اندبندنت»: انحطاط جديد للإنسانية من بيروت إلى مضايا.. هذه «أدبيات» «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/12 كانون الثاني/16
انحدار سياسي وأخلاقي غير مسبوق، أبطاله مقربون من «حزب الله» عبّدوا طريقه خلال اليومين الماضيين على خطيّ بيروت- مضايا، من خلال تطاولهم على هامات وطنية دفعت حياتها ثمناً في سبيل تكريس وتثبيت منطق الدولة المُغيّبة لغاية يومنا هذا لحساب «الدويلة»، وعلى شعب أُرغم على الاستعاضة عن كسرة الخبز، بأكل القطط والحشائش وشرب مياه الصرف الصحي بسبب الحصار الخانق الذي يُمارسه الحزب والنظام السوري منذ اكثر من سبعة أشهر. عباس زهر الدين أحد المقربين من نجل قيادي بارز في «حزب الله» وأحد أبرز الناشطين الداعمين لنهج وخط الحزب عبر مواقع التواصل الإجتماعية، قاد مع مجموعة، حملة عنيفة ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال استخدامهم كلاماً نابياً ومُسيئاً لم تعهده السياسة في لبنان حتّى في عزّ الخصام السياسي سواء بين الأحزاب أو حتّى بين الزعماء أنفسهم، الأمر الذي شكّل صدمة كبيرة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين بحيث اعتبروه نقلة «مقيتة» ترتكز على علوم «الموبقات» التي أصبح يُبدع الحزب بارتكابها ومُمارستها عملاً وقولاً. إيعاز «حزب الله» لزهر الدين، جاء على خلفيّة حملة قام بها ناشطون في لبنان وسوريا عبر «هاشتاغ» وصفوا خلاله الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ»مجرم حرب»، في تلميح إلى الحصار الذي يفرضه حزبه على بلدة مضايا وتجويعه الأهالي. والأنكى من ذلك، كان رد زهر الدين و»أخوانه» على حملة اتهام نصرالله بنشرهم مجموعة من الصور لموائد الطعام والشراب بالإضافة إلى إطلاقهم «هاشتاغ» يحمل عنوان «متضامن مع حصار مضايا». وقد وصفت صحيفة «إندبندنت» البريطانية الحملة بـ»السادية والمقرفة» خصوصاً بعد نشر صور هياكل عظمية بلاستيكية في سياق السخرية من أجساد أهل مضايا الهزيلة. ليست المرّة الأولى التي ينتهك فيها «حزب الله» وحليفه النظام السوري شرعة حقوق الإنسان، فللنظام وحلفائه تاريخ من القتل والقمع وارتكاب المجازر الجماعية والفردية، فقد سجل العام الماضي وحده اكثر من ثلاثين مجزرة ارتكبها النظام في عدد من المناطق الداخلية كان فيها النصيب الأكبر لمدينتي حلب والعاصمة دمشق، عدا الإجرام الذي مارسه الحزب في القصير، والتي يُشبه حصارها نوعاً ما الحصار الذي يفرضه على مضايا اليوم وبعدها القلمون وريفَي حلب وإدلب والعاصمة دمشق. لكن أبرزها وأفظعها تلك التي ارتكبها في مدينة الزبداني على مدى خمسة أشهر. وكانت صحيفة « إندبندنت» البريطانية علّقت على تغريدات وصور نشرها أنصار الرئيس السوري بشار الأسد و«حزب الله« على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يسخرون فيها من الحصار المفروض على بلدة «مضايا» السورية بالقول، إنه انحطاط جديد للإنسانية».
ووصفت الحملة المضادة لحملة # متضامن_مع _حصار_مضايا بـ» السادية والمقرفة«، إذ أن مقربين من «حزب الله« قاموا بنشر صور موائد الطعام والشوي مستخدمين الهاشتاغ نفسه مع عبارات طائفية«، لافتة إلى أن «البعض نشر صور هياكل عظمية بلاستيكية في سخرية من أجساد أهل مضايا الهزيلة«.
وقالت «إن الصور الاستفزازية، سلطت الضوء على عمق الشرخ الطائفي الذي أحدثه حزب الله، وفقاً للنشطاء السوريين، الذين أشاروا إلى جرح لن يندمل في العلاقة بين السوريين وقسم كبير من اللبنانيين حتى بعد انتهاء الحرب«.
