من جريدة المستقبل مقابلة مطولة وشاملة مع النائب السابق سمير فرنجية
11 كانون الثاني/16
حاوره: جورج بكاسيني ويقظان التقي
يدعو النائب السابق رئيس المجلس الوطني المستقل وأبرز قياديي 14 آذار سمير فرنجية إلى التحرك السياسي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية «من أجل حماية البلد» من دائرة العنف الدائر، وبما يحافظ على تجربة «العيش المشترك»، والانفتاح وإدارة التنوع القائم في ظل التشنج الاستثنائي الذي يشهده الإقليم، مؤكداً أن الفتنة السنية الشيعية ستصيب كل اللبنانيين، داعياً المسيحيين وقياداتهم السياسية والروحية إلى بذل كل جهد ممكن لمنع تلك الفتنة، لا سيما وأن لبنان على بعد «كيلومترات من حرب عالمية ثالثة».
واعتبر فرنجية أن 14 آذار كان عليها أن تطلق مبادرة الرئيس سعد الحريري منذ سنة ونصف السنة، والتي قال إنه «لا يمكن مواجهتها بالرفض من دون تقديم بديل عنها«، معتبراً فكرة ترشيح الدكتور سمير جعجع للنائب ميشال عون كبديل عن المبادرة «مزحة ولن تصل إلى مكان».
واعتبر فرنجية أن «حزب الله« لا يريد رئيساً للجمهورية اليوم بانتظار نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية التي تشهد مزايدات حادة بمعزل عن كلام «الأخلاق وغير الأخلاق»، محذراً من أن عناصر تفجير الأوضاع في لبنان «موجودة بالكامل».
ودعا إلى التحرّك من قبل 14 آذار والى تحرّك مسيحي «باتجاه حزب الله والقوى السياسية الفاعلة لمنع هذا الانفجار«. وأشار إلى الحاجة لتموضع سياسي مختلف بعد مبادرة الحريري و«عملياً الانقسام القائم بين 8 آذار و14 صار وراءنا« وهذا يفترض التواصل، مخاطباً اللبنانيين: «إذا لم تبادروا أنتم إلى إنقاذ أنفسكم فإنّ أحداً لن يساعدكم لأن الجميع في العالم مأزوم».
«المستقبل» أجرت حواراً مع فرنجية هذا نصّه:
[ ما هي انعكاسات الصراع السعودي الإيراني على لبنان؟
ـ «التصعيد فاجأ الكل بسرعته وبدا مع ذلك أن أي إمكانية للتواصل انقطعت، ولهذا التصعيد انعكاسات كبيرة علينا في لبنان وعلى كل المنطقة. كنا نقول إن هناك فتنة سنية شيعية اندلعت في كل المنطقة وتذكر بحرب الثلاثين سنة الشهيرة بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا في القرن السابع عشر.. للأسف.. للأسف صرنا بهذه الوضعية».
يضيف فرنجية «هذا الوضع موجود على أرض تشهد صراعاً في سوريا والعراق واليمن.. الخطر يتأتى من كون لبنان كان قدم صورة إلى حد ما مناقضة، صورة تحافظ على نموذج العيش المشترك وهي صورة مهمة جداً: السنّة والشيعة معاً في إدارة شؤون الدولة. وفي حكومة واحدة وفي الحوار القائم، البعض كان ينظر لهذا الحوار بعين النقد، وكنت أقول إن هذه الطاولة الحوارية هي الطاولة الوحيدة، من أندونيسيا إلى المغرب العربي التي يجلس عليها السني والشيعي معاً، «ممكن ما يطلع منها شيء، بس مهم قاعدين مع بعضهم البعض، هذا أمر مهم«. ويستطرد: «خوفي الآن أن لا يعود لبنان قادراً على المحافظة حتى على هذه الصورة.. والكلام الذي سمعناه في الأيام الأخيرة من قِبَل «حزب الله« بمستوياته المختلفة عالٍ جداً و»رايح باتجاه عكس ما سبق»، وحين نتكلم عن صراع سني شيعي، فهذا يطال كل اللبنانيين سنّة وشيعة ودروزاً ومسيحيين ويطال رسالة لبنان، البلد الوحيد في العالم الذي يتشارك فيه الفريقان المتنازعان إدارة بلد واحد ويشاركان في إدارة الدولة نفسها.
