هذا هو المطلوب من إيران فعله إذا أرادت حقّاً فتح “صفحة ذهبيّة”
اميل خوري/النهار/22 كانون الثاني 2016
السؤال الذي تختلف الأجوبة عنه باختلاف الجهة والمصدر هو: هل تُغيّر إيران سلوكها بعد مباشرة تنفيذ الاتفاق النووي بحيث تُصبح المنطقة هادئة وآمنة ويُترجم الرئيس حسن روحاني قوله بأن الاتفاق “يفتح صفحة ذهبية ويحقّق النمو لإيران والأمن والاستقرار للمنطقة”؟ ثمّة من يقول إن إيران قد لا تغيّر سلوكها لأنّها تعمل بموجب استراتيجية وضعتها منذ قيام الثورة وهي تصدير هذه الثورة الى خارج حدودها ليصبح لها نفوذ سياسي ووجود عسكري في غير دولة عربية من خلال تسليح وتمويل مجموعات مذهبية استطاعت أن تخلق المشاكل والمتاعب داخل كل دولة، فلم تكن والوضع هذا من دول حسن الجوار، وقد ظهر ذلك في العراق واليمن وسوريا والسعودية ولبنان. وإذا كانت قد تخلّت بموجب الاتفاق عن السلاح النووي فلكيّ يكون لها في المقابل دور في المنطقة ونفوذ يفوق نفوذ أي دولة فيها. وقد بلغ التدخّل الإيراني السياسي والعسكري الى حد جعل السعودية ومعها دول أخرى تقطع علاقاتها الديبلوماسية معها أو تعلّقها لتصبح المنطقة على حافة حرب شيعيّة – سنيّة أو عربية – فارسية قد لا تنتهي إلا بتقسيم يُقيم دولاً مذهبية وعرقية، وهو ما تتمنّاه اسرائيل لتبرّر إعلان قيام “الدولة اليهودية”. وثمّة من يقول إن إيران ما بعد الاتفاق النووي قد تكون غيرها ما بعده، إلاّ أن هذا ربما لا يظهر إلا بعد الانتخابات في إيران الشهر المقبل، وعلى نتائجها يتوقّف معرفة الكثير… فإما تفتح فعلاً صفحة ذهبية في المنطقة، كما قال الرئيس روحاني، وتكون للاتفاق ارتدادات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة إيجابية على المنطقة ويكون فعلاً اتفاقاً تاريخيّاً ليس فيه غالب ومغلوب وتتحوّل الأموال المجمّدة بعد رفع العقوبات لتحسين مستوى معيشة الشعب الإيراني الذي يعاني العوز. أما إذا تحوّلت لتمويل وتسليح مجموعات مذهبية داخل دول في المنطقة، فإن الصفحة الذهبيّة التي بشّر الرئيس روحاني بفتحها قد تتحوّل صفحة دمويّة تقضي على كل آمال الانفراج. الواقع ان إيران إذا كانت تريد فعلاً تغيير سلوكها حيال دول المنطقة، فما عليها إلاّ أن تفعل الآتي:
أولاً: وقف تدخّلها العسكري في اليمن ودعمها الحوثيّين بالمال والسلاح بغية إثارة قلق السعودية وغضبها على وضع في دولة تشكّل حديقتها الخلفية وخاصرتها الرخوة، بل أن تساعد إيران على التوصّل إلى تسوية تقيم حكماً توافقياً يحظى بقبول كل القوى السياسيّة الأساسيّة في اليمن.
ثانياً: وقف دعم فريق مذهبي بالمال والسلاح ضد فريق آخر في العراق توصلاً إلى اتفاق يحافظ على وحدة الأرض والشعب فيه، ولا يعرّضه لانقسام داخلي حاد لا خروج منه إلا بالتقسيم.
ثالثاً: سحب قواتها من سوريا توصلاً إلى اتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني قادرة على مكافحة ما تبقى من التنظيمات الارهابيّة، وإجراء انتخابات نيابيّة تقرّر نتائجها شكل الحكم والنظام في سوريا.
