موسكو ستضغط على النظام لإبراز الجدية المطلوبة، والالتزام بالقرار 2254. وزير خارجية النظام وليد المعلم يقول بحكومة وحدة وطنية، وليس بهيئة حكم انتقالي. وليس واضحاً إذا ما كان هذا الكلام، بمثابة موقف تفاوضي أم لا. إنما إذا لم يحصل ضغط روسي جدي فإن التفاوض لن يحرز تقدماً فعلياً، وستفضي المفاوضات الى ما آلت إليه محادثات جنيف السابقة. هناك تخوف من أن يبدأ النظام بالقول في المفاوضات انه هو الشرعية ويجب على كل الأطراف تسليم سلاحها مع ما يعني من القبض على زعماء المعارضة ووضعهم في السجون. لذا السؤال «هل سيكون هناك مرحلة انتقالية فعلية برضى النظام وبضغط جدي روسي؟»، وكذلك «هل ان كل الأطراف في سوريا سيتم الضغط عليها للتوصل الى وقف نار فعلي، والى تنفيذ كل مقتضيات القرار؟».
في موضوع الانتخابات الرئاسية، هناك تساؤلات ذات صلة بآلية إتمام هذه الانتخابات، وكيف يمكن ضبط نزاهتها، وكيف يتم اشراك السوريين خارج سوريا ووفق أية آلية وأين، وكيف ينتخبون في السفارات التي لا تزال تابعة للنظام فهل هي ستنخبهم وما الضمانة في ذلك؟ لذا إذا لم يكن هناك ضغط روسي أيضاً، فإن العملية تكون فاشلة. وعلى الرغم من التوافق الأميركي الروسي حول القرار، إلا أن الطرفين لا يزالان على خلاف حول مصير الأسد. روسيا تقول إن الشعب السوري يقرر مصيره في ضوء الانتخابات. الولايات المتحدة تعتبر انه من الضروري أن يكون الأسد قد رحل بنهاية المرحلة الانتقالية.
وتفيد مصادر ديبلوماسية أن هناك رهاناً على الانتخابات ستكون المخرج الملائم لرحيل الأسد، وهي مخرج من الشعب. فإذا حصلت الانتخابات فإن الأغلبية الشعبية السورية هي سنية ولن تنتخب الأسد. والأسد يأخذ ذلك بالاعتبار، ما يجعله يعيد النظر بترشحه. وليس من جهة تعتقد، أنه سيترشح مرة جديدة، ما يعني ان الشعب السوري هو الذي سيعطي الحل في هذه المسألة. والانتخابات يفترض أن تحصل بعد سنة ونصف السنة من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي. الروس يعتقدون أن الحل سيسير، لكن هناك صعوبات، إنما يبقى الأمل بالتنفيذ.
المهم في الفترة الفاصلة عن بدء التفاوض السوري السوري، تشكيل وفد المعارضة، واعداد لائحة التنظيمات الارهابية التي لن تشمل سوى «داعش» و»النصرة». وهذا يعود الى أن زيادتها من قبل أي طرف لتنظيم يدعمه الطرف الآخر، سيُقابل بتسمية التنظيم الذي يدعمه الأول.
فعندما طرح الأميركيون أن تتضمن اللائحة الحرس الثوري الإيراني، طرحت إيران أن تتضمن وكالة الاستخبارات الأميركية. وعندما طُرح تضمينها «حزب الله»، طُرح في المقابل تضمينها «جيش الإسلام» وغيره من التنظيمات المعارضة.
من بين النقاط غير الواضحة في القرار لدى التنفيذ، صلاحيات هيئة الحكم الانتقالي، ودور وصلاحيات الرئيس السوري في هذه المرحلة. الجميع وافق أن يبقى خلال هذه المرحلة، لكن ماذا سيحصل بالأجهزة الأمنية والمخابرات؟ فهل كل ذلك متروك للتفاوض؟ وبالتالي، كل بند من بنود روزنامة الحل يحتاج الى تفسير وسيتم عبر التفاوض برعاية دولية، لأن كل واحد منها تلزمه آلية تنفيذية ونوايا صادقة وضغوط فعلية. المهم الآن أن هناك سكة للحل، مع الإشارة الى أن القرار لم يأتِ على ذكر مصير الأسد.