أهمية هذا النموذج اليوم، أنه يؤشر إلى مستقبل المنطقة ومستقبل العالم، وتكاد كل مدينة في الغرب أن تكون مهددة بالحرب الأهلية لجهة الجدلية التعددية وهي تشهد ما يشبه الحرب الأهلية المعلقة.
مطلوب جهد من المسيحيين
لمنع الفتنة
[نحن مُلزمون ومحكومون بأن نقدم نموذجاً عن كيفية إدارة هذا التنوع وهذه التعددية. ونشرح للناس أن هذا التنوع هو مصدر غنى وبدونه لا يكتمل الإنسان فينا، لا يكتمل إلا بعلاقته مع الآخر. هذه الرسالة تُضرب الآن، وتتفكك عناصرها ومواردها الرئيسية.
ـ أما أسباب التشنج الاستثنائي الذي تشهده العلاقات السعودية الإيرانية فمردّه إلى ما قبل إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية وله علاقة بمظاهر عدة، وانعكس ذلك التشنج الاستثنائي على السياق المحلي. بدأ التشنج في موقف «حزب الله« من المبادرة الرئاسية التي قام بها الرئيس الحريري بترشيحه النائب سليمان فرنجية، وكان مفهوماً أن هذا الترشيح تم باتفاق ما مع «حزب الله«. وفوجئنا بأن حدث التراجع في موقف الحزب الذي يريد إبقاء قصة الرئاسة معلقة ربطاً بالوضع المعلق في إيران لحين إجراء الانتخابات البرلمانية«.
يتابع فرنجية: «للأسف ما نشهده في الأيام الأخيرة يمثل دفعاً إلى التصعيد ودفعاً للأمور نحو المواجهة المباشرة وهذه نهاية البلد. وأريد أن أقول شيئاً مهماً: من يدفع الأمور إلى المواجهة المباشرة في لبنان سيتسبب بنهاية البلد، وستكون نهاية الفريق الذي يدفع نحو هذه المواجهة. والفتنة السنية الشيعية ستصيب كل البلد، ويضاف إليها وجود مليون ونصف مليون لاجئ سوري، ووجود فلسطيني كثيف، والصورة على ما هي تزداد تعقيداً.. لوين رايحين؟«.
ويضيف: «برأيي مطلوب تحديداً من المسيحيين ومن قياداتهم السياسية وقياداتهم الروحية الإعلان والإعلام الواضح والصريح أن المسيحيين سيبذلون كل جهد ممكن لمنع هذه الفتنة.. هذه أولوية مسيحية مطلقة الآن من أجل مستقبل البلد وليضع المسيحيون صراعاتهم حول رئاسة الجمهورية جانباً، كل الأمور يمكن أن تنتظر منها «ورقة التفاهم«، و«إعلان النوايا« وقانون انتخاب جديد وغيرها.. كله ممكن أن ينتظر.. الذي لا ينتظر هو العمل على منع الفتنة ليضعوا كل أوراقهم الأخرى جانباً، أي حديث أو تصريح يذهب باتجاه الفتنة، أياً كان قائله وأينما كان هو أمر سيئ جداً، وأي موقف لمنع الفتنة وأي تحرك هو أمر هام ومطلوب في هذه المرحلة. ويجب أن نفرز بعضنا نحن اللبنانيين على هذه القاعدة وحول مسؤولية جوهرية يرتبط مستقبلنا بها، وهي الأولوية المطلقة والتي تتقدم على ما عداها«.
[ هل لديكم قلق على حالة الاستقرار أو «النأي بالنفس« والغطاء الإقليمي لها، وهل يكفي الدور المسيحي وحده لفرملة هذا التصعيد؟
ـ «هي مرحلة تشارف نهايتها، مرحلة الاستقرار على نهايتها والدور الأساس مطلوب مسيحياً لفرملة هذا المناخ نحو التصعيد».
