ماذا في خبايا حوار “الكبار” الرديف لطاولة الحوار؟ يحل محل الحكومة ويساوم في انتظار التسوية الكبرى
سابين عويس/النهار/24 أيلول 2015
يذهب رئيس الحكومة تمام سلام إلى نيويورك لنحو ثمانية أيام لتمثيل لبنان في الاجتماعات السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، إضافة إلى المشاركة في اجتماع مجموعة العمل الدولية من أجل لبنان، فتكتسب الحكومة أعذارا تخفيفية لعدم اجتماعها لأكثر من ثلاثة اسابيع لتستأنف نشاطها في نهاية الاسبوع الاول من تشرين الاول المقبل، على ما كشف رئيسها. ويفترض ان تكون الفترة الفاصلة عن موعد استئناف مجلس الوزراء جلساته كفيلة بحل العقد السياسية التي تقف حاجزا دون انتاجيتها. علما ان الجلسة المقبلة تنعقد عشية استئناف طاولة الحوار الوطني اعمالها في جلسات متتالية، تعبيرا عن الحرص على تزخيم الحركة السياسية علها تحدث خرقا في حال الجمود والمراوحة، كانت بدأت ملامحه تتبلور من خلال مشهد غير مسبوق في حصرية التحكم السياسي في ميزان القوى المحلي، الرامي إلى التحكّم في التسويات والمقايضات على الملفات المطروحة.
إنه مشهد اجتماع القادة الستة على طاولة حوار رديفة للحوار الوطني. قد لا يكون لقاء الكبار حقق خرقا في المشهد المأزوم، لكنه يمر كذلك مرورا عابرا في ضوء الملاحظات الجمة التي أمكن تسجيلها وتحميلها لهذا اللقاء.
- فمن حيث الشكل، (الذي يعكس بدوره مغزى مهماً)، استثنى اللقاء الذي ضم ستة أقطاب يمثلون خمس قوى أساسية على ضفتي 8 و14 آذار، مسيحيي 14 آذار ومستقليها، بحيث اقتصر الحضور المسيحي على الرئيس السابق لـ”التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون. وإذا كان لهذا التمثيل ما يبرره باعتبار أن “القوات اللبنانية” غير مشاركة أساسا في طاولة الحوار، ولأن الموضوع الذي شكل الطبق الرئيسي للقاء تمثل في مسألة التسوية المقترحة لترقية ضباط، فإن الحوار المصغر لم يقتصر على هذا الامر بل تجاوزه ليطرح المواضيع الخلافية الاساسية المتعلقة بآلية عمل الحكومة.
- ان الحوار الرديف حلّ فعلاً لا قولاً محل الحكومة في طرح الملفات الخلافية. وهذا الامر لا يزعج رئيس الحكومة الذي يرغب صدقاً في أن تُحيَد حكومته عن الملفات الخلافية السياسية وتُترك فقط لتسيير شؤون البلاد والعباد.
- الحوار في مثل هذه الحال، أوجد مساحة واسعة للنقاش من خارج ترتيب جدول اعمال طاولة الحوار الوطني. فإذا كانت تلك الطاولة محكومة بالرئاسة بندا أول، ومن ثم تفعيل المجلس النيابي وثالثا تفعيل الحكومة، فإن الحوار الرديف نجح في القفز على هذا الترتيب وبحث في قانون الانتخاب وفي آلية عمل الحكومة وفي التسوية المقترحة لترقية الضباط، في حين أبقى النقاش العقيم حول الرئاسة في دائرته المفرغة.
- بدا من النقاش الضيق الدائر حول قانون الانتخاب أن ثمة نواة للتسليم باعتماد مبدأ النسبية، وأن استمرار الحوار يؤدي في مكان ما إلى إيجاد مساحة حول تفاهمات مشتركة قد تفضي في نهاية المطاف إلى قانون للإنتخاب، يصبح جاهزا متى حانت ساعة إنضاجه.
