معاقبة اللبنانيين بجريرة أزلام إيران في لبنان أفضل خدمة لها
منى فياض/العرب/20 كانون الثاني/16
يتابع الكاتب السعودي جاسر عبدالعزيز جاسر الوضع اللبناني عن كثب، ففي آخر مقالاته “الحال المتردية التي وصل إليها لبنان” يُوصّفُ تماما ما آلت إليه “الدولة المخطوفة” من قبل حزب إيران وطائفتها من اهتراء، مدركا أن معظم اللبنانيين يشاطرونه الرأي فعلا. كان قد بدأ منذ أيام مع مقال بعنوان “إلى متى ندعم لبنان.. وهو يخدم أعداءنا؟” عن الجزيرة السعودية، ثم أردفه بعد يومين بآخر بعنوان “ماذا استفدنا من الإغداق على لبنان؟” في نفس الموقع يشير فيه إلى الصدى الإيجابي الذي وجدته مقالته الأولى من المواطنين في الخليج “المقالة المنشورة قبل يومين عن عدم وفاء وزير خارجية لبنان جبران باسيل وإقدامه على اتخاذ موقف عدائي ضد مطالب المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية بالتصدي إلى التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية، ودفاعه عن الدور الإرهابي لحزب حسن نصرالله في سوريا والبحرين، وجدت صدى وتعليقات من عدد كبير من القراء سواء في المملكة أو في البحرين أو في الكويت”.. وطالب القراء باتخاذ مواقف واضحة وصريحة ضد المسؤولين في لبنان الذين يُقدمون على اتخاذ مواقف عدائية ضد المملكة والخليج العربي. وهذا ما تؤكده بعض المواقع الإلكترونية عن وجود إجماع سعودي وخليجي على التعبير عن “سخط خليجي يصل حدّ المرارة” من موقف لبنان في الاجتماع الوزاري الاستثنائي لجامعة الدول العربية الذي انعقد في القاهرة الأحد الماضي. وقد أشارت صحيفة “السفير” إلى أن الخليجيين لا يقتنعون بحجّة لبنان التي ساقها عبر وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماع الوزاري العربي والمرتكزة على “الحفاظ على وحدتنا الداخلية من دون التخريب على الإجماع العربي”. ونقلت الصحيفة عن مصدر خليجي واسع الاطلاع قوله “إنها وحدة إيرانية! كان يفترض بلبنان الاصطفاف بلا لبس إلى جانب العرب وإلا لِمَ يسمّي نفسه: لبنان العربي؟”، مضيفا “للحق وجه واحد وليس وجوها”. وأشار المصدر إلى تداعيات أكيدة سوف يتكبّدها لبنان نتيجة موقفه، متوقعا أن تتمّ إعادة تقييم للعلاقات الخليجية مع لبنان لجهة السياسة الخارجية والاقتصادية، “فقد بات لبنان مدرجا على جدول أعمال السعودية والخليج والدول الإسلامية برمتها”. وتابع المصدر أن “سلوك لبنان الخارج عن الإجماع العربي، سيجرّ إليه العقاب”.
فهل يجب معاقبة لبنان ككل أم أن مثل هذه المواقف المجحفة تتخذ بحق اللبنانيين قبل غيرهم؟
اللبنانيون المغلوبون على أمرهم الذين يعانون من قهر وقمع غير مسبوقين، لم تمر عدة أيام على موقف وزير داخلية لبنان “جبران باسيل”، وهو ليس الأول من نوعه على كل حال، حتى تم الإفراج عن ميشال سماحة والذي كان قد أدين بنقل متفجرات للقيام باغتيالات وتفجيرات تثير الفتنة وتشعل البلد. أفرج عنه بعد أن تم تبديل أعضاء المحكمة العسكرية وخرج مصرحا، مع أنه ألزم بالصمت، ليؤكد عودته إلى العمل السياسي العادي، وكأنّ شيئا لم يكن، وكأنه خارج من نقاهة في مشفى. ليس هذا فحسب، سبق أن عانى اللبنانيون من قهر مماثل عندما أُفرج عن العميل الاسرائيلي المعلن فايز كرم، التابع لميشال عون مرشح الحزب للرئاسة، واستقبل بالأرزّ. وبعد أن أوقف قاتل سامر حنا الطيار في الجيش اللبناني أفرج عنه “على عينك يا تاجر” إلى أن أعلن مقتله في سوريا. ناهيك عن مفجّر مسجديْ طرابلس ورفعت عيد وغيرهم كثر. هذا دون أن ننسى أن جيش فتح الإسلام الذي يحاربه الآن حزب الله في سوريا باسم القضاء على “التكفيريين” سبق أن وضع خطا أحمر بوجه الجيش اللبناني الذي قاتله في مخيم نهر البارد. والأمثلة لا تنضب.
