الخليج العربي.. وتحديات 2016
خيرالله خيرالله/العرب/03 كانون الثاني/16
من كان يعتقد أن الدول العربية في الخليج غير قادرة على التأقلم مع المتغيّرات الداخلية والإقليمية والدولية تعرّضت حساباته لنكسة. على العكس من ذلك، أظهرت دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية قدرة كبيرة على التكيّف مع الواقع والتعاطي معه بذهنية جديدة تماما تأخذ في الاعتبار الحاجة إلى اعتماد روح المبادرة قبل أيّ شيء آخر. وفّرت أحداث العام 2015 أكثر من دليل على أنّ هناك وضعا جديدا في منطقة الخليج فرضته ظروف محدّدة من بينها السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، وهي سياسة قد لا تكون مرتبطة بشخص باراك أوباما ونظرته إلى الشرق الأوسط فقط. هناك بكلّ بساطة إدارة أميركية تختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط وأزماته بالملفّ النووي الإيراني من منطلق أن تسوية هذا الملفّ ستوفر مكانا في كتب التاريخ لأوّل رئيس أسود للولايات في المتحدة. كذلك فرضت هذا الوضع السياسة التوسّعية لإيران التي تراهن أساسا على إثارة الغرائز المذهبية من جهة وعلى كونها سيطرت على العراق ولبنان وعلى قسم لا بأس به من سوريا فضلا عن سعيها إلى تحويل اليمن لمجرّد مستعمرة من مستعمراتها من جهة أخرى. ما لا يمكن تجاهله أيضا، في باب التحديات، السياسة الروسية الهجومية التي يقودها فلاديمير بوتين الذي يسعى إلى إظهار بلاده قوّة عظمى قادرة على الاستفادة إلى أبعد حدود من لامبالاة باراك أوباما بما يدور في الشرق الأوسط أو الخليج.. أو حتى في أوروبا. ما يعطي فرصة لبوتين كي يتصرّف، بالطريقة التي يتصرّف بها، الميوعة الأميركية حيال ما قامت به روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك السيطرة على شبه جزيرة القرم. كان طبيعيا أن تقدم روسيا على ما أقدمت عليه في سوريا في ضوء وقوف الرئيس الأميركي موقف المتفرّج من أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
إننا قادمون
الأهمّ من ذلك كلّه أن دول الخليج أخذت علما في وقت باكر بأنّ هبوط أسعار النفط والغاز ليس حالة طارئة، بل إن استعادة برميل النفط سعره القريب من مئة دولار سيأخذ وقتا طويلا جدا، هذا إذا عاد إلى هذا السعر في يوم من الأيّام. كان طبيعيا، منذ العام 2013 أن تكون هناك مبادرة خليجية لإنقاذ مصر من براثن الإخوان المسلمين. لكنّ المبادرة الأهمّ جاءت في 2015 من أجل إنقاذ اليمن. كم كان الشيخ محمد بن زايد ولي العهد في أبو ظبي ونائب القائد الأعلى في دولة الإمارات العربية المتحدة على حقّ عندما قال إن التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن “جاء في الوقت المناسب” مشدّدا على “أهميّة المسار السياسي إلى جانب المسار العسكري في اليمن”. ليست “عاصفة الحزم” في نهاية المطاف عملية عسكرية، علما أنّها ذات طابع دفاعي قبل أيّ شيء آخر، لكنّها عملية سياسية أيضا تستهدف إنقاذ اليمن. كلام الشيخ محمّد في هذا الشأن واضح كلّ الوضوح، خصوصا عندما يؤكّد أن “السعودية بقيادة الملك سلمان تتمتع بحيوية وإدراك” للأمور، وعندما يثني على فكرة “إقامة تحالف إسلامي ضد التطرّف”. هذا الكلام عن التعاون القائم بين دول خليجية معيّنة بينها السعودية والإمارات لا يأتي من فراغ. إنّه يأتي من تجربة تقوم على تطوير المجتمعات الخليجية والاقتصاد والمؤسسات والمرافق العامة بهدف بناء دول حديثة. ليس صدفة أن