لولا وحدتنا لكان الجيش السوري
ما زال ينظّم السير في بيروت
[ هل هذا وحده يكفي أم الدفع نحو تعبئة الفراغ في مؤسسات الدولة كشرط أساسي لتدعيم مناخ الاستقرار؟
ـ «لا شك في أن الدولة لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، وبالشكل الذي هي فيه. ومسألة تحريك عمل المؤسسات والانتخابات الرئاسية هي أمور أساسية، إعادة الحياة إلى كل المؤسسات أمر يشكل إلحاحاً. ولكن الأكثر إلحاحاً هو أننا على بُعد كيلومترات من حرب عالمية ثالثة تدور على حدودنا.. كل الدول الكبرى باستثناء الصين مشاركة في هذه الحرب، وهناك 40 دولة مساندة لها. كيف ستتطور الحرب العالمية وبأي اتجاه «ما حدا عارف«.. وبالتالي مطلوب الحد الأدنى من الحماية الداخلية، وهذه غير مؤمنة بغياب المؤسسات، من هنا أهمية الضغط من أجل أن تعود الدولة لتلعب دورها بحماية البلد.. وأنا أركز على دور القوى المسيحية كونها خارج الصراع المباشر. المسؤولية على المسيحيين كبيرة وكبيرة جداً، والقيادة الروحية عليها مسؤولية في هذا الاتجاه».
[ وقوى 14 آذار؟
ـ «14 آذار لم يعد بإمكانها أن تكمل كما هي، أي أن تواصل سياسة ردة فعل على أفعال الآخرين. منذ فترة طويلة ونحن من دون مشروع ومن دون رؤية وأتكلم هنا عن مشروع كيف ننظر إلى مستقبلنا، وإلى أين ذاهبة الأمور في المنطقة، علماً أن المستقبل ليس ملكنا هو ملك كل اللبنانيين، والمستقبل لن يكون إلا بأيدينا جميعاً ومع بعضنا. في العام 2014 طرحت 14 آذار الانتقال من انتفاضة الاستقلال إلى انتفاضة السلام، لم يحصل شيء على هذا الصعيد، دخلنا في صراعات تافهة مركز نيابي هنا وآخر هناك، وتمثيل وزاري بالزائد والناقص، ودخلنا في صراع أسوأ حول مسألة الانتخابات الرئاسية وكأننا غير معنيين بالبلد ككل«.
ويضيف: «هناك ضرورة لمراجعة أساسية ونقدية في14 آذار والعودة إلى أساسياتها. لنتذكر جيداً تلك اللحظة الأساسية حيث تخطى اللبنانيون معاً ماضي الحروب الأهلية والخلافات والتناقضات ونزلوا مع بعضهم البعض للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان.. كانت الظروف أقسى.. ولولا الوحدة الوطنية ما كان الجيش السوري ليخرج من لبنان، لا بل لولا هذه الوحدة كان لا يزال ينظم السير في بيروت إلى الآن، وأنا أقترح على 14 آذار ثلاث أولويات لتعمل بها:
1 مراجعة لتجربتها ككل، أين هي السلبيات وأين الإيجابيات، أين أصابت وأين أخطأت؟
2 أن تعرض رؤيتها لدور لبنان ومستقبله في هذا الظرف الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة.
3 أن تحدد الخطوات العملية لحماية البلد.
هذه مراحل لمواجهة الخطر الداهم«.
[ في هذا السياق، كيف تقوّمون مبادرة الرئيس الحريري وكيف تصنفونها؟
ـ «أولاً كان مفترضاً على قوى 14 آذار أن تطلق هذه المبادرة منذ سنة ونصف السنة، كان واضحاً استحالة أن يصل مرشح من 14 آذار إلى سدة الرئاسة. كان يلزم إجراء تسوية معينة وتوافق مع الطرف الآخر لانتخاب رئيس للجمهورية، لا نستطيع أن نفرض على الطرف الآخر رئيساً للجمهورية.
الرئيس الحريري طرح مبادرته، مسألة الخلاف على الاسم أو على الشخص أمر مشروع، ومشروع جداً أن تقول الناس إن سليمان فرنجية بإمكانه أن يقوم بمهمة لها طابع خاص في هذه المرحلة، وأن يقول آخرون لا. ولكن لا يمكن مواجهة مبادرة الرئيس الحريري وهي مبادرة محددة بانتخاب رئيس للجمهورية بالرفض هكذا، من دون تقديم بديل عنها… وهذا شيء لم يظهر للآن. بعد شهرين من طرحها لم يظهر بديل. ومنطق ترشيح هذا مكان ذاك لن يوصل إلى محل. لا أرى هذا البديل، «مش مبيّن هالشي».