ماذا نفهم من ذلك؟
لبنان دولة مخطوفة ورهينة، واللبنانيون جميعهم سجناء تم ربط مصيرهم “شاؤوا أم أبوا” على حد تعبير نواب حزب الله وخطبائه، بشكل وثيق بإيران التي حوّلت لبنان إلى مجرد “ورقة” للتفاوض من أجل الحصول على مكاسب في أماكن أخرى مثل سوريا وغيرها. حتى أن الأمر يتعدى حصولها على المكاسب في سوريا، فأميركا أعطتها ضوءا أخضر لممارسة ما تريد. إنه امتلاك لبنان نفسه، جوهرة تاج إمبراطورية الولي الفقيه؛ فمن دون لبنان وسياسة القضم والاحتواء البطيء المتأني التي سمحت لها بوضع يدها عليه عبر استراتيجية التقية والذبح بالقطن وبذل المال مع الشعارات. لبنان كان بوابة إيران إلى قلب العالم العربي السني وإلى وجع القضية الفلسطينية. لن تتخلى إيران عن لبنان الذي في قبضة حزب الله (سلاحها الاستراتيجي)، بسهولة. لقد نجحت في وضع يدها على الطائفة الشيعية عبر البروباغندا والنفوذ المالي والضخ الإعلامي، ما وفّر لها تجربة طويلة ساعدتها على التغلغل في المناطق الأخرى من اليمن والبحرين والكويت إلى السعودية والإمارات بنجاحات متفاوتة وطرق مختلفة بعد أن استولت على العراق بمساعدة الأميركيين ورمت ثقلها في سوريا التي إما أن تبقى في قبضتها أو فلتتفتت. هذا كله صار معروفا وممجوجا.
لكن السؤال الأكبر يظل ما الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه؟ أليس التغاضي طويلا، إضافة إلى سياسة الانسحاب، عمّا حصل ويحصل، خلال سنوات من مراعاة الممانعات وعدم مواجهتها؟
باكرا جدا تُرك لبنان للنظام السوري “العربي المقاوم” لقمة سائغة بمباركة من الدول العربية مجتمعة. ومن ثم انتقلت كل من سوريا ولبنان إلى الهيمنة الإيرانية. يذكرنا هذا بما حصل عندما انسحب السفراء العرب من العراق إثر اغتيال السفير المصري في بغداد في العام 2005. وماذا كانت النتيجة؟ تسليم العراق بما فيه للسلطة الأميركية ومن خلفها إيران التي استكملت وضع يدها عليه، وزرع المكونات السياسية التي أمّنت لها الهيمنة فارضة نوري المالكي الذي نفذ سياساتها مضطهدا السنة، مؤججا الصراع المذهبي، مطلقا وحوش القاعدة من سجونهم، بمعية زميله بشار الأسد، الذين تحولوا إلى داعش.
لقد انتهت الدولة اللبنانية تحت أنظار الجميع وتُركت المنطقة طويلا لإيران تعبث كما تشاء، بحيث توهمت مع أتباعها فائض القوة ما يجعلهم لا يحترمون سيادة الدول ولا حدودها متسببين بإطلاق وحش العنصريات المتبادلة وموجة من تدني القيم الإنسانية وإسقاط جميع المحرمات المتعارف عليها. يعاني اللبنانيون يوميا وعلى جميع الأصعدة. سلوك وزير الخارجية اللبناني مرفوض من معظمهم وليس علينا سوى متابعة وسائل الاتصال الحديثة. إن موقف مقاطعة لبنان، إذا اتخذ، ومعاقبة جميع اللبنانيين بجريرة مواقف البعض المستتبع لإيران هو ما تريده طهران تماما، وهو الأنسب ويسهل مهمتها في القضاء على آخر ممانعة في وجهها. المواجهة هي المطلوبة. الآن هناك إسرائيل وإيران. إيران تتمدّد وتقسم العالم العربي وتنجح في ما عجزت عنه إسرائيل. إسرائيل عدو معترف به ولدينا مناعة ضده، إيران تخترقنا من الداخل عن طريق بعض شيعة العالم العربي وهذا أخطر بكثير. وهذا يؤجّج شعور القهر، فالقهر والغضب هما أحد أهم عوامل محركات التاريخ، لا يمكن القضاء على داعش إذا لم يستكمل العالم العربي مواجهة إيران، وإعطاء حقوق المواطنة للأقليات الشيعية، لسحب أي ذريعة من إيران وأبواقها.
