تحرك في أميركا اللاتينية لضبط توسع ذراع إيران {حزب الله} وهو بدأ تكثيف أنشطته عبر العالم بعد التدخل الروسي في النزاع السوري
بوينس آيرس: «الشرق الأوسط»/25 كانون الثاني/16
كشفت أجهزة الاستخبارات المكسيكية أخيرا، بالتعاون مع نظيرتها الكندية، عن رصد تحركات لحزب الله بدعم إيراني في منطقة أميركا اللاتينية، وحددت أماكن تغلغله، التي شملت فنزويلا، والمكسيك، ونيكاراغوا، وتشيلي، وكولومبيا، وبوليفيا، والإكوادور، بالإضافة للمنطقة التي ينشط فيها الحزب وهي منطقة المثلث الحدودي بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل. وجاءت هذه التحركات عقب التدخل الروسي في النزاع السوري، مما منح حزب الله ومقاتليه راحة نسبية، وجعله يلتقط أنفاسه في خضم الصراع الدائر هناك. وأوضح جورج شايا، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والمحاضر في جامعة بوينس آيرس الأرجنتينية، أن حزب الله، برعاية إيرانية، سوف يرسم خطة انتشار جديدة، وذلك لأن التدخل الروسي واستخدام السلاح المتطور في الصراع السوري والوجود العسكري الإيراني قلل من استخدام المقاتلين التابعين لحزب الله على الأرض. وبالتالي فإن الوجود العسكري للحزب سيبدأ في التقلص تدريجيا، وهو ما يمهد لإعادة انتشار جديدة في أميركا اللاتينية وعبر العالم، لمرحلة ومهام جديدة. وأضاف شايا في إشارة إلى التدخل الروسي أنه سيكون بمثابة أنبوب أكسجين سيمتد إلى الجماعات المسلحة التابعة لإيران، لكي توسع نفوذها ويوكل لها مهام جديدة. ويرى الكثير من المحللين أن الوجود الإيراني ووجود حزب الله في المنطقة يرجع إلى العلاقات الوطيدة بين إيران وفنزويلا، التي أصبحت نقطة ارتكاز في أميركا اللاتينية، يتحرك منها عناصر حزب الله وعناصر الحرس الثوري الإيراني. وجاء التحذير الأخير بعد أن ألقت السلطات في المكسيك القبض على مواطن لبناني موال لحزب الله على الحدود الأميركية – المكسيكية، وبحوزته أوراق ثبوتية مزورة ومواد مخدرة. ولم تفصح السلطات عن اسم المواطن، وذلك للحصول على معلومات منه عن أنشطة الحزب هناك، في إطار برنامج حماية الشهود الذي يتيح تعاون المتهم مع السلطات. وبحسب اعتراف المتهم الذي القي القبض عليه، فإنه كان يتبع لجهاز الحرس الثوري الإيراني وكانت مهمته هي جمع المعلومات عن أعداء الدولة الإيرانية، حسب قوله. وطبقا لمصادر تابعة لوكالة الأمن الكندية والاستخبارات المكسيكية، فقد تم رصد مجموعات تابعة لحزب الله بدأت بالفعل في العمل على الأرض. ومن بين هذه المجموعات التي سمتها المصادر: «فرع جماعة عباس الموسوي»، و«فرع جماعة عماد مغنية». وأشارت وسائل إعلام إلى أنه عند استجواب المواطن اللبناني قال إن هدف هذه الجماعات هو رصد المصالح التي تهدد إيران في عدد من دول العالم للتحضر لضربها. في سياق متّصل، نشرت وسائل إعلام أرجنتينية تفاصيل عن حجم الوجود العربي في منطقة المثلث الحدودي بين الأرجنتين وباراغواي والبرازيل تفيد بانتشار نحو خمسين ألف عربي، نصفهم تقريبا من الطائفة الشيعية، وهم يتحركون بسهولة في هذه المنطقة نظرا لحجم التجارة الموجودة هناك. ويتزامن هذا الطرح مع الصخب الذي يدور في الصحافة اللاتينية عن وجود حزب الله في هذا المثلث الحدودي، والذي يعتبرونه بمثابة عاصمة أخرى للحزب هناك، حيث يعد شريانا مهما لتصدير أموال تذهب سنويا لتمويل أنشطته.
حزب الله المُحرَج… ينتظر المَخرج
أسامة وهبي/جنوبية/24 يناير، 2016
المحرّك الوحيد الذي يحكم حركة الجنرال ميشال عون السياسية منذ العام 1988 حتى هذه اللحظة، بطلعاتها ونزلاتها وخيباتها ومغامراتها وحروبها العبثية المدمرة وأوراق تفاهماتها وأوراق نياتها وصولاً إلى إحتفالية معراب هو حلم الوصول إلى كرسي رئاسة الجمهورية. فالجنرال عون يريد الوصول إلى هذا المنصب مهما كلّف الثمن، لا يهمه قبل ولا بعد، لا يهمه دمار أو خراب أو فراغ أو ضياع الجمهورية، لا يُشغل باله ببرنامج رئاسي أو بخطاب قسم، يريد كرسي الجمهورية ولو ليوم واحد ومن بعده الطوفان. يريد الوصول إلى كرسي بعبدا ولو على كرسي المقعدين، فهو يعتقد بأنّ منصب رئاسة الجمهورية صُمّم من أجله وعلى مقاسه، وهو خلق لأجله، والله خلقه وكسر القالب، ولهذه الأسباب رفع شعار “أنا أو لا أحد”، حتى أنه لا يريد منافسين له في جلسات إنتخاب الرئيس، يريد أن يكون وحيداً، يريد الإجماع على إسمه وعلى شخصه من الخصوم قبل الحلفاء، يريد من الذين يتوعدهم بالسجن أن يصوتوا له ويستغرب عندما يرفضون تأييده!
