التصعيد مأزق “حزب الله”
الـيـاس الزغـبـي
لبنان الآن/09 كانون الثاني/16
ليس رفع العقيرة في السياسة والحرب هو دائماً دليل بأس وقوّة وغلبة، بل يكون أحياناً كثيرة نتيجة حالة ارتباك وضعف ومأزق، وتهويلاً لاستدراج تسوية أو تخفيف عبء.
هذا ما يحصل عمليّاً مع “حزب الله” في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد تبعثر الكثير من أوراقه بسبب تعثّر مرجعيّته في غير ميدان، من اليمن والسعوديّة، إلى سوريّا عبر العراق.
وهناك دليلان ساطعان في الأيّام القليلة الفائتة: مسألة ردّه على اغتيال سمير القنطار، ورفع هجومه على الرياض ثمّ “تيّار المستقبل” إلى حده الأقصى.
في الدليل الأوّل، ألزم السيّد حسن نصرالله نفسه وحزبه، وعلى دفعتين متعاقبتين، الردّ الحتمي، واعداً بشيء جديد من مسلسل “الانتصارات الإلهيّة”، وبما يوحي أنّه سيكون ردّاً “مزلزلاً” كسابق الوعود والعهود. فإذ به يكبّر حجره ولا يضرب، بل يكتفي بعمل فولكلوري في مزارع شبعا (تحت سقف قواعد الاشتباك المدروس)، ويحاول تغطية “الفتّيشة” بتسريب إعلامي عن أنّها أوّل غيث الردّ!
وفي الثاني، خرج بهجوم كلامي لا سابق له على المملكة العربيّة السعوديّة، يظنّ من سمعه أنّ حرباً صاعقة باتت على الأبواب، وبأنّ الخليج بأسره، بل العرب جميعهم باتوا في حكم السقوط العسكري على عتبة الضاحية، أو عتبة قمّ.
وقد أتبع حربه الشاملة هذه بحرب صغيرة محليّة الطابع، تشكّل تفصيلاً في مشروعه العابر للميادين والدول، أوكلها إلى رئيس كتلته النيابيّة محمّد رعد، ورفع فيها سقفين عاليين: منع الرئيس سعد الحريري من العودة إلى لبنان، وقطع دابر النظام اللبناني قبل انتخاب رئيس للجمهوريّة.
للوهلة الأولى، تتهيّب القوى السياسيّة، كما يتهيّب المراقب، أمام هذه التهديدات العالية، ليس فقط لأنّها تأتي من منظّمة مدجّجة ذات سوابق موصوفة في خرق الأصول واجتياح العواصم وإسقاط الحدود والسيادات وشنّ الحروب، بل لأنّها تعبّر عن مشروع أكبر ذي أبعاد امبراطوريّة وقوميّة ومذهبيّة متعدّد الوجوه.لكنْ، سرعان ما تبيّن أنّ حالة عجز تحكم القائمين بهذه الحرب، ما دفع إيران إلى التخفيف من غلوائها تجاه الرياض وتمنّي الوساطة لضبط الأزمة التي أطلقتها بنفسها على خلفيّة إعدام أحد وكلائها الشيخ نمر النمر، وما دفع “حزب الله” إلى محاولة لملمة آثار تصريحاته وتكليف عرّاب حواره مع “المستقبل”، الرئيس نبيه برّي، إعادة محرّكاته لإنقاذ جلسة الاثنين.
قبل فترة طويلة، كتبنا هنا، غير مرّة، أنّ “7 أيّار” وانقلاب القمصان السود وحرب 2006، وكلّ أساليب الاستقواء بالسلاح كانت طفرات من الصعب أن تتكرّر. كانت مرحلة الاعتداد بالقوّة المتصلّفة والأهداف العليا والأحلام العسكريّة واستكانة العرب.
اليوم، يتأكّد أنّ تاريخ هذا الصلف العسكري لن يتكرّر. فالجروح الثخينة في سوريا، وفولكلور “الرعب والردع” مع إسرائيل، وانتهاء صبر العرب، وتحديداً الخليج، على الهيمنة الإيرانيّة، والتضييق الدولي على الأموال “البيضاء” لـ”حزب الله”، كلّها عوامل تغلّ أيدي دعاة الحروب ومحترفي الاستكبار المسلّح.ولعلّ الميدان الوحيد الباقي أمام إيران وحزبها في لبنان هو شدّ الخناق على كرسي الرئاسة في بعبدا. هنا، لا يزال عندهما الثلث الرئاسي المعطّل، بغطاء من بعض أهل الاسترئاس اللاهثين وراء الكرسي بأيّ ثمن.
هذا ما فعلاه مع مبادرة الحريري، وما سيفعلانه مع أيّ مبادرة أُخرى، طالما أنّ الفراغ يعوّض شيئاً من عجزهما في ملفّات كثيرة. يفشلان في مقارعة المملكة و”المستقبل”، فينتقمان من كرسي بعبدا، على عادة جحا مع خالته.