السعودية تشعر بالحصار بعد رفع العقوبات عن إيران
أسعد البصري/العرب/20 كانون الثاني/16
أول المهنئين برفع العقوبات عن إيران هو سلطنة عمان، الدولة التي رعت المفاوضات السرية الأولى بين الولايات المتحدة وإيران، وعملت على تقريب وجهات النظر. وإذا تنظر إلى الخارطة تجد الحدود الجنوبية للسعودية هي اليمن وعُمان. سلطنة عمان 72 بالمئة سنة، و26 بالمئة إباضية، و2 بالمئة شيعة، الإباضية دين الدولة، ولا تسمح بالنشاط الوهابي السلفي. الشأن الخليجي معقد جدا، إلا أننا نستطيع القول إن عزل إيران غير ممكن اليوم. مازال كثيرون يتذكرون قوة إيران أيام الشاه، حين ترددت دول الخليج في ضم البحرين إلى مجلس التعاون بسبب مطالبة الشاه بها والادعاء بأنها بضعة من إيران. لم تقدم السعودية على ضم البحرين عام 2012 بعد التمرد الشيعي الواسع فيها، الذي استوجب تدخل قوات درع الجزيرة لإنقاذ البلاد، ومن الواضح أن كلا من قطر وسلطنة عمان ضد أي مشروع للاندماج بالمملكة، وتتبعان سياسة خاصة بهما.
السعودية على حدودها الشمالية العراق والنفوذ الإيراني القوي، بسبب التعاون الأمني بين البلدين لمكافحة الإرهاب، ولا يفصلها عن سوريا سوى المملكة الأردنية الهاشمية التي تغص باللاجئين، وتكافح لاستقرار المنطقة. وعلى حدودها الشرقية لا يفصلها عن إيران سوى الخليج. بانقلاب الولايات المتحدة من عدو إلى صديق لإيران سيكون هناك مشروع إقليمي غامض بلا شك على حساب العرب. السنة العرب انكسروا في العراق وسوريا، في بغداد تم تهجيرهم وأصبحت عاصمة الرشيد شيعية بالمطلق، وفي سوريا هناك عشرة ملايين نازح ونسبة العنوسة بين الفتيات 70 بالمئة وتم دمج مصيرهم بمصير الإرهاب، وسيحتاج بقاؤهم مستقرين بمدنهم إلى وصاية إيرانية مباشرة أو غير مباشرة. هذا يعبر عن نفسه بوضوح من خلال الرضوخ التام الذي يبديه القادة السنة في العراق للشروط الإيرانية، أما مصر فقد عبرت عن ثقافتها القادمة بأنها دولة علمانية أتاتوركية بشكل لا لَبْس فيه، وغير مستعدة للدخول في أي نزاع ديني أو مذهبي في المنطقة، وستبقى على حربها للإسلام السياسي السني والإرهاب، سواء كان الإخوان المسلمين أو داعش أو الوهابية.
تبقى نواة العقيدة السنية في السعودية. حاولت الحكومة تهذيب الدعاة ورجال الدين، وشجعت تغيير المناهج التعليمية، إلا أنه برفع العقوبات عن إيران وتصعيد التوتر بين البلدين، بما يحمله من شحنة واستقطاب طائفي، قد يؤدي ذلك كله إلى انتعاش التطرّف، ويخفف من ثقل التحالف الدولي ضد الإرهاب. لأول مرة رأينا تغريدة نشرها الشيخ سعود الشريم، إمام الحرم المكي، يقول “ليس العجب في تحالف الصفويين مع اليهود والنصارى ضد المسلمين، فالتاريخ شاهد على ذلك، وإنما العجب في عقول تأخر فهمها لهذه الحقيقة حتى هذه اللحظة”. وبالنتيجة إيران مستفيدة من التصعيد الطائفي والسياسي، ولا نرى أنها متضررة، ولا توجد إمكانية لعزلها إقليميا. الشيعة حول العالم يشعرون بنوع من الزهو والنصر، فقد رفض تسعة نواب كويتيين من الشيعة قبل أسبوع تقريبا حضور جلسة مجلس الأمة الكويتي لإدانة الموقف الإيراني العدائي ضد السعودية وبعثاتها الدبلوماسية في طهران، بعد يوم من إعلان أحكام بحق 26 شيعيا اتهموا بالتخابر مع إيران وحزب الله اللبناني. ومقال منشور في نيويورك تايمز لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف يهاجم السعودية ويقول هي تُمارس الإرهاب داخليا على الشعب، والشعوب الأخرى تطلق عليها داعش.