يبدو أن انحدار الحرب التي يخوضها «حزب الله» في سوريا بشكل غير مألوف، انعكست بدورها على المقربين منه. ففي سابقة خطيرة مارسها عناصر الحزب في حربهم هذه، كان وقوف احد عناصره الى جانب جثة مقاتل وهو يطلب من صديقه التقاط صورة له أثناء إشعالها بالنار، حتى بدا المشهد أقرب إلى الخيال، الأمر الذي اعتبر يومها نمطاً جديداً في طريقة تعاطي عناصر الحزب مع خصومهم وأيضاً في سلوكهم وتصرّفاتهم، خصوصاً وأن التاريخ لم يُسجّل لهم أي إرتكاب مماثل مع جثث جنود إسرائيليين في زمن المقاومة. وفي صورة مشابهة قام عناصر آخرون من الحزب بقتل عدد من الأسرى الجرحى في سوريا، في مشهد تسابق فيه العناصر لنيل شرف القتل تحت مرأى ومسمع قائدهم الذي كان يوعظهم بالقول «اقتلوهم بنيّة تأدية التكليف وليس الإنتقام». لم يعد يُعير «حزب الله» أي اهتمام للأخلاقيات، فكل الأمور أصبحت مُباحة بالنسبة اليه والى بعض جمهوره الذي أصبح يُمارس هو الآخر الإرهاب الفعلي والنفسي نفسه الذي تُمارسه قياداته. في لحظة من الزمن تسقط ورقة التوت لتُعرّي أصحاب «التقيّة» وتكشف زيف من تلطّى لفترة من الزمن، خلف شعارات مُنمقة وُضعت ضمن إطار الطابع العقائدي والاستراتيجي قبل أن تفضحها الأفعال والممارسات العلنية، والإرتكابات الميدانية، وآخرها فضيحة تعبيد طريق بيروت- مضايا بالحقد والكراهية.
المعاناة في مضايا السورية «لا تقارن» بالوضع في مناطق سورية أخرى
مشاهد مروعة للمتضورين جوعاً في مضايا ومفاوضات لإجلاء 400 مهددين بالموت
في مضايا أطفال يقتاتون من الأعشاب وأمهات نضب حليبهن ومصابون بسوء التغذية لا يمكنهم مغادرة الفراش
منظمة الصحة العالمية تحتاج إجراء تقييم في مضايا «من منزل إلى منزل» وتريد إرسال عيادات متنقلة وفرق طبية
13/01/16/جنيف ـ دمشق – ا ف ب ـ رويترز: أعلنت الأمم المتحدة أن المعاناة في بلدة مضايا المحاصرة في ريف دمشق «لا تقارن» بكل ما شهدته طواقم العمل الانساني في باقي المناطق السورية، فيما تجري مفاوضات لتأمين إجلاء نحو 400 شخص من البلدة يحتاجون رعاية صحية خاصة وفورية. وقال ممثل رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة سجاد مالك، الذي زار مضايا، في مؤتمر عبر دائرة الفيديو من دمشق، «ما رأيناه مروع، لم تكن هناك حياة. كل شيء كان هادئاً للغاية. تقول تقارير جديرة بالمصداقية ان عددا من الاشخاص قضوا جوعاً، ما رأيناه في مضايا لا يقارن … بمناطق اخرى من سورية». وأبدى «هوله» لما رآه، موضحا ان الاطفال كانوا يقتاتون من أعشاب يقتلعونها من أجل البقاء على قيد الحياة وأنه لم يعد لديهم ما يأكلونه سوى الماء الممزوجة بالتوابل. وبعدما أدخلت الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة اول من امس 44 شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية والطبية الى مضايا التي تحاصرها قوات النظام بشكل محكم منذ ستة اشهر، قال مالك إنه من المقرر دخول قوافل أخرى في الايام المقبلة.
وبموازاة دخول القافلة الى مضايا، دخلت 21 شاحنة مماثلة الى بلدتي الفوعة وكفريا في محافظة ادلب (شمال غرب) المحاصرتين من الفصائل المقاتلة منذ الصيف الماضي. وقال متحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الامم المتحدة ينس لاركي ان الاتفاق الذي سمح بإدخال المساعدات الى البلدات الثلاث ينص أيضاً على دخول قوافل إنسانية اخرى الى مضايا والفوعة وكفريا وكذلك الى مدينة الزبداني المجاورة لمضايا. وبعد إدخال المساعدات، تعمل الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة على تأمين اجلاء نحو 400 شخص لاسباب صحية من مضايا. وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر في سورية بافل كشيشيك «نعمل مع الامم المتحدة والهلال الأحمر السوري» على إخراج نحو 400 شخص في أقرب وقت ممكن من مضايا. واضاف ان العملية «معقدة جداً وتتطلب الحصول على موافقة مسبقة ونحن نتفاوض مع الاطراف المعنية لتحقيق هذه الخطوة الانسانية».