- إن حصر النقاش في المسائل الاساسية بمجموعة ضيقة من الاقطاب يسهل التفاهم على التسويات وعلى الاخراج اللائق لها، كما يفتح الباب أمام المقايضات كما حصل تماما مع مسألة ترقية الضباط، اذ رفض رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة تقديم أي تنازل مجاني لحساب ترقية العميد شامل روكز التي تصب في رصيد العماد عون، من دون تحصيل مكاسب في المقابل لمصلحة رئيس الحكومة ودعمه في ممارسة صلاحياته في رئاسة الحكومة، المغتصبة في جزء منها لناحية وضع جدول الاعمال وإدارة الجلسة وآلية اتخاذ القرارات. – لكن المفارقة أن الحوار الرديف كشف جانبا من الموقف “المستقبلي” الملتبس على الخصوم. إذ جاء موقف السنيورة من تسوية روكز ليخالف ما كان تم التوافق عليه في الحوار الثنائي بين التيار الازرق و”حزب الله”. وهذا الالتباس دفع الخصوم الى التساؤل عما إذا كان مرده إلى توزع أدوار أو افتقار التيار إلى موقف موحد صادر عن زعامة واحدة، علما أن في اوساط التيار من يفسر موقف السنيورة بأنه ليس خروجا عن قرار التيار وإنما محاولة لرفع السقف وتحقيق مكسب لئلا يأتي التنازل، كما في غالبية الاحيان، مجانياً
نظامنا الطائفي نتمسّك به
النهار/غسان حجار/24 أيلول 2015
صحيح أن لديموقراطيتنا التوافقية شكلها الغريب والعجيب، وآلياتها التي لا تشبه ديموقراطيات العالم، لكننا في الوقت عينه نملك نظاما محددا قد يكون المثال والنموذج المعتمد لاحقا في كثير من الدول المتعددة الطائفة والمذهب، خصوصا في هذا الشرق الذي عرف قيمة التنوع في زمن مضى، وإذ به ينحدر بسرعة نحو هاوية سحقت كل أفكار العروبة والقومية والتعدد الاتني والمذهبي، فطغت مذهبية بغيضة، قاتلة، مجرمة. وقد أدى الصراع بين المذاهب الإسلامية الذي استيقظ بعد سبات عميق ليوقظ معه أحقاداً لم تستطع مئات السنين محوها، إلى تنامي الخوف لدى كثيرين، ومنهم المتصارعون انفسهم. فالسنة في سوريا والعراق متخوفون من السيطرة الشيعية، والشيعة في السعودية والبحرين قلقون لمصيرهم، وغيرهم في كل دول الخليج متخوفون من ترحيل جماعي. واذا كانت الحال هذه بين قوتين كبيرتين، فماذا عن المجموعات الأقل عدداً؟ الأكراد يناضلون من أجل إقامة دولتهم المستقلة ليكون لهم كرامة لم يجدوها إطلاقا. الايزيديون، ليس من أرقام دقيقة حول الأعداد المتبقية منهم بعد المجازر الجماعية بحقهم، ولم ينظر المجتمع الدولي إلى حقهم في العيش الحر. البهائيون يتخفون خوفاً من سحقهم وهم مجموعة صغيرة أصلاً. اليهود غادروا كل أرض عربية بعدما ضاق بهم العيش. أما المسيحيون فحدّث ولا حرج، ففي لبنان الحرية والبلد الذي يقال إنه أُقيم من أجلهم، صاروا مهضومي الحقوق ويتقاسم السنة والشيعة مناصبهم ووظائفهم وأراضيهم المصادَرة في غير منطقة تحت حجج واهية تارة أمنية وعسكرية، وتارة باقتسام القرى وإنشاء بلدات جديدة تقضم أرضهم. ومسيحيو مصر الذين يتجاوز عددهم العشرة ملايين، كانوا ينتظرون أن يمنّ عليهم الرئيس حسني مبارك بنائبين أو ثلاثة يسميهم للدخول إلى مجلس لا يتّسع لهم ديموقراطياً بسبب امتناع مواطنيهم عن الاقتراع لمصلحتهم. أما مسيحيو سوريا والعراق، أو لنقل من بقي منهم في أرضه، فيعانون الأمرين من سيطرة الإرهاب بعناوين وشعارات مختلفة، وقد عادوا في القرن الحادي والعشرين اهل ذمة تفرض عليهم احكام الشريعة.
وفي الاردن تزداد النزعة العدائية تجاه المسيحيين، على رغم رعاية الأسرة الهاشمية لهم، فلا اعتراف بهم في الكتب المعتمدة، وثمة دعاة يُطلون عبر الإعلام لإثارة العدائية ضدهم. فإذا كانت مفاهيم وعقائد وافكار العروبة والقومية الاجتماعية والبعث والشيوعية والاشتراكية وكل محاولات العلمنة والدولة المدنية سقطت في هذا الشرق، وإذا كان لبنان عاد إلى الارتباط وثيقاً ليس بملفات المنطقة فحسب، بل بتخلفها وانهيار قيمها، وفَقَدَ دوره التنويري، فكيف يريد منا البعض أن نمضي نحو إلغاء الطائفية؟