ولذلك، قذَف وكيل أعمالهما في مجلس النوّاب جلسة انتخاب الرئيس شهراً كاملاً، يعيش فيه من يعيش ويموت من يموت، ويقضي الله أمراً كان مفعولا.
والمثير للألم أنّ مأزقهما لا يخصّهما فقط، بل ينعكس على لبنان. وكأنّ قدر هذا الوطن أن يدفع الثمن مرّتين صعوداً وهبوطاً: في حال قوّتهما وفي حال ضعفهما.
ولعلّ ثمن الضعف يكون أخفّ وطأة هذه المرّة، بفعل تعطّل جبروت السلاح، أو انكماشه على الأقلّ.
ما الذي يدفع جعجع لترشيح عون؟
عمـاد مـوسـى
لبنان الآن/09 كانون الثاني/16
في مجلس خاص قيل لمسؤول قواتي كان من أبرز مساعدي الدكتور سمير جعجع: عندما جاء مورفي وخيّركم بين مخايل الضاهر والفوضى رفضتم، وها أنتم تدفعون غالياً ثمنَ رفضكم للضاهر وجودَ الجنرال ميشال عون في فصر بعبدا، فعلّق المسؤول القواتي ممازحاً “لكن مورفي لم يخيّرنا بين الضاهر وعون. لو فعل لاخترنا الضاهر”. كان ذلك قبل ربع قرن. الجميع تغيّر. المسؤول القواتي أصبح ومنذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي في صلب الخط الممانع الذي يقوده “حزبُ الله”. النائب السابق مخايل الضاهر نسي أمر الرئاسة. الجنرال عون نضج فكرياً. إقتنع بنهج المقاومة الإسلامية والإنفتاح على سورية ـ الأسد كخيار استراتيجي.
الثابت الوحيد الذي رافق عون هو ذلك العشق المجنون للسلطة ومهما كان الثمن … حتى لو كان تحالفاً مع حزب “القوات اللبنانية” الذي مُهّد له بإعلان نوايا لم يرَ فيه الجنرال “ضمناً” إلا مقدمة لقبول القوات فيه مرشحاً وحيداً للرئاسة.
من هنا نفهم حماسة رئيس تكتل التغيير والإصلاح قبل أشهر لإجراء استطلاع رأي يضمن تكريسه الأول شعبياً، وبالتالي تكون الرئاسة تحصيل حاصل. فجأة تبخرت الحماسة وما عاد أحد يأتي على ذكر الموضوع.
والمطروح اليوم كعنوان سياسي كبير هو ترشيح الدكتور سمير جعجع لصديقه اللدود النائب ميشال عون رداً على مضي النائب سعد الحريري بترشيح سليمان بك فرنجيه، رغم أن حزب الله وأد المبادرة ـ التسوية قبل أن تتحوّل ترشيحاً رسمياً.
كلام محمد رعد واضح “يجب أن نكون عارفين بما يجري من حولنا، فالمسألة ليست مسألة شخص نسلّمه موقعاً في رئاسة الجمهورية ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد، لأن كل الصلاحيات مصادرة من قبل الشخص الموكل بحفظ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة”.
سليمان شخص. سعد شخص. أما حزب الله ـ وأجمل ما لديه محمد رعد ـ فهو الحزب القائد القائم مقام الدولة المنتدِبة.
الحزب يسمح. يبيح. يرشّح. يضغط. يعطّل. يسهّل وفقاً لأجندة لا يطّلع عليها كثيرون.
إن صحّ أن ترشيح جعجع لعون أبعد من مناورة ومن إجتهادات نوابٍ، فذلك يقود إلى إستنتاجات تبدو غير واقعية.
أولاً : تبني عون برنامج الدكتور سمير جعجع ( 22 صفحة)، أو على الأقل بما يتعلّق منه بمفهوم الدولة وحصرية السلاح والمؤسسات الأمنية والعسكرية واتفاق الطائف. ما أوجب ترشيحه.
ثانياً: وجود اتفاق ضمني بين عون وجعجع يضمن لفريق 14 آذار حصة وازنة وتقريرية في حكومة يرأسها سعدالحريري. على أن يتعهد حزب الله السير بهذا الإتفاق من دون مواربة.
ثالثاً: وجود تعهد مكتوب خلاصته أن عون (وفريقه) يدعم جعجع لخلافته في الرئاسة بعد سنتين أو ثلاث أو ست.
رابعاً : إقتناع القوات متأخرة بأن مثالب الحالة العونية ما هي إلاّ باقة من الفضائل والقيم والرؤى.
الأمر محيّر فعلاً. لجأت إلى أحد الأصدقاء ـ الزملاء سائلاً عن رأيه الصريح علّه ينير طريقي فقال: إن جعجع قد يرشّح عون في حالة واحدة، وذلك عندما يتأكد من انعدام فرص وصول الجنرال إلى قصر بعبدا. إذّاك يرشحه على رؤؤس الأشهاد.