وعقد مجلس الأمن الدولي ليل اول من امس جلسة مشاورات تناولت الوضع في مضايا، واستمع سفراء الدول الـ15 الى تقرير عن الوضع من رئيس قسم العمليات الانسانية في الامم المتحدة ستيفن اوبراين. وقال اوبراين للصحافيين بعد انتهاء الجلسة إن «نحو 400 شخص بحاجة الى الاجلاء لتلقي رعاية صحية ملحة»، محذراً من أنهم «مهددون بالموت». بدوره، قال كشيشيك الذي كان في عداد الفريق المواكب لدخول قافلة المساعدات الى مضايا التي استمر توزيعها حتى الثالثة فجراً «رأينا اطفالاً وبالغين نحيلي البنية ويعانون من سوء تغذية داخل البلدة». في سياق متصل، رحبت منظمة «أطباء بلا حدود» بدعوة الامم المتحدة الى اجلاء الحالات الطبية، مؤكدة أن «المرافق الطبية في مضايا ليست مجهزة تقنياً لإسعاف الحالات الحرجة». واضافت ان «الاجلاء الطبي الى مكان آمن لتلقي العلاج امر مطلوب بالتأكيد لانقاذ حياة المرضى الذين يعانون من سوء تغذية»، مشددة في الوقت ذاته على ان «زيارة انسانية وحيدة ومن ثم العودة الى حصار التجويع لن يكون مقبولاً».
في غضون ذلك، أعلنت ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية اليزابيث هوف ان المنظمة طلبت من الحكومة السورية السماح بإرسال عيادات متنقلة وفرق طبية الى مضايا لتقييم حالة سوء التغذية وإجلاء الحالات الحرجة. وأوضحت هوف، التي زارت مضايا أول من أمس مع قافلة تابعة للامم المتحدة، ان المنظمة تحتاج الى اجراء «تقييم من منزل لمنزل» في البلدة التي يبلغ عدد سكانها 42 ألف نسمة حيث أبلغها طبيب سوري بأن ما بين 300 و400 شخص بحاجة «لرعاية طبية خاصة». وتحدثت عن زيارتها مضايا قائلة «تجمع الناس في سوق. وكان بإمكاننا رؤية الكثيرين يعانون سوء التغذية ويتضورون جوعاً. كانوا يعانون الهزال والارهاق والتوتر الشديد. لم تكن هناك ابتسامة على وجه أي منهم. ليس ما اعتدنا رؤيته عندما نصل في قوافل. قال الاطفال الذين تحدثت معهم أنهم أضعف من أن يلعبوا». وأشارت إلى أن «الأمهات نضب حليبهن ولم تعدن قادرات على الإرضاع .. والأطفال لا يشبعون»، كما أن الكثير من المصابين بسوء التغذية لا يملكون القوة على مغادرة منازلهم. وزارت هوف مركزين طبيين في مضايا، أحدهما خاص مقام في منزل ويديره طبيبان والآخر مستشفى ميداني في قبو مبنى، ولم يكن لديهما أي امدادات. وقالت عن مشاهداتها «قال الطبيبان في المركز الخاص ان الادوية التي حصلوا عليها في أكتوبر (الماضي) نفدت والمرضى يفضلون انفاق القليل الذي يملكونه من المال على الطعام وليس على الرعاية الصحية»، مشيرة إلى أن الطبيبين يفتقران للمعدات لقياس ضعف الاطفال أو حتى ميزان لقياس أوزان المرضى. وأكدت أن الطبيب قال انه لم يأكل منذ ثلاثة أيام، موضحة أن المستشفى الميداني المقام تحت سلم يفتقر للنظافة. وأضافت «تحدثت مع رجل قال ان عمره 45 عاماً ويعاني سوء التغذية الشديد ولم يكن حتى يستطيع المشي. قال انه أب لاربعة أطفال كلهم في حالة لا تمكنهم من مغادرة الفراش. كان يعاني من جفاف شديد وبشرته صفراء وكان متوترا». وتابعت «كانت هناك امرأة حبلى عادة ما تأتي فاقدة الوعي… كانت ترقد امامي تعاني من مستوى سكر منخفض للغاية ومن الجوع. ولم يكن لدى الممرضة ما تقدمه لها».