8 آذار فشلت و14 آذار لم تربح
يضيف فرنجية من جانب آخر «أن هذه المبادرة سواء نجحت أم لم تنجح فهي قد وضعت فريقاً بكامله أمام مسؤولياته وأنا أستغرب كيف يبرر «حزب الله« أمام جمهوره في 8 آذار رفضه لمرشح هو ركن من أركان 8 آذار بذلك الموقف الرافض الذي أطلعنا عليه».
ويستطرد: «الموقف المعلن ومسألة الأخلاق في السياسة أمر مضحك، كيف تذكّر حزب الله «الأخلاق» في هذه اللحظة التاريخية بعد كل الذي حصل في البلد؟ لم يكن أمامه إلا في هذه اللحظة أن يتكلم عن «أخلاقية تاريخية» تجاه ميشال عون، «كل هالقد معتبرين الشباب« في «حزب الله« عدم انتخاب سليمان فرنجية مسألة وفاء لعون، أنا شخصياً أخجل إزاء هذا الكلام الذي سمعته وهم بالتالي يحاولون الاستخفاف بالجنرال عون وكأنه سيصدّق هذا الكلام، الأمر مضحك حقاً، القصة بوضوح تام «حزب الله« لا يريد فرنجية لأنه لا يريد انتخاب رئيس اليوم. والأمر لا علاقة له بالمسألة الأخلاقية تلك».
ويضيف فرنجية «ثمة كلام يجب أن يُقال لـ»حزب الله« بالتحديد، أن الأمور وصلت في البلد إلى الآخر، لا تستطيعون تغيير شيء لا هنا ولا في سوريا، مشروعكم وصل الى نهايته، هو يفشل، ونحن كلبنانيين ونحن تحديداً في 14 آذار لا نريد أن نستفيد من فشلكم، وأنتم لن تستفيدوا من دعمكم لبقاء الأسد، الأسد لن يبقى، دعونا نوفّر علينا وعليكم الكلفة العالية وتفضلوا الى كلام جدّي غير كلام الأخلاق وغير الأخلاق وغير كل الكلام الذي قيل لغاية الآن».
ويشرح فرنجية «بقاء الأسد وتأخير سقوطه مشروع يشارف على نهايته والجانب الروسي هو الذي يستفيد من تأجيل هذا السقوط وليس «حزب الله« ولا إيران. لكن من المهم القول لحزب الله لستم أول طرف يخطئ، غيركم أخطأ أيضاً، دعونا نلتقي على طريقة معينة، طريقة لإنقاذ بعضنا من أجل إنقاذ الوطن. أنا لديّ شعور أن 8 آذار فشلت وبالمقابل لا أقول إن مشروعنا في 14 آذار قد ربح.. السؤال كيف يمكن لملمة أوضاع البلد. إذا قررنا جميعاً تخطي الفتنة، هناك نموذج موجود، اسمه لبنان، الأمور بهذه الحدود».
[ لجهة اقتراح البديل من المبادرة الرئاسية ماذا عن احتمال ترشيح الدكتور جعجع للجنرال عون، هذا يطرح في سياق الرد على المبادرة. هل هذا يشكل برأيكم بديلاً للمبادرة؟
ـ «هذه مزحة، قرار ترشح الجنرال عون ليس عند الدكتور جعجع، قرار ترشيح عون عند «حزب الله«، وعون لن يقبل ولن يتجرأ حتى أن يترشح إلا برضى وموافقة «حزب الله«. ومبادرة الدكتور جعجع لن تصل الى مكان».
ويضيف: «لكن من حق الدكتور جعجع علينا أن نتضامن معه، اليوم، وبعد 10 سنين، سوف نبقى مع بعضنا، ونضمن بعضنا البعض وتحديداً الدكتور جعجع إذا شعر بخوف ما وقلق ما من الاستحقاق بشكل وآخر. مسألة طرح بدائل عن مبادرة الحريري أمر شرعي، شرط أن تكون بدائل حقيقية وليست كلاماً فارغاً بأن نأتي بالجنرال عون».