وانشغل الإعلام الأميركي لأيام بصفقة تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وإيران. كل هذا عشية التوقيع على الاتفاق النووي ورفع العقوبات. يعني السعودية تقطع رأس 47 إرهابيا بالسيف، وإيران تطلق سراح متهمين بالتجسس. أما البنك المركزي العراقي فقد أعلن عن تخصيص مئة سبيكة ذهب للقبة الشريفة على قبر سيدنا علي بن أبي طالب في رسالة قوية مفادها أن هبوط سعر النفط لا يجعلهم يتراجعون عن بناء القباب الذهبية، وأن الشيعة غير خائفين على الأضرحة من داعش، بل سيضعون المزيد من الذهب فوقها. أجواء زهو واحتفال شيعي سياسي واضحة.
الإعلام السعودي ضعف خلال اليومين الأخيرين على خلفية الإعلان عن شهر عسل أميركي إيراني ورفع العقوبات وتبادل السجناء، قضية تشبه الصدمة. انخفاض أسعار النفط بدأ يؤثر على الجميع وإيران ستستلم 100 مليار دولار وتعاود السياحة والمصارف الإيرانية نشاطها. زراعة وصناعة وانفتاح على شركات أجنبية ضخمة. إن جالية إيرانية صغيرة في مدينة تورونتو تهز اقتصاد المدينة العملاقة هزا، فكيف بشعب بأكمله؟ أعلنت وزارة الخارجية الأميركية الأحد أن واشنطن وطهران توصلتا إلى تسوية لدعوى أقيمت قبل فترة طويلة في لاهاي، أُفرج بموجبها عن 400 مليون دولار لإيران كانت مجمدة منذ عام 1981 بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار كفوائد على المبلغ. وبالرغم من كل شيء فإن حجم الاقتصاد السعودي البالغ حاليا 650 مليار دولار أكبر بكثير من اقتصاد إيران الذي يبلغ حجمه 400 مليار دولار. التخوف من أن تكون نفقات الحروب والأزمات ورفع العقوبات عن إيران ما يقلب هذه الأرقام في المستقبل.
يتحتم علينا إيجاد طريق مستقلة الآن مختلفة عن طريق أميركا. عندنا خطر الدولة الإسلامية والتطرف الديني، وعندنا خطر التوسع الإيراني. السعودية مركز للعقل العربي اليوم وهي آخر أمل للبقاء في طريق آمنة. يحق للمملكة أن تشعر بالحصار فقد تلقت ثلاث رسائل تهديد خلال أسبوع واحد، الأولى من المرشد الأعلى علي خامنئي، والثانية من الخليفة البغدادي، والثالثة من زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
الإحباط السني شامل اليوم، فلأول مرة يخرج بروفيسور الأدب المقارن والفلسفة في جامعة لندن العراقي أحمد خليل عن صبره ويقول في رسالة خاصة “عبث، كل الحلول عبث في عبث. مقولة الفاروق ‘وددت لو أن بيني وبين فارس جبل من نار’ كانت لمدة 1400 سنة أمام أعيننا ولم نفهمها. لم نفهم أن الحقد على العرب من ثوابتهم، لكنهم أدركوا أن الغفلة من ثوابتنا. كان ينبغي علينا أن نبني هذا الجبل بيننا وبينهم لكف الأذى ودرء فتنة ‘لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة’. للأسف لم نفعل رغم كل ما قدمه لنا التاريخ من دروس”. كلام كهذا من رجل عراقي متعلم ومعتدل يعتبر علامة حمراء حقا.
الفارسي الغني والقوي قادم. إيران بإرثها الفلسفي والشعري والحضاري، بغنائها وموسيقاها، بصداقتها للغرب والعالم القوي، باقتصادها وزراعتها وسواحلها، كل هذا سيكون وجها لوجه أمام العرب، لأن إيران ستحتفظ بمشروعها وعقائدها، بثأرها وأضرحتها وبكائها. سيتلفت العربي من حوله فلا يجد سوى مالك بن الريب “تذكرتُ مَنْ يبكي عليّ فلم أجدْ / سوى السيف والرمح الرّدينيّ باكيا”. ربما نجح الخميني! لقد صبروا أربعين سنة، وها هي السجادة الفارسية مكتملة على حائط التاريخ. وكتب روحاني “أشكر الله وأحني هامتي أمام عظمة شعب إيران الصبور. أهنئكم بهذا النصر”.
يقول عالم الاجتماع الإيراني إحسان نراغي إن سبب سقوط الشاه هو أميركا، لأنها قد دللت الشاه إلى درجة أنه بدأ يتصرف وكأن أميركا هي جزء من ممتلكاته الخاصة، ثم فجأة تخلت عنه. مما جعل الشاه يتصرف كعاشق خائب ومخدوع. لا نريد لشيء مشابه لهذا أن يحدث للعرب.