وعندما كانت طاولة الحوار تناقش بذاك الموضوع السخيف المسمّى “مواصفات الرئيس”، كان الجنرال عون وتياره ومن ينوب عنه على الطاولة، يتحدثون عن مواصفات الجنرال ميشال عون بعينه ولا يخطر في بالهم أي شخص آخر، فلولا هذا الحلم الكابوس الذي يلازم الجنرال عون منذ شبابه حتى اليوم وهو في منتصف العقد التاسع من عمره، ما كان ليفعل كل ما فعله في حياته السياسية من مغامرات بهلوانية وحروب عبثية وتفاهمات ورقية وأوراق مبنية على النيّة، وعشاوات سريّة وعلنية، وكأنّه يقول للقاصي وللداني: خذ مني ما تريد وأعطني رئاسة الجمهورية.
فأعطى حزب الله ما يريده وأكثر وأعطى النظام الإيراني وأعطى النظام السوري وأعطى السعودي والقطري وأعطى تيار المستقبل حتى وصل إلى معراب، لكنه عجز عن تأمين العدد الكافي من الأصوات لإنتخابه رئيساً للجمهورية، وهو لا يزال عاجزاً عن تأمين الحدّ الأدنى لإنتخابه رئيساً، ومع ذلك، لا يتوانى عن وصف نفسه بالمرشّح القوي للرئيس القوي، فهو ينتقل من ضفة إلى أخرى، يلاحق سراب حلمه الرئاسي، فيكسب تأييداً هنا، ويخسر تأييداً هناك، يمشي خبط عشواء، ينام وهو يظنّ أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من كرسي الرئاسة الأولى، ليصحوَ على خيبات جديدة وعقبات لم تكن في حسبانه، فتبعده عن الكرسي أكثر، لكنه لم ولن ييأس من الركض خلف ذاك السراب. الجنرال عون كان مقتنعاً بأنّه مرشح حزب الله الوحيد لرئاسة الجمهورية، وسبق لحزب الله أن قال للجنرال عون إذهب إلى خصومك وآتنا بتأييدهم ونحن لك من المؤيدين، لم يكذّب الجنرال خبراً، ذهب إلى باريس وإلتقى بالرئيس سعد الحريري، وناقشه بالموضوع، لكنه لم يفلح، وأوفد صهره جبران باسيل إلى السفارة السعودية وإلى السعودية ولم يفلح، وعند كل خيبة يتلقاها الجنرال عون، كان حزب الله يعبّر عن إستمراره بتأييد للجنرال عون لرئاسة الجمهورية، إلى أن أقدم الرئيس سعد الحريري ومعه الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط على إعلان تأييدهم لترشيح النائب سليمان فرنجية، هذه الخطوة أزعجت الجنرال عون كما أزعجت الدكتور سمير جعجع، فجاء ” إعلان معراب” ليعرب عن هذا الإنزعاج ويعيد خلط الأوراق، فعبّرت كل الأطراف عن رأيها بالموضوع، وحده حزب الله ذهب في سبات وصمت عميقين، وهو الذي لطالما طالب الجنرال عون بأن يأتيه بتأييد أي طرف يؤمن له الأكثرية النيابية المطلوبة لإنتخابه ولن يتردد بإنتخابه، لكنه على الرغم من تأييد القوات لترشيح الجنرال عون، لم يفعلها حزب الله لغايةٍ في نفس إيران. سبق لحزب الله أن قالها صراحةً لتيار المستقبل في إحدى جلسات حوارهما الثنائي:” لن نُفرج عن الإنتخابات الرئاسية في لبنان حتى يتم الإتفاق على هذا الملف بين إيران والسعودية…!”، لكن إيران والسعودية أصبحتا في حالة عداء بعد إعدام الشيخ نمر النمر والسعودية قطعت علاقتها الدبلوماسية بإيران، وبالتالي أصبح ملف إنتخابات الرئاسة في الثلاجة بالنسبة لحزب الله، هذا بالنسبة لحساباته الإقليمية، أما بخصوص حساباته الداخلية، فإنّ حزب الله يريد رئيساً خصماً لخصومه وليس رئيساً متحالفاً مع ألدّ خصومه، حزب الله لا يريد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان، بل يريد تكرار تجربة الرئيس إميل لحود، ويرى بالنائب سليمان فرنجية النموذج الصالح لتكرار تجربة الرئيس لحود، لكن حزب الله لا يستطيع أن يقفز فوق الجنرال عون والإتيان بالنائب فرنجية رئيساً للجمهورية، لأن ذلك سيفقده حليفه المسيحي الأقوى الذي لطالما أمّن له الغطاء لكل إرتكاباته ومغامراته داخل الحدود وخارجها، فكان خياره الصمت والإنتظار. حزب الله يريد رئيساً يضرب بسيفه ويعمل حسب تعليماته ووفق أجنداته، حزب الله لا يريد رئيساً يصل إلى بعبدا من بوابة ألدّ أخصامه، لأن ذلك سيمنح الرئيس العتيد القدرة على الإنعتاق من وصاية حزب الله عليه، وعليه، ذهب الحزب إلى سياسة الصمت التي إعتاد إعتمادها عند كل موقف مُحرج، بإنتظار المَخرج والمُخرج!