[ بهذا المعنى ماذا عن 14 آذار بعد المبادرة؟
ـ «المبادرة شكّلت بالشكل صدمة لبعض قوى 14 آذار. لم توضع 14 آذار في أجوائها حتى مرحلة أخيرة وهذا خطأ. كان من الممكن القول من البداية إن هناك أسباباً موجبة وكانت الأمور لتكون مريحة أكثر، أما وقد حصل ما حصل، توحيد قوى 14 آذار لن يتم إلا على رؤية مشتركة، نخرج بها من التفاصيل الصغيرة، كعدد النواب وغيره، لا يمكن أن تكون أولويات بعض قوى 14 آذار في هذه الظروف قانون الانتخاب.. هذا أمر سريالي، العالم حولنا يذهب بكل الاتجاهات ونحو حرب عالمية ثالثة «وبعدو عقلنا مركّز على انتخابات نيابية بعد سنة ونصف، ونائب بالزائد، ونائب بالناقص».
يضيف فرنجية أن «قانون الانتخاب ليس من الأساسيات في هذه اللحظة.. هذه اللحظة هي لحماية البلد، ولحماية وحدة اللبنانيين، ولحماية دور لبنان في المنطقة والعالم، العالم العربي والعالم ككل، العالم كله يعيش تحديات صعبة واستثنائية ودور لبنان كنموذج مهم في إدارة التنوع.
أما الأمور الثانية من قبيل الدعوة الى لجنة لدراسة قانون الانتخاب فلها وقت آخر. لقد لبيت دعوة في الصيف الماضي وسئلت في لقاء عن رأيي بالوضع السياسي في لبنان فأجبت حسب ماذا؟ سُئلت مجدداً حسب ماذا؟ قلت حسب كيف تتطلع الى شمالك أو إلى يمينك.
أي أنك إذا تطلعت الى شمالك القصة الأساسية والحيوية هي مسألة ضابط بلغ سن التقاعد، أما إذا تطلعت إلى يمينك فيواجهك سؤال كبير، هل بدأت الحرب العالمية الثالثة؟ الى هذا الحد نحن في حالة انفصام، هذا بمعزل عن شخص الضابط المعني العميد شامل روكز وهو شخص محترم. كل هذا الواقع السريالي، يمثل حالة انفصام سياسية هائلة، حالة كاريكاتورية سياسية. لذا يجب العودة الى الأساسيات«.
[ الأولوية هي لمرحلة انتقالية تنجز فيها العملية السياسية؟
ـ «قانون الانتخاب ليس أولوية بالتأكيد، والعملية الرئاسية لم تنتهِ، هي معلقة عملياً بانتظار نتائج الانتخابات الإيرانية«.
[ آليات الصراع حالياً هي بين من يريد فك ارتباط لبنان بالمنطقة وبين من يريد ربطه بها؟
ـ «سأكون دقيقاً وضع لبنان مربوط بالمنطقة، السؤال من سيحمي لبنان بتخفيف هذا الربط، أو حدة هذا الربط. لن يفك الربط آنياً. وهناك من لا يهمه تخفيف هذا الربط على أساس أن لبنان بالنسبة الى هذا البعض مجرد ساحة لا أكثر. واللبنانيون الذين يعتبرون أن الحل في الداخل يمكن أن ينتظر إنضاج كل التسويات الإقليمية، ويمكن أن ينتظر الى حيث أن كل الأمور تنتهي في المنطقة. هؤلاء يرتكبون جريمة بحق البلد. يمكن الآن أن «نزمط» بدل تلك الانتظارات التي لا طائل منها«.
يضيف فرنجية: «شو بدها جهد عملية تفجير الأوضاع في لبنان؟ هي تحتاج الى 24 ساعة وكل عناصرها موجودة، لهذا السبب ثمة ضرورة لنتحرك سريعاً، وعلى مستويات ثلاثة برأيي لمنع الانزلاق نحو الانفجار:
1 ـ التحرك داخل صفوف 14 آذار.
2 ـ تحرك مسيحي مطلوب.
3 ـ وتحرك ثالث باتجاه «حزب الله«.