الإمارات كانت في طليعة الدول التي باشرت وضع مواطنيها أمام مسؤولياتهم إن عبر رفع الدعم عن الوقود أو عبر التفكير الجدّي في مرحلة ما بعد النفط، أي مرحلة البحث عن الطاقة البديلة، خصوصا الطاقة النظيفة. ترافق ذلك مع تحسّب باكر لإمكان هبوط أسعار النفط وإيجاد موارد أخرى للدولة بغية المحافظة على مستوى معيشي معيّن للمواطن. اعتاد المواطن على مستوى معيشي معيّن، لكنّ عليه، من أجل المحافظة على هذا المستوى وتحسينه، التكيّف مع المتطلبات الجديدة للحياة، بما في ذلك ضرورة العمل الدؤوب والمنضبط الذي يوفّر للإنسان قيمة فعلية في المجتمع. لم يعد سرّا أن هناك تطوّرا في التفكير الخليجي يأخذ في الاعتبار المستجدّات. وهذا ما ظهر جليّا من خلال الموازنة الأخيرة للمملكة التي أعلن عنها الملك سلمان أخيرا. ما كان للسعودية أن تقدّم على رفع أسعار الوقود بنسبة أربعين في المئة، لو لم تكن هناك نقلة نوعية في اتجاه اللحاق بالركب الذي يسير فيه العالم. هناك عالم جديد وهناك تحديات جديدة لا يمكن مواجهتها بأساليب قديمة تجاوزها الزمن.
ما سها عن بال إيران أن هناك جيوشا حديثة تبنى في الخليج وأن هناك مجتمعات تؤمن بالعلم وبضرورة تطوير البرامج التعليمية
فرض التحدي اليمني نفسه على دول المنطقة وعلى جيوشها التي بات عليها تقديم تضحيات مثلها مثل الجيوش الموجودة في أيّ دولة حديثة والتي لا يقتصر دورها على العروض العسكرية في مناسبات معيّنة. لم يكن هناك مفرّ من مواجهة هذا التحدي اليمني “في الوقت المناسب” على حدّ تعبير رجل من دون عقد هو محمّد بن زايد. لو تأخّرت “عاصفة الحزم”، لكانت إيران ابتلعت اليمن. ما سها عن بال إيران أن هناك جيوشا حديثة تبنى في الخليج وأنّ هناك مجتمعات تؤمن بالعلم وبضرورة تطوير البرامج التعليمية. سها عن بال إيران خصوصا أنّ هناك وعيا خليجيا لخطورة الفكر المتطرّف بغض النظر عمّا إذا كان شيعيا أو سنّيا وأنّ هذا الفكر لا يواجه بالقمع. يواجه مثل هذا الفكر، والممارسات الناجمة، عنه عن طريق تطوير البرامج التعليمية ووضع حدّ للخطاب الديني الذي يحيد عن المسلّمات، على رأسها أن الإسلام دين وسطي يقوم على الاعتراف بالآخر وبكل الحضارات الإنسانية. الإسلام لا علاقة له بـ”داعش” من قريب أو بعيد. هناك الإسلام كدين وهناك “خوارج” ليسوا من الإسلام ولا يمتّون إليه بصلة، على حدّ تعبير الملك عبدالله الثاني، المؤمن بالاعتراف بالآخر قبل أيّ شيء، والذي لم يتردد في الإشارة إلى دور المسيحيين العرب بصفة كونهم “جزءا أصيلا من ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وشريكا رئيسيا في بناء الحضارة والثقافة التي نعيشها وفي الدفاع عن الإسلام منذ معركة مؤتة”. كان العام 2015، عاما في غاية الأهمّية بالنسبة إلى الدول الخليجية. كان عام التحديات الكبيرة التي وجد من يتصدّى لها ويتغلّب عليها. لم يعد سرّا أن في المملكة العربية السعودية قيادة شابة تعمل تحت إشراف الملك سلمان وبناء على توجيهاته. ليس سرّا أن وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان عرف كيف يكون الانتقال إلى المرحلة الجديدة والاستجابة لمتطلباتها في ظل ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها معقّدة. مثل هذه المعرفة التي يمتلكها محمّد بن سلمان المعروف بحيويته تبشّر بالخير وتبشّر خصوصا بالقدرة على تجاوز التحديات الكبيرة التي تعدنا بها السنة 2016 التي أطلت برأسها قبل أيّام قليلة..