رابعاً: سحب مقاتلي “حزب الله” من سوريا كي يستطيع لبنان إعادة بناء الثقة والوحدة بين جميع مكوناته، واعتماد سياسة تحييد لبنان عن كل الصراعات لأن ليس سوى ذلك ما يضمن استقراره السياسي والأمني والاقتصادي. إلاّ أنه يبقى من حق إيران أن تتدخّل في شؤون دولة أخرى في المنطقة إذا تدخّل سواها ولكن بالطريقة ذاتها، أي سياسيّاً إذا كان سياسياً، واقتصادياً إذا كان اقتصادياً، وعسكرياً إذا كان عسكرياً، لا أن ترد على التدخّل السياسي بتدخّل عسكري لئلّا يقابله تدخّل مماثل فيقع المحظور.
إلى ذلك، يمكن القول إن ورقة الانفجار أو الانفراج في المنطقة هي في يد إيران، فما الذي ستقرّره خصوصاً بعد الانتخابات التي ستجرى فيها، هل توقف تصدير الثورة الى خارج حدودها بالتدخّل السياسي أو المالي أو العسكري، ولا سيما الى دول الجوار، فتقع الحرب الشيعيّة – السنيّة أو حرب العرب والفرس أو حرب الهلالين الشيعي والسني التي كان العاهل الأردني توقّعها قبل سنوات، فتكون إسرائيل عندئذ هي الدولة المطمئنة الى وضعها في المنطقة، وغير قلقة وخائفة كما يتصوّر البعض بعد مباشرة تنفيذ الاتفاق النووي لأنها تكون هي الرابحة من دون حروب بدءاً من نزع السلاح الكيميائي السوري وانتهاء بمنع إيران من انتاج السلاح النووي، وهي رابحة أيضاً من استمرار الحروب داخل أكثر من دولة عربية أو من حروب عربية – عربية تريحها ومن وجود تنظيمات مسلّحة ينتهي دورها وتنسى عدوّها اسرائيل بانشغال الجميع بمحاربة الارهاب عدو الجميع.
إن سلوك إيران حيال دول المنطقة هو الذي سوف يقرّر صورة الوضع فيها.
المصالحة المسيحية معبراً إلى رئاسة الحكومة “حزب الله” أمام تحدي وراثة جعجع زعامة الشارع
روزانا بومنصف/النهار/22 كانون الثاني 2016
على رغم الاستعجال الذي أسبغ على موضوع تأييد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، باعتبار أن الوضع لم يعد يحتمل فراغا في هذا الموقع، لا شيء لدى الاوساط السياسية يشي بهذا الاستعجال أو بهذا الإلحاح. سيأخذ الافرقاء الداخليون ومعهم الدول المؤثرة المهتمة وقتهم في تقويم الخطوة التي أقدم عليها جعجع والتي حملت في طياتها قلبا للطاولة بغض النظر عن تفاصيل كثيرة يمكن أن يتوقف عندها المسيحيون أو الافرقاء الآخرون، وقد تكون بمثابة مآخذ كبيرة. هذان التريث والحاجة الى التقويم بعيدا من الانفعال او رد الفعل، يظهران إجراء الجميع حساباتهم على وقع المتغيرات التي احدثتها هذه الخطوة، متهيبين أي كلمة يمكن أن يشتم منها اعتراض على مصالحة مسيحية تجد أصداء إيجابية في مواقع كثيرة لدى المسيحيين، بغض النظر عن الاهداف والمصالح. كما ان الحسابات تنسحب على ما هو أبعد من الرئاسة مباشرة، ويمس جميع الافرقاء المحليين والاقليميين على حد سواء.
على المستوى الداخلي، سيكون “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري معنيين بلجم كل المواقف التي تضع تأييد ترشيح عون في خانة تبعيته الكلية لإيران والحزب، انطلاقا من انه كان السباق في الانفتاح على عون، وجهد في إقناع جعجع العام الماضي من دون جدوى، قبل أن تتغير الحسابات ويقيم اتفاقا مع الاخير يكرسه الزعيم المسيحي الذي يرث قاعدة ميشال عون على نحو مسبق، مع انه يجب الاقرار بأن عون حينئذ لم يكن مرشح “حزب الله” كما أضحى لاحقا على قاعدة عون او لا احد. لكن الرئيس الحريري فتح ابوابه لعون وأقام له عيد ميلاده في “بيت الوسط” على نحو لم يثر ارتياحا لدى الحزب الذي لم يرغب في ان يصل عون عبر الحريري. وفي الحديث الاعلامي الذي اطل به الزعيم العوني غداة تأييد ترشيحه في معراب، أعلن أن رئاسة الحكومة ستكون معقودة للشخصية الاقوى لدى الطائفة السنية، ما دام هو الاقوى مسيحيا وسيصل الى موقع الرئاسة الاولى، على نحو يوحي أن المصالحة المسيحية هي التي تأتي بهذه المعادلة، وليس ضروريا او حتميا ان يكون المعبر الاشتراطي لذلك هو الحزب، وفق ما بدا من تريث الاخير في قبول الاتفاق الذي عقده النائب سليمان فرنجيه مع الرئيس الحريري. ومع أن الحزب لم يدل بدلوه في ترشيح فرنجيه علنا، فقد فهم كثيرون أن تحفظه يرتبط بإمكان عودة الحريري الى رئاسة الحكومة وامكان تعريضه للابتزاز تبعا لذلك، وثمة حسابات ينبغي ان تجرى في هذا الاطار، مؤداها ان خسارة “تيار المستقبل” للحليف المسيحي امر ليس سهلا ما لم يكن هناك مصالحة سنية – شيعية في المنطقة، وهذا ليس مؤكدا في المدى المنظور، وهي الحاجة نفسها لجعجع الى حليف سني لئلا يخسر أي حليف من الطائفة الاسلامية، مما يضفي بعض الصدقية على القول إن قوى 14 آذار لم تنته، وإن اهتزت، وتقارب النزاع الاخير نتيجة حاجة كل منهما الى الآخر وعدم انكشافه. الحسابات التي يمكن ان يجريها “حزب الله” قد تشمل المشهد في معراب الذي استطاع جعجع ان يظهر نفسه – سواء أحبه الحزب او لم يحبه – رقما صعبا ولاعبا أساسيا لا يمكن تجاوزه، وبات اسمه مرتبطا بمصالحة مسيحية تاريخية بعد ثلاثين سنة من العداء. قد لا ينزعج الحزب أن ينتهي جعجع بترشيح مرشحه الذي تمسك به طيلة مدة الشغور الرئاسي ولا يزال، وهذا مكسب له يمكن أن يسجله في خانته، باعتبار أنه أتى بألدّ خصومه الى موقعه وكسب خياره. لكنه في المقابل أضحى أمام زعيم آخر للشارع المسيحي، والوارث على نحو مبكر للزعامة المسيحية العونية، بحيث سيضطر الى أن يجري حسابات أخرى في شأنه، خصوصا أنه لا يحظى من جعجع بالغطاء الذي يحظى به من جانب عون. وهو ما سعى جعجع الى بيعه من السعودية في حديثه الصحافي، مع إصراره على ان تمسك قوى الداخل بمصالحها هو ما يمكن أن يدفع الخارج الى تأييدها. والحسابات التي سيضطر الى ان يجريها الحزب تتصل بما اذا كان عون رئيسا يستمر في تأمين التغطية له، يستطيع ان يكون الرئيس القوي الذي يريده الحزب في حال كان الشارع المسيحي في مكان آخر، وهو في خانة خصومه الداخليين مع قوى 14 آذار. والحسابات الاخرى تتصل أيضا بمسائل متعددة، كتقاسم كامل الحصة المسيحية بين عون وجعجع في الانتخابات البلدية والنيابية، بما يفترض تقويما آخر ربما حتى لقانون جديد للانتخاب. وللقوى الاخرى حيثيتها وقوتها، بالنسبة الى النائب سليمان فرنجيه الذي يدرك جيدا مفاعيل الانقلاب من حليف وخصم له على احتمال وصوله الى الرئاسة في ظل ضيق الهامش الذي أضحى امام الطوائف الاخرى حيال التحالف المسيحي، بحيث يمكن ان يتدخل الحزب لديه لتأمين وصول عون بعدما لم يعد في استطاعة الحزب الانسحاب من ذلك ما لم يطح ترشيح عون خصوم الحزب. وتسري الحسابات نفسها بنسب مختلفة على الآخرين، علما ان هذه الحسابات قد لا تضمن وصول عون، بل على العكس من ذلك ما دام حصل توزيع جديد لأوراق اللعبة السياسية في البلد.