[ إذاً، هي دعوة لقوى 14 آذار لمراجعة تجربتها؟
ـ «نعم أنا أدعو قوى 14 آذار لتنجز مراجعتها، تستخلص العبر والدروس فقط لتكتسب مصداقية وثقة مع جمهورها. عملياً منذ مدة طويلة لم تتوجه 14 آذار الى جمهورها بخطاب مباشر. لا أتحدث عن القوى السياسية. أتحدث عن 14 آذار والجمهور الذي خاض معنا المعركة يجب أن نقول له بصراحة كاملة أين نجحت 14 آذار وأين أخفقت والأهم «شو بدنا نعمل» وما هي أولوياتنا في هذه اللحظة وبرأيي الأولوية هي حماية لبنان.
«طاولة الحوار الوحيدة التي تجمع السنّي والشيعي
من أندونيسيا إلى المغرب العربي.. في لبنان»
التوجه نحو «حزب الله«، وماذا عن القوى السياسية الأخرى؟
التوجه نحو «حزب الله«، وماذا عن القوى السياسية الأخرى؟
ـ «حين أقول حزب الله، أعني ضمناً التوجه نحو القوى الأخرى والأساسية، الرئيس نبيه بري أساسي والنائب وليد جنبلاط والقيادات المسيحية المستقلة والقيادات الروحية أساسيون. المطلوب تحريك الجو ككل حول موضوع واحد. «شو ممكن يحمي البلد». وأضيف الى ذلك أيضاً التحرك نحو المجتمع العربي والدولي والتحرك باتجاه الاغتراب. والتحرك الذي أقصده يرتبط بعبارتين عمليتين: «شو ممكن يحمي البلد». حماية البلد هي المهمة الأولى، ولبنان يمثل التجربة الوحيدة خارج العنف الدائر، والتجربة الوحيدة في العيش المشترك والانفتاح والتجربة الوحيدة في إدارة التنوع«.
[ احدى أزمات 14 آذار هي أولوياتها؟
ـ «أزمة 14 آذار هي في غياب أولوياتها ولو كان هناك أولويات كان في الإمكان مناقشتها«.
[ وأين أصبح المجلس الوطني؟
ـ «في ظل أجواء 14 آذار القائمة لا يمكن أن يحدد المجلس الوطني ما هي أولويات 14 آذار، المشكلة أن الكلام ناقشناه داخل إطار المجلس وإذا خرجنا به قد يظهر ذلك كأنه انشقاق عن 14 آذار. لهذه الأسباب لا يمكن إطلاق المجلس والسعي لنقاش واسع. قد يكون الجميع جزءاً من المجلس وأن يكونوا فاعلين وموجودين إلخ… ولا أعرف قد تخرج نظرية جديدة على نحو النظريات التي سمعناها لسنتين. بالنهاية المجلس الوطني هو وسيلة من وسائل 14 آذار. كل الرؤيا غير واضحة كيف يمكن أن تكتسب وتعبئ الناس؟ اليوم من خلال مشاهداتي أرى حماساً عند الناس لأي جمعية لها طابع إنساني. لماذا، لأن أحداً لا يريد أن يذهب الى السياسة. صارت السياسة فارغة من مضمونها، ومن هنا العطف الذي ناله شباب الحراك المدني لأن هذا الحراك هو تعبير عن فراغ وتجاوب الناس معه. نحتاج الى «نفضة« فعلية»..
التموضع اللبناني بعد حرب سوريا
يفترض التواصل مع الآخرين
[ أليس هذا تعبير عن فشل فكرة الانقسام القائم بين 8 و14 آذار؟
ـ «عملياً هذا الانقسام صار وراءنا، بمعنى أن الصورة ما بعد مبادرة الرئيس الحريري أصبحت فظيعة: ركن من أركان 14 آذار رشّح ركناً آخر من 8 آذار هو سليمان فرنجية، ركن من 14 يدعم والركن الأساسي الآخر المعترض على سليمان فرنجية من أركان 8 آذار.. أين أصبحت الأمور؟
[ وماذا تعني هذه الصورة؟
ـ «هذا يعني غياب مشروعنا نحن في 14 آذار، صحيح أن الفريق الآخر، بعد مغامرة القتال في سوريا على تراجع وتراجع كبير. لكن فريقنا في 14 آذار لم يربح.. أكثر من ذلك «لم يبق عند 14 آذار رؤيا، أقصد الرؤيا الصائبة والتي وحدها هي القادرة على طي صفحة صراع عمره 40 سنة، ولن أعود الى التاريخ، بداية الصراع كانت مع ممارسات المقاومة الفلسطينية، ثم انتقلنا الى مقاومة مسيحية، ثم مقاومة وطنية، ثم المقاومة الإسلامية عند «حزب الله« وكلها انتهت على النحو ذاته، ووصلت الى طريق مسدود. نحن نحتاج الى مشروع يأخذ بالاعتبار أننا بحاجة لنعيش معاً، أي مقاومة من نوع آخر من أجل بقاء لبنان، نقودها في 14 آذار وإذا لم يكن مع كل اللبنانيين فلصالح كل اللبنانيين وليس لصالح فريق طائفي بالتأكيد«.
[ نحن أمام تموضع جديد في البلد على صعيد التنظيم السياسي؟
ـ «ثمة ضرورة لتموضع مختلف، إذا قلنا إن فريقاً يخسر وإن فريقاً يربح، معناه الحاجة الى إعادة التموضع، والتموضع الموجود صار وراءنا، نعم نريد مبادرة لإطلاق تموضع جديد، التموضع اللبناني بعد الحرب العالمية الجارية في سوريا يفترض التواصل مع الآخرين عبر الأفكار والمفاهيم. هذا أمر بالغ الأهمية وليس فقط على الصعيد السياسي«.
ويضيف فرنجية: «لأول مرة منذ تأسست الجمهورية اللبنانية تصبح كلمة «العيش المشترك» مفهومة في المجتمعات الأوروبية والعالمية، في البداية نظروا اليها كقصة فولكلورية، وفكرة متخلفة واليوم كل مدينة في أوروبا أصبحت مشروع حرب أهلية. ومشروع أوروبا الحديثة هو كيفية إدارة التنوع فيها. ثم هناك مشكلة النظام الرأسمالي والفروق الاجتماعية والطبيعية التي صارت تهدد الاستقرار الداخلي في المجتمعات الحديثة بمعزل عن الهويات المتناقضة للمكونات كلها والأزمة متصاعدة اقتصادياً واجتماعياً.
عالم الاقتصاد الحائز نوبل الاقتصاد في أميركا جوزف ستيغلز رسم في كتابه الأخير الصورة التالية: في 2004 حافلة ركاب كانت تضم 85 شخصاً من أغنى الناس، ثروتهم توازي ثروة 3 مليارات نسمة. في 2005، صغرت الحافلة وبدل الـ 85 ضمت ثمانين«.
ويستطرد: «عندما ينقل عن لسان البابا فرنسيس خلال زيارته لأميركا أنه ينبغي إسقاط جدار وول ستريت مثلما ساهم يوحنا بولس الثاني في إسقاط جدار برلين، صار الموضوع أوسع، الصورة الكبيرة تدفعني الى مخاطبة اللبنانيين إذا لم تبادروا أنتم الى إنقاذ أنفسكم، فإن أحداً لن يساعدكم لأن الجميع مأزوم». يجب أن نخرج بمبادرة لتدارك الأسوأ«.
[ هذا التصعيد الاستثنائي ينحو إلى مواجهة، أم سيعود ليفتح باب التسويات في المنطقة مجدداً؟
ـ «لا شك في أن هذا التصعيد لن يذهب إلى البعيد كحرب إيرانية سعودية خليجية عربية، عندنا الآن محطة أساسية هي الانتخابات الإيرانية، وبعد هذه الانتخابات سندخل بتقديري إلى جو أهدأ».
[ ولماذا الربط مع الانتخابات الإيرانية؟
ـ «أعتقد أن التصعيد جزء من المزايدات في الداخل الإيراني بسبب الانتخابات. وكل هذه الحقبة ما عادت محكومة بمنطق سياسي ومشروع، دخلنا في منطق فعل ورد فعل كما شاهدنا في حرق السفارة السعودية الذي أعاد صورة حرق السفارات الغربية في إيران. منطق عرفناه نحن أيام الحرب، وتبرير الفعل بفعل الآخر ولم يبقَ للفعل نفسه منطق. وحرق السفارة السعودية أثار موقفاً لافتاً للرئيس الإيراني حسن روحاني وهو موقف مستنكر، في حين كان المرشد الأعلى قد دعا إلى «انتقام إلهي». هذا يشير إلى حجم الإرباك الداخلي الإيراني حيث إيران محكومة أكثر بقواعد اللعبة الدولية«.
